د. هاني العقاد: ما حدث في الجمعية العامة للأمم المتحدة خلق تساؤلات كبيرة في اسرائيل…؟

د. هاني العقاد 30-9-2025: ما حدث في الجمعية العامة للأمم المتحدة خلق تساؤلات كبيرة في اسرائيل…؟
كانت رحلته من تل ابيب الي نيويورك طويلة ومحسوبة بدقة حتى يتفادى الطيران فوق أي دولة أوروبية او شرق أوسطية خشية الاضطرار للهبوط في أي دولة وبالتالي الاعتقال على خلفية ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية حسب مذكرات الاتهام التي صدرت من محكمة الجنايات الدولية في نوفمبر 2024 بحقه مع رئيس اركان جيشه (يؤاف غالانت) وبالتالي زادت المسافة ما يقارب 600 كيلو متر ما جعل طائرته تصل نيويورك متأخرة عن الموعد المحدد ما أربك جدول أعماله ومراسيم استقباله وكانت هذه اول عقبة تواجه نتنياهو عند وصوله نيويورك. اما الحدث الأكبر والذي تصدر كافة وكالات الانباء والصحف حتى الامريكية كان عندما قاطعت 77 دولة كلمة نتنياهو في الجمعية العامة للأمم المتحدة وانسحبت وفود هذه الدولة في أكبر تظاهرة صامته امام أعلى هيئة دولية احتجاجا على اعتلاء مجرم حرب ارتكب جرائم حرب وإبادة جماعية بحق المدنيين الفلسطينيين هذه المنصة وما زال يصر على ارتكاب هذه الجرائم دون اجترام لقدسية حياة الانسان او أرواح الابرياء من الأطفال والنساء , شكل هذا الانسحاب في ذات الوقت عدم رغبة دولية للاستماع لجملة من الأكاذيب التي يفبركاها عن حقه في قتل المدنيين او محاربة الإرهاب مصوراً ان كل فلسطيني في غزة هو إرهابي ويريد ان يصدق العالم ان كل طفل قتل وتطايرت أشلاءه هو إرهابي فلسطيني شارك في هجوم السابع من أكتوبر ويريد ان يصدق العالم ان كل بيت هدمه هو لإرهابي فلسطيني وكل بيت حرقه بالبنزين هو لإرهابي فلسطيني ,بل وان كل مدينة فلسطينية محيت بنيتها المدنية هي مدينة يسكنها الإرهابيين .
لم يتصور نتنياهو ان يتم مقاطعة كلمته التي اعتقد انها ستكون تاريخية يقنع فيها العالم بحربه الوحشية ويستطيع فيها ان يبرر قتل عشرات الالاف من الأطفال الفلسطينيين في غزة ويدعي في ذات الوقت انه رجل يبحث عن السلام والاستقرار في المنطقة واعتقد انه الساحر الذي سيسحر عيون الوفود ويسلب اغوار عقولهم بكلامه الاجوف الذي هو ليس اكثر من كلام مجرم حرب يحاول الدفاع عن نفسه امام عالم لم يعد يؤمن بان إسرائيل دولة تريد السلام وامام عالم كشف كل أوراق إسرائيل في قراءة معمقة لمجريات الحرب على الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية. وقف نتنياهو ينظر الى الوفود التي انسحبت من قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة بوجه شاحب وعيون وقحة وتعبيرات وجه تقول له انه غير مرغوب فيه في هذا المكان لكنه للأسف لم يؤمن بذلك ولم يصدق المشهد التراجيدي الذي حدث امامه. الحقيقة ان هتافات الخارجين من قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإضافة لرفع شعارات بالأيدي تؤكد ان إسرائيل أصبحت دول معزولة ومنبوذة على مستوي واسع في العالم وهذا اقل تعبير واقل اجراء يصدر عن عالم حر يريد ان يسود العدل والسلم الدوليين هذا العالم , ويريد من إسرائيل ان تحترم القانون الدولي ومواثيق حقوق الانسان واتفاقيات جنيف الأربع ويحترم التعاليم السماوية للديانات الثلاث التي اقرت جميعها بضرورة احترام كينونة الانسان والحفاظ على حياته بدلا من قتله وحرقة وتدمير بيئته المدنية وحرمانه من الحق في الحصول على الطعام الذي هو حق أساسي ضمن الحقوق التي عرفتها مواثيق حقوق الانسان والإعلان العالمي لحقوق الانسان .
