هآرتس: إصرار إسرائيل على الممر الأمني يبعد إمكانية التسوية مع سوريا

هآرتس – تسفي برئيل – 28/9/2025 إصرار إسرائيل على الممر الأمني يبعد إمكانية التسوية مع سوريا
مطالبة اسرائيل بان تؤسس لنفسها هامش سيطرة ونفوذ في سوريا بواسطة “ممر انساني”، يربط بين هضبة الجولان ومدينة السويداء الدرزية، هي كما يبدو العقبة الاخيرة امام توقيع الاتفاق حول ترتيبات امنية بين الدولتين. حسب “رويترز” فان طرح هذا الطلب مجددا، الذي رفض في السابق من قبل سوريا، هو الذي ادى الى تاجيل الاعلان عن اتفاق امني كان يمكن الاعلان عنه في الاسبوع الماضي في نيويورك. يبدو ان الحديث يدور عن قضية تقنية تستهدف ايجاد ممر حركة آمن يمكن الدروز في مدينة السويداء من الانتقال منه الى هضبة الجولان والحصول على المساعدات الطبية وتزويد بالطعام مباشرة من اسرائيل كجزء من تعهدها بالمساعدة في الدفاع عن ابناء الطائفة الدرزية، وهكذا ايضا حل تهديد الحصار الاقتصادي الذي فرض على السويداء في اعقاب المواجهات الدموية وعمليات القتل لابناء الطائفة التي حدثت في شهر تموز. الحصار تم في هذه الاثناء تم رفعه على الاغلب.
لكن القضية بعيدة عن ان تكون تقنية أو انسانية. الفصل الجغرافي بين السويداء وهضبة الجولان يقتضي ان يكون “الممر” عبر محافظة درعا، التي ليست درزية. حمايته بدون مساعدة القوات السورية ستقتضي وضع قوات اشراف عسكرية اجنبية، دولية أو اسرائيلية. هكذا، حسب ادعاء النظام السوري فانه سيرسخ بشكل كامل الفصل بين الدولة والمحافظة الدرزية. النظام يقول بانه لا يوجد سبب لانشاء ممر كهذا لان الدولة ملزمة بتوفير للمحافظة كل احتياجاتها، وهي تفعل ذلك بالفعل. ولكنها تواجه بالتحديد معارضة من قبل جزء من القيادة الدرزية، بالاساس قيادة الزعيم الروحي حكمت هاجري. اضافة الى ذلك هو يرفض التعاون مع النظام، والمليشيات التابعة له تمنع وبحق دخول شاحنات التموين، كي تمنع أي مظهر من مظاهر التعاون.
حسب ادعاء النظام فان “الممر” المنفصل هو امر لا حاجة اليه، لا سيما بعد الاتفاق الثلاثي الذي وقع في 16 ايلول بين سوريا، الاردن والولايات المتحدة. حسب هذا الاتفاق فان النظام في سوريا ملزم بتوفير كل احتياجات المحافظة الدرزية، وحماية الشارع الرئيسي بين دمشق والسويداء. اضافة الى ذلك النظام سيوافق على تشكيل لجنة دولية للتحقيق في احداث شهر تموز، واقامة قوة حماية محلية تشارك فيها قوات درزية الى جانب قوات النظام، وسيتم تعويض المتضررين في هذه المواجهات وضمان حقوق الدروز.
على هذا الاتفاق وقع وزير خارجية الاردن ايمن الصفدي، المبعوث الامريكي توم براك. مصدر سياسي اردني، مطلع على ظروف توقيع الاتفاق، قال للصحيفة بان الاتفاق استهدف “ازالة الحاجز الاخير امام الاتفاق الامني بين سوريا واسرائيل. يمكن ايضا انهاء قضية الممر الانساني عن طريق وضع قوة دولية، حتى امريكية، على طول الممر، لكن يبدو ان هذه قضية مصطنعة، اسرائيل وجزء من القيادة الدرزية خلقتها لضمان تواجد اسرائيل في الفضاء السوري، حتى بعد انسحابها من المناطق التي احتلتها. هذه قضية يمكن ان تعرض للخطر وجود الترتيبات الامنية بين اسرائيل وسوريا، واسرائيل والولايات المتحدة يجب عليهما تقرير سلم الاولويات بالنسبة لهما”.
لكن حتى الاتفاق الثلاثي يعارضه هاجري، ضمن امور اخرى، لانه لم يشارك فيه ممثلون عن الدروز ولان التزام النظام بتقديم للمحاكمة المسؤولين عن المذبحة، فان هذا يعني ان الذين سيتم ايجاد انهم مذنبون سيحاكمون في محكمة سورية، أي محكمة للنظام، التي هي ليست جسم محايد و”لا يتوقع ان تكون عادلة مع الضحايا”.
من خلف هذه الادعاءات يقف طموح هاجري الى اقامة حكم ذاتي للدروز، وربما حتى دولة تستند الى “حق تقرير المصير” للدروز. هاجري، الذي هو احد الثلاثة زعماء الروحيين للطائفة في سوريا، لا يمثل في الحقيقة كل ابناء الطائفة في سوريا، وليست كل المليشيات الدرزية خاضعة له، لكنه يعتبر “رجل الاتصال” مع اسرائيل والذي نجح في تجنيد مساعدتها المهمة في فترة الاحداث الدموية من خلال التنسيق الوثيق مع زعيم الطائفة الدرزية في اسرائيل، الشيخ موفق الطريف. بالنسبة له فان اهمية “الممر الانساني” هي في الواقع رسم خط الحدود بين الحكم الذاتي المستقبلي للدروز وبين دولة سوريا، وهكذا، تحديد طابع الدولة. أي انه هل سوريا ستكون دولة موحدة أو دولة كانتونات واقاليم حكم ذاتي، لا تخضع للحكومة المركزية أو انها ترتبط بها بشكل ضعيف.
هذه القضية تضع احمد الشرع امام معضلة، لان الحديث لا يدور فقط عن المس بسيادة النظام والتهديد بفصل المحافظة الدرزية عن الدولة وانتقالها الى رعاية اسرائيل، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. كل تطور في المحافظة الدرزية له تاثير مباشر على المحافظات الكردية في شمال الدولة. زعيم “القوات الكردية الديمقراطية”، مظلوم عبادي، الذي يحصل على الرعاية والتمويل والسلاح الامريكي، كما يعتبر الشريك الفعال لها ضد داعش، وقع في هذه السنة على اتفاق مع الشرع ينص على دمج قواته في الجيش السوري الوطني الجديد. ولكن دروس الاحداث في المحافظة الدرزية، فشل النظام في الدفاع عن ابناء الاقلية الدرزية، وبالاساس مشاركة مليشيات وعصابات تنتمي للنظام في ارتكاب المذبحة، جعلت الاكراد يجمدون المفاوضات مع النظام رغم الضغط الامريكي على قيادة الاكراد. قضية الاكراد معقدة اكثر لان الاكراد لديهم قوة عسكرية اكثر اهمية من قوة الدروز، ومنذ الحرب الاهلية نجحوا في اقامة لانفسهم محافظات حكم ذاتي تتم ادارتها ماليا وعسكريا بشكل مستقل. الآن يجب عليهم اتخاذ قرار هل سيتنازلون عن هذه المكانة، وماذا سيكون المقابل الذي سيطلبونه.
في الوقت الذي فيه المحافظات الكردية ما زالت غير خاضعة للنظام المركزي في دمشق، والمحافظة الدرزية ترفع علم الاستقلال برعاية اسرائيل، فقد بقي الان امام الرئيس السوري التمسك باهداب الرئيس الامريكي ومحاولة اقناعه بان “الممر الانساني” بالصيغة الاسرائيلية يمكن ان يحطم ما ظهر كانجاز سياسي وحيد لترامب: اتفاق امني بين اسرائيل وسوريا. الشرع سبق له ووافق على اجراء تعديلات عميقة على اتفاق فصل القوات الذي تم التوقيع عليه بين اسرائيل وسوريا في 1974. وحتى تجريد جزء كبير من المنطقة من السلاح، الذي تمتد بين دمشق وهضبة الجولان، واقامة منطقة “قليلة التصعيد”. المتحدثون باسمه يشرحون ان الامر لا يتعلق باتفاق جديد بين الدولتين، بل توسيع معين للاتفاقات القائمة، التي مقابلها ستقوم اسرائيل بالانسحاب من معظم المناطق التي احتلتها في سوريا منذ سقوط نظام الاسد في كانون الاول الماضي. ولكن “الممر الانساني” بين اسرائيل والسويداء، الذي سيظهر كـ “خط حدود” بين سوريا والمحافظة الدرزية، وسيؤثر ايضا على احتمالية دمج المحافظات الكردية في الدولة، هذه شوكة كبيرة يصعب ابتلاعها.
الشرع يعتمد ايضا على الموقف الامريكي العلني، الذي بحسبه من شان سوريا ان تكون دولة موحدة تحت حكم مركزي واحد، جيش واحد وقانون واحد. هذا الموقف تدعمه تركيا، التي شجعت الشرع على التوقيع على اتفاق “الدمج” مع الاكراد، وايضا دول الخليج، على رأسها السعودية، التي تعهدت المساعدة بمليارات الدولارات في اعادة اعمار سوريا وتمويل نشاطات النظام. حتى الان من غير الواضح أين سيميل قلب ترامب، لانه ليس فقط السياسة الواقعية هي محل الاختبار، بل ايضا هناك المكانة والكرامة. الشرع تعهده ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي حول زعيم سوريا الى محبوب ترامب، هو ايضا حليف واحد رعايا تركيا، قطر ودولة الامارات، التي هي صديقات مقربة للولايات المتحدة وعائلة الرئيس. في المقابل، الدروز هم “اخوة السلاح والدم” لاسرائيل، والتزامها تجاههم من شان الممر الانساني ان يرمز اليه.