هآرتس: المعطيات تبين أن اغلبية القتلى في غزة هم مدنيون

هآرتس – نير حسون – 22/9/2025 المعطيات تبين أن اغلبية القتلى في غزة هم مدنيون
قبل عشرة ايام وصل رئيس الاركان السابق هرتسي هليفي لمحادثة مع اعضاء موشاف عين هبسور في غلاف غزة. خلال المحادثة التي حاول الاعتذار فيها عن الفشل في 7 اكتوبر وأن يشرحه لهم، قال لاعضاء الموشاف: يوجد 2.2 مليون مواطن في غزة، اكثر من 10 في المئة منهم قتلوا أو اصيبوا. هذه ليست حرب لطيفة”. هذه المرة لم تكن المرة الاولى التي فيها شخصية اسرائيلية رفيعة تؤكد تقريبا على معطيات وزارة الصحة لحماس في غزة.
حسب وزارة الصحة الغزية فقد قتل حتى الآن 65.283 شخص واصيب اكثر من 166 ألف شخص، أي حوالي 230 ألف شخص بالاجمال. في آذار 2024 اكد ايضا رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو على بيانات وزارة الصحة الفلسطينية عندما قال ان اسرائيل قتلت 13 ألف مخرب، و1 – 1.5 مدني مقابل كل مخرب. نتيجة هذه المناورة كانت قريبة جدا من معطيات الوفيات لوزارة الصحة في غزة. هكذا، في الوقت الذي فيه بصورة رسمية اسرائيل تواصل انكار المعطيات فانها فعليا تعترف بان هذه المعطيات موثوقة. يجب الذكر ايضا بان وزارة الصحة لا تكتفي بنشر اعداد، بل تدعمها بقائمة مفصلة تشمل الاسم الكامل (بما في ذلك اسم الاب والجد) وارقام هوية القتلى. رقم الهوية تصدره اسرائيل. لو اعتقدت حكومة اسرائيل ان القوائم غير موثوقة فان وزارة الصحة الحمساوية قد اعطتها كل الادوات لدحضها. حقيقة ان اسرائيل تنازلت عن محاولة دحض القوائم تدل ايضا على موثوقيتها.
السؤال عن عدد القتلى في غزة تقريبا غير موجود خارج الاستوديوهات في اسرائيل. النقاش الاساسي يتركز على مسالة هويتهم – كم من القتلى هم من مقاتلي حماس والتنظيمات المسلحة الاخرى، وكم هو عدد غير المتورطين؟ باللغة العسكرية. اسرائيل تطرح ادعاء صحيح فيما يتعلق بقوائم وزارة الصحة – يقول انها لا تميز بين المسلحين والمدنيين. لكن سلسلة طويلة من الابحاث والتقارير التي نشرت خلال الحرب، وكذلك المقارنة بين معطيات الجيش الاسرائيلي ومعطيات وزارة الصحة في غزة تزيد الشك بان المدنيين هم الاغلبية الساحقة من بين القتلى في غزة – نسبة اعلى من المعطيات الرسمية الاسرائيلية (التي تتحدث على الاغلب عن مواطن أو مواطنين قتلى مقابل كل مسلح)، وأعلى من أي حرب اخرى في القرن الواحد والعشرين.
في 20 آب نشر المتحدث باسم الجيش ملخص لعملية عربات جدعون، التي بدأت مع خرق وقف اطلاق النار في 18 آذار (التي تحولت بعد ذلك الى عربات جدعون 1، ازاء بداية عملية عربات جدعون 2). في البيان تفاخر الجيش الاسرائيلي بقتل اكثر من 2100 مخرب. البيان شمل اسماء 34 قائد أو زعيم من حماس، الذين قتلوا في هذه الفترة على يد الجيش الاسرائيلي. في نفس اليوم، حسب وزارة الصحة الفلسطينية، تم احصاء 10576 قتيل منذ خرق وقف اطلاق النار. أي حوالي 20 في المئة من القتلى فقط هم من المدنيين ومن اعضاء حماس. في نفس البيان للمتحدث باسم الجيش الاسرائيلي قيل انه في تلك الفترة كان هناك حوالي 10 آلاف هجوم في القطاع. وبكلمات اخرى، حسب الجيش الاسرائيلي في المتوسط كل مخرب قتل في القطاع يحتاج الى 5 هجمات منفصلة. الجيش لم يفسر بشان الـ 80 في المئة من المدنيين الذين قتلوا في كل هجوم.
في التحقيق الذي نشرته في الاسبوع الماضي منظمة “موقع الصراع المسلح وبيانات الحادث” (إي.سي.ال.إي.دي)، وهي منظمة امريكية غير حكومية توثق النزاعات العنيفة، ادعي ان عدد المسلحين الذين قتلوا في هذه الفترة لا يزيد عن 1100، أي اقل 10 في المئة. مع ذلك، هذه المنظمة لا تعطي تفاصيل عن كيفية استخراج هذا العدد. هذا المعطى عن النسبة الكبيرة للمدنيين القتلى يتساوق ايضا مع بحث من شهر آب اجراه الصحافي يوفال ابراهام في موقع “محادثة محلية” وفي “الغارديان” على اساس قاعدة البيانات التابعة لـ “أمان”. حسب ابراهام فانه في شهر أيار تم توثيق في قاعدة البيانات 8900 من رجال حماس والجهاد الاسلامي، كما يبدو قتلى. في نفس الوقت بلغ عدد قتلى حماس حوالي 53 ألف. المعنى هو انه حسب هذه البيانات فقط حوالي 17 في المئة من القتلى كانوا مسلحين أو تم تشخيصهم كرجال حماس.