وصفت القناة 13 الإسرائيل مشهد الانسحاب الجماعي من قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة بانه غير مسبوق مقارنة بالعام الماضي، معتبرة أن هذا يدلل على حجم الاحتجاج الدولي ضد سياسات الحكومة الإسرائيلية وخاصة استمرار حربها على غزة منذ عامين وحتي الان, اما قناة (24i) فقد اعتبرت أن مغادرة ممثلي الدول أعضاء الأمم المتحدة عند اعتلاء نتنياهو منبر الأمم المتحدة هو دلالة واضحة وقوية ان هذه الدول ترفض وجود نتنياهو تحت هذه القبة التي تعمل على نشر السلام والحربية بين شعوب العالم من اجل ان يسود الامن والاستقرار كافة دول العالم, فيما اعتبرت القناة 12 الإسرائيلية ان انسحاب الوفود الدولية لأكثر من 77 دولة كانت بمثابة رسالة سياسية واضحة لإسرائيل ان العالم لم يعد يؤمن بان إسرائيل دولة سلام تسعي لتحقيقه وبالتالي فان هذا العالم ادار ظهره لإسرائيل بسبب سياسة الحرب المستمرة على الفلسطينيين وعدم الاعتراف بحقوقهم المشروعة واعتبر العديد من المحللين السياسيين الإسرائيليين المحسوبين على المؤسسة الرسمية ان المشهد في قاعة الجمعية العمومية للأمم المتحدة لا يترك مجالا للتأويل ويختص الموقف الدولي الرافض لإسرائيل حتي ان القناة 11 العبرية قالت ان العنوان الأبرز في الصحف العالمية لم يكن خطاب نتنياهو بل المشهد الانسحاب الجماعي الذي طغي على الكلمة , وراي مقدم البرامج السياسية في القناة 12 (عراد نير) ان كلمة نتنياهو تكرس استمرار الحرب والعدوان على غزة ولم يحمل الخطاب أي جديد , واعتبرت ( ليئان فوليك دافيد ) وهي عضو في ” ائتلاف الامن الإقليمي الاسرائيلي ” ان نتنياهو فشل في تقديم بعض الحيل لإبقاء كلمته في الذاكرة لأنها تخلو من الحقيقة واي مضمون حقيقي وركزت على ان الحل يكمن في التوصل الي صفقة بشأن الاسري والمخطوفين الإسرائيليين في غزة, وقلل الاعلام العبري من أهمية بقاء ممثلو الامارات العربية والبحرين في القاعة ولم ينسحبوا منها كباقي احرار العالم فيما اعتبر احرنوت ان انسحاب كل من مصر والأردن والسعودية ولبنان ومقاطعتهم الخطاب هو الأهم من بقاء الأخيرين أطراف اتفاقية ابرهام وهذا لا يقدم ولا يؤخر امام سيل الانسحابات من امام نتنياهو وتركه يتحدث لقاعة فارغة وتصفق له سار نتنياهو والامريكان فقط.
الحقيقة ان العالم كان اكثر جرأة ها العالم بالاجتماع ال 80 للجمعية العامة للأمم المتحدة وقال صراحة لنتنياهو بكلمات وعبارات من غضب انه نجرم حرب ومن خلال الهتافات فقد ارسل رسائل تحذيرية بانه اذا لم تتوقف هذه الجرائم فالسيء قادم لنتنياهو وحكومة إسرائيل وبهذا السلوك الاحتجاجي فان إسرائيل اصحبت منبوذة وسوف يتخلى العالم عنها من الان فصاعدا ولن يصدق روايتها حتى تمتثل للقانون الدولي وتحترم حقوق الانسان وتوقف حرب الإبادة بحق المدنيين الفلسطينيين وتتراجع عن سحق وهدم المدن وتدمير المستشفيات والمدارس والجامعات والمراكز الخدماتية وتجنح الي السلم لتحقق السلام الشامل والعادل وتعيد الاستقرار للمنطقة.
ما حدث في قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة وانسحاب اكثر من نصف اعضاء الأمم المتحدة كحدث غير مسبوق في تاريخ اسرائيل جعل شعب اسرائيل الطامح للسلام والعديد من القادة السياسيين والعسكريين والمثقفين والمفكرين اليوم في إسرائيل يتساءلون , الي اين يمكن ان تصل اسرائيل في حربها على الفلسطينيين ,والي اين يمكن ان تصل العزلة الدولية لإسرائيل , وهل هي فقط في أروقة الأمم المتحدة ام ستتعدى ذلك بكثير لتقطع كافة الدول التي تحتج على سياسة اسرائيل العدوانية علاقاتها السياسية والاقتصادية مع اسرائيل احتجاجا على استمرار حرب الإبادة بحق المدنيين الفلسطينيين في غزة وتنكر حكومة نتنياهو لدعوات اللام الصادرة من العالم ومن الفلسطينيين انفسهم ,وهناك سؤال كبير في أوساط الإسرائيليين من المعارضة وغيرها الي اين سيأخذ نتنياهو اسرائيل ؟, وهناك أسئلة اخري , كيف يمكن اصلاح ما خربه نتنياهو بسياسة الحرب والإبادة التي لا نتائج عملياتية لها سوي اظهار إسرائيل بانها دولة مجرمة خارجة على قواعد القانون الدولي والدولي الإنساني .
مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook