هآرتس: الخطوات ضد إسرائيل لا تزال رمزية لكن أوروبا تبث انها مستعدة للسير بعيدا

هآرتس – ليزا روزوفسكي – 21/9/2025 الخطوات ضد إسرائيل لا تزال رمزية لكن أوروبا تبث انها مستعدة للسير بعيدا
لكونهم احفاد تراث متشعب من العلاقات الخارجية والتحالفات، فان الفرنسيين مؤمنين متحمسين بالدبلوماسية. الرئيس عمانويل ماكرون اثبت ذلك مرة تلو الاخرى: مستشارون وعاملون في الخارجية الفرنسية، يعملون في ظله، قالوا: ليس مهم ماذا، هو دائما معني بالتحدث”. هذا كان صحيح في بداية شباط 2022 عندما كان ماكرون الزعيم الغربي الاخير الذي وصل الى موسكو بجهد بائس لمنع الغزو الروسي لاوكرانيا، وهذا صحيح ايضا في ايلول 2025. رغم الاهانات المتكررة من قبل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ومن أبناء عائلته والمقربين منه، فان ماكرون يواصل محاولة أن يصالح نظيره الاسرائيلي واقناعه بان المبادرة الفرنسية – السعودية، اعتراف الدول الغربية بالدولة الفلسطينية، ليست خطوة معادية ضد اسرائيل. الفرنسيون وماكرون على رأسهم يحاولون التوجه ايضا الى الجمهور الاسرائيلي بنفس الرسالة.
التعبير عن هذه المحاولة ظهر في يوم الجمعة عندما اعلن ماكرون عن اعتقال (وتسليم) المتهم بتورطه في العملية في مطعم يهودي في باريس في عام 1982 التي قتل فيها ستة اشخاص. حتى ان ماكرون اكد على ان المشتبه فيه، الذي حسب مصادر فرنسية، ساهم كثيرا في تخطيط العملية وتم اعتقاله على يد السلطة الفلسطينية. المصدر اكد ان جهود القنصلية الفرنسية في القدس – التي في احدى جلسات الحكومة الاخيرة ناقشوا اغلاقها – كانت في تعاون مع السلطة، وكلتاهما ساهمتا في الاعتقال. في فرنسا يؤكدون أنهم هم والسلطة الفلسطينية ليسوا اعداء لاسرائيل، بل شركاء، حتى في مكافحة الارهاب. لا يبدو ان الرسالة تجد اذن صاغية في محيط نتنياهو، لكن الفرنسيين يواصلون المحاولة.
مؤتمر حل الدولتين الذي سيبدأ بلقاء الزعماء في الجمعية العمومية للامم المتحدة في هذا الاسبوع هو الدليل على ان الدبلوماسية الفرنسية تحقق النجاحات في كل مرة. وحسب اقوال دبلوماسيين غربيين فان الوثيقة الفرنسية – السعودية تطرح تحقيق حلم الدولتين كهدف لان تحقق في “زمن محدد” كانت الوثيقة الوحيدة ذات العلاقة في هذا الشان. لذلك فقد حظيت في الاسبوع الماضي على دعم جارف في الجمعية العمومية للامم المتحدة.
ايضا الاعتراف الغربي الجماعي بالدولة الفلسطينية – الذي طرحه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وتطوع ماكرون ليكون المقدم له – هو المبادرة العلنية الوحيدة التي تبدو كوزن مضاد للحرب الخالدة التي تشنها اسرائيل في غزة. في السنة الماضية اعلنت اسبانيا والنرويج وايرلندا وسلوفانيا عن اعترافها بالدولة الفلسطينية، وفي هذه السنة انضمت فرنسا واستراليا وكندا ومالطا والبرتغال. في بريطانيا طرح رئيس الحكومة كير ستارمر شروط للاعتراف بالدولة الفلسطينية، لكن الـ “بي.بي.سي” نشرت بانه يتوقع ان يتم التوقيع على هذا القرار اليوم. في بلجيكا اعلن وزير الخارجية ان الاعتراف بالدولة الفلسطينية سيدخل الى حيز التنفيذ فقط بعد اعادة جميع المخطوفين، وبشرط ان لا تكون حماس ذراع حاكم في غزة. نيوزيلندا ولوكسمبرغ اعلنت بأنها تفحص الانضمام.
الاعلان الفرنسي – السعودي يعد عدة خطوات في الطريق لاقامة الدولة الفلسطينية – انهاء الحرب، تحرير المخطوفين، الانسحاب الكامل للجيش الاسرائيلي، تسليم سلاح حماس للسلطة الفلسطينية، وضع قوة دولية في مناطق الدولة الفلسطينية المستقبلية، اصلاحات وانتخابات ديمقراطية في السلطة بدون حماس. في هذا البيان ذكر ايضا نقل صلاحيات الاونروا الى السلطة الفلسطينية من اجل “حل عادل” لمشكلة اللاجئين.