ايضا في مراحل متقدمة اكثر للحرب حاول مراسلون وبعض المنظمات فحص بيانات الجيش الاسرائيلي. في شباط 2024 نشرت “بي.بي.سي” تحقيق حاول فحص ادعاء الجيش الاسرائيلي الذي يقول انه في الحرب قتل حتى ذلك الحين 10 آلاف مخرب، ووجد ان هذا العدد غير معقول. ايضا منظمة “اير وورز” التي حللت الاسابيع الثلاثة الاولى للحرب وجدت ان نسبة النساء والاطفال القتلى في هذه المرحلة كانت استثنائية في كل مقارنة دولية اخرى. عدد المسلحين الذين قتلوا في هذه الفترة كان صغير. من بين الـ 606 هجمات التي وثقتها المنظمة فانه فقط في 26 منها وجدت ادلة على قتل شخص مسلح. ايضا الباحث والمدون عيدان لنداو الذي تابع بيانات المتحدث باسم الجيش الاسرائيلي فيما يتعلق بعدد القتلى توصل الى استنتاج مشابه، ايضا المؤرخ لي مردخاي الذي يدير قاعدة بيانات ضخمة حول الحرب. ايضا منظمة آكشن اون ارند فيولينس، التي فحصت البيانات في تشرين الثاني 2024 توصلت الى استنتاج بانه على الاقل 74 في المئة من القتلى حتى ذلك الحين هم من المدنيين.
يمكن فحص ايضا القوائم الاسمية لوزارة الصحة في غزة. من البيانات يتضح ان 46 في المئة من القتلى هم من النساء والاطفال تحت جيل الـ 18، وبينهم اكثر من 940 طفل رضيع تحت جيل السنة. هذا الرقم هو ضعف أي نزاع آخر تم فحصه في الحروب منذ التسعينيات، وهو يدل حسب الباحث البريطاني البروفيسور مايكل شفغيت على حجم المس بالمدنيين.
يمكن المعرفة عن نسبة المدنيين الذين قتلوا في غزة من صمت المتحدث باسم الجيش الاسرائيلي فيما يتعلق بهجمات محددة التي طلب منه الرد عليها. قبل ثلاثة اسابيع طلبت “هآرتس” من المتحدث باسم الجيش الاسرائيلي رد على 29 هجوم موثق من شهر آب، التي قتل فيها 180 شخص. في معظم الحالات لم يتم اعطاء رد موضوعي حول سبب الهجوم أو رد على سؤال هل يوجد لدى الجيش الاسرائيلي أي دليل على تشخيص القتلى.
في الاسبوع الماضي سئل الجيش الاسرائيلي مرة اخرى عن موت 23 شخص من ابناء عائلة زقوت في غزة. في هذه الحالة ايضا لم تقدم اجابة. في عشرات الاحداث الاخرى التي تم التحقيق فيها بشكل جيد من قبل منظمات حقوق انسان ومراسلين، تبين ان سياسة اطلاق النار للجيش الاسرائيلي تسمح بقتل جماعي للمدنيين حتى عندما يكون الخطر على حياة القوات ضئيل أو أن هدف الهجوم هو شخص واحد في الجهاز العسكري للعدو.
القتال في غزة يجري خلف ستار دخان. الجمهور الاسرائيلي والمراسلون يجدون صعوبة في استخلاص الحقيقة حول ما يحدث في غزة. ولكن من بين كل التحقيقات والتقارير والشهادات المتراكمة يتبين وجود صعوبة كبيرة في قبول الادعاءات الاسرائيلية بشان احترام قوانين القتال والامتناع عن المس بالابرياء. تفسير هذه السياسة ربما يمكن ايجاده في اقوال هليفي التي قالها لاعضاء عين هبسورا في لقائه معهم: “بين سنة ونصف وسنة وسبعة اشهر هاجمنا في كل الشرق الاوسط كثيرا وبكميات ضخمة. لا يوجد أي مرة قام أي احد بتقييدي، حتى المدعي العام العسكري. بالمناسبة، لا توجد للمدعي العام العسكري صلاحية لتقييدي”.
الانشغال بالارقام يمكن ان يجعلنا ننسى أن خلفها توجد ماساة انسانية لا يمكن تخيلها. في اليومين الاخيرين، مثلما في معظم الايام منذ بدات الحرب، نشرت توثيقات لمدنيين قتلى في قطاع غزة: جثث، واشلاء اعضاء في الشارع، شقيقتان قتيلتان بجانب بعضهما، طفل رضيع جثته محترقة، وكومة جثث محملة على شاحنة. من بين الصور هناك صورة لاربعة اخوة في عائلة جملة، اخ كبير يحتضن اخ صغير، شقيقتان تقفان بابتسام وخجل امام الكاميرا. جميعهم تم قتلهم في الهجوم على بيتهم في غزة في فجر يوم السبت.
من المتحدث باسم الجيش جاء: “الجيش الاسرائيلي يعمل على تقليص المس بالمدنيين والبنى التحتية المدنية وفقا لقوانين الحرب. هو يبذل جهود كبيرة من اجل اتخاذ اساليب حذرة قبل تنفيذ الهجوم. الارقام المعروضة في التحقيق لا تتناسب مطلقا مع التقديرات المتواصلة في الجيش الاسرائيلي بالنسبة لحجم الاضرار بنشطاء حماس ومنظومتها، التي ترتكز الى عدد متنوع من المصادر والمعطيات”.