الكثير من الخطوات، لا سيما عندما يتم جمعها معا، لا يظهر انها قابلة للتنفيذ في القريب. ايضا اعتراف الدول الغربية بالدولة الفلسطينية لا يتوقع ان يثمر نتائج عملية – طالما ان هذا مرهون بسياسة، واسرائيل لا تتخذ أي خطوات مضادة. سفارات الدول الغربية لا يتوقع أن تفتح في رام الله في القريب. بهذا المعنى فان نجاح فرنسا هو على الاكثر نجاح رمزي. ولكن عندما تنتهي الحرب في غزة فيبدو ان المبادرة الفرنسية – السعودية، التي بالنسبة لحكومة اسرائيل هي معروضة كمعادلة حالمة، ستبقى “الوثيقة الموجودة على الطاولة”، والمدعومة بتاييد دولي شامل. ايضا الولايات المتحدة لا يمكنها ان تتجاهلها، ربما عندها، بأثر رجعي، يمكن تتويج الجهود الفرنسية باعتبارها نجاحا دبلوماسيا حقيقيا.
بأيدي فارغة
في هذه الاثناء في العالم ينتظرون الخطوات المضادة التي وعدت بها اسرائيل، بدءا بضم اجزاء في الضفة الغربية وحتى خطوات عقابية خاصة ضد الدول التي ستعترف بفلسطين. هكذا مثلا تم طرد من اسرائيل دبلوماسيون من استراليا والنرويج مسؤولون عن العلاقات مع السلطة الفلسطينية. في العالم يدركون جيدا انه حتى بدون خطوات رسمية فانه تزداد وتيرة الضم لاجزاء في الضفة الغربية. لذلك فان كثيرين لا ينوون الجلوس مكتوفي الايدي. حتى خطوة تبدو بعيدة عن الواقع مثل تقليص اتفاق التجارة الحرة مع اوروبا، المتوقع ان ينتقص مئات ملايين اليورو من خزينة الدولة، تبدو الآن اكثر من مرجحة. المانيا اعلنت بانها منفتحة على مناقشة ذلك، وايطاليا قالت انها ستكون مستعدة لذلك شريطة أن لا يضر بـ “السكان المدنيين” الاسرائيليين.
ماذا ستفعل اوروبا ودول غربية اخرى اذا ضمت اسرائيل رسميا اجزاء في الضفة؟ من المرجح الافتراض انهم في الغرب سيبتلعون جزء من حبة الدواء المرة بدون تحطيم الادوات. مثلا، ضم الكتل الاستيطانية الكبيرة، لكن خطوات اخرى يمكن ان تكون مشكلة خطيرة. دبلوماسي غربي كبير سبق ووصف بـ “قنبلة نووية” تهديد وزير المالية بتسلئيل سموتريتش بفصل البنوك الفلسطينية عن المنظومة الاقتصادية في اسرائيل. في محادثة مع مراسلين قال هذا الدبلوماسي بان “هذه الخطوة ستدمر السلطة الفلسطينية، وهذا ستكون له تداعيات سياسية وامنية خطيرة على اسرائيل”.
مع ذلك، هنا ايضا من غير الواضح اذا كانت التداعيات هي ان اسرائيل ستسلم بالفوضى الامنية التي ستترتب على ذلك أو انها ستتضرر من العقوبات التي ستفرضها الدول الغربية. هناك شيء واحد مؤكد وهو ان فرنسا ودول اخرى لن تمر مر الكرام على خطوات “عقابية” مباشرة توجه اليها. واذا تم اغلاق القنصلية الفرنسية فستقلص الدولة الخدمات القنصلية للاسرائيليين – الفرنسيين من سكان القدس، وباحتمالية عالية ايضا سكان سكان المستوطنات.
نتنياهو يتوقع ان يلقي خطاب في الامم المتحدة في نهاية لقاء القادة، حيث يكون معظمهم قد غادروا نيويورك. في القاعة سيكون موجود بالاساس ممثلو البعثات بمستوى متدني. من المرجح ان دول مشبوهة، مثل ايران والجزائر، ستقاطع الخطاب بشكل تظاهري، لكن من غير الواضح اذا كانت دول اخرى ايضا ستتخذ نفس الخطوة. واضح ان الخطاب سيشمل توبيخ يتهم المجتمع الدولي بالنفاق والمعايير المزدوجة تجاه اسرائيل. ولكن هل سينطوي على رسالة حتى لو كانت جزئية تقدم اسرائيل كدولة مستعدة للمصالحة؟.
في الفترة الاخيرة يلمحون في اسرائيل بانه يتم بذل الجهود كي لا يأتي نتنياهو الى الامم المتحدة بأيدي فارغة تماما. اذا لم يتم وقف النار في غزة فعلى الاقل سيكون اتفاق امني مع سوريا. في هذه الاثناء هذا الاتفاق يبدو صعب على التحقق. من ناحية، يصعب تصديق ان اسرائيل ستوافق على الانسحاب من المنطقة العازلة التي قامت باحتلالها. ومن غير المعقول ايضا أن تتنازل بسهولة عن احتمالية ضرب اهداف في سوريا مقابل سحب دبابات نظام الشرع من المنطقة التي طالب نتنياهو بنزع سلاحها في جنوب دمشق.
من جهة اخرى، على فرض ان نتنياهو يستمع الى ما تفكر فيه الطائفة الدرزية في اسرائيل، الا انه في نهاية المطاف يظهرون خط متشكك، وحتى عدائي ضد نظام الشرع، وهم يريدون ان تاخذ اسرائيل الدروز في محافظة السويداء تحت جناحها كي يحصلوا على الاستقلال. حسب مصادر في محيط الشيخ موفق طريف، الزعيم الروحي للدروز في اسرائيل، فان الشيخ السوري حكمت هاجري الذي يمثل معظم دروز السويداء، غير مستعد لتسوية مع نظام الشرع وهو يطالب بحكم ذاتي واسع للدروز. حسب بعض التقارير هاجري رفض طرح حل الازمة في المحافظة، الذي تم التوصل اليه بين الولايات المتحدة ونظام الشرع والاردن. الفترة القريبة ستنبئنا اذا كان سيواصل التمسك بموقفه.
نتنياهو سيصل الى الامم المتحدة في حضيض غير مسبوق لصورته في العالم ولصورة اسرائيل. هو سيمثل في اجتماع زعماء العالم في انفصال ذهني عميق عن الكرة الارضية. هو يعتبر نفسه المدافع عن اسرائيل، لكن المواطنين في اوروبا وفي امريكا اللاتينية وفي الدول العربية، الذين يشاهدون الصور من غزة يعتبرون مجرم حرب وحشي وساخر. ولكن بين الرأي العام العالمي وسياسة معظم الحكومات توجد فجوة كبيرة. رغم الاقوال القاسية والخطوات الرمزية الا ان النشاطات العملية بقيت محدودة وحذرة جدا. العالم ينتظر رد نتنياهو من اجل التفكير فيما سيحدث في هذا المسار – هل سيؤدي الى تحطم آخر مؤلم جدا، أو مواصلة الخوض في المياه الضحلة، أو ربما بداية التعافي. اوروبا ودول الخليج تلمح الى انها لا تحمل أي ضغينة لمن يعيشون في صهيون، بل فقط لزعيمهم.
“اتفاقات ابراهيم توجد في قسم العلاج المستعجل، وهي في وضع حرج”، قال للصحيفة المحلل البحريني عبد الله الجنيد. “لكن دول الخليج لن تفصلها عن الاجهزة”. الجنيد طلب من الاسرائيليين رؤية “اليوم التالي لنتنياهو”، والاهتمام بان دول الخليج لن تكون الوحيدة التي تحافظ على الاتفاقات. مصادر في اسرائيل اكدت على ان حكام دولة الامارات، السعودية والبحرين، يجدون صعوبة في الجسر بين البراغماتية وطموحهم الى شرق اوسط مستقر وبين ما تفكر فيه الجماهير التي تشاهد القتل في القطاع. ورغم ذلك فان الخط الاحمر الوحيد الذي تمده الامارات والسعودية يتعلق بابقاء ثغرة لاقامة دولة فلسطينية. عمليا، هذه الدول لا تستخدم كل ثقلها لوقف الحرب في غزة، وهكذا ايضا الدول الاوروبية.
في حين ان نتنياهو يقوم باعداد شعب اسرائيل ليعيش وحيدا، فان الخلاصة المفاجئة هي أنه بعد سنتين على الحرب الدموية وعديمة الافق السياسي، وقائمة طويلة من التصريحات والتجارب العنيفة والاهانة للجيران والشركاء، العالم ما زال بعيد عن احراق الجسور مع اسرائيل. الجمعية العمومية للامم المتحدة ستوفر لنتنياهو فرصة اخرى للاصلاح، لكن مشكوك فيه ان يستغلها.