رفيق خوري: سياسة الاغتيال الإسرائيلية: بكل الوسائل وبلا عقاب

رفيق خوري 21-9-2025: سياسة الاغتيال الإسرائيلية: بكل الوسائل وبلا عقاب
جاء في التوراة أن “الرب كلم موسى قائلاً: أرسل رجالاً يمكن أن يتجسسوا في أرض كنعان التي أهبها لأطفال إسرائيل، أرسل من آبائهم وكل قبيلة رجلاً، وكل واحد بينهم أمير”.
وكما في الأساطير المخترعة كذلك في الوقائع المصنوعة: سياسة بني إسرائيل قائمة على التجسس والاغتيال والسطو على الأرض وإفناء الأعداء بأوامر وهمية من السماء، ومن قديم الزمان إلى اليوم.
قبل قيام إسرائيل، أرسلت الحركة الصهيونية نخبة من رجالها للتجسس في بيروت ودمشق وبغداد والقاهرة وسواها، وكانت أبسط مهماتهم شراء الأرض في فلسطين من مالكيها العرب وشراء العملاء.
أما عصابات “الهاغاناة والأرغون وشتيرن وليهي” فإنها ركزت على اغتيال شخصيات عربية وحتى دولية مثل الوسيط الكونت برنادوت الذي اغتاله إسحق شامير”.
إسرائيل “لم تلعب دوراً في إخراج بريطانيا من فلسطين وإنما العرب لعبوا دوراً، لكن لندن أخرجت نفسها عندما أدركت أنه ليس هناك إستراتيجية للبقاء” كما قال المؤرخ توم سيغيف.
ومع قيام إسرائيل وبعد قيامها كان تركيز بن غوريون الذي شكل الموساد رسمياً عام 1951 على قتل المدنيين وتهجيرهم بالقوة وممارسة سياسة “كي الوعي” لتغيير الوعي العربي بالاستناد إلى ما سماه نموذج تغيير الوعي في ألمانيا واليابان عبر تدمير درسدن 1945 وقتل 36 ألف شخص من أهاليها وتدمير هيروشيما وقتل 66 ألف شخص بالقنبلة الذرية.
ولم يجد رئيس الأركان الحالي الجنرال إيال زامير في التمهيد لاحتلال غزة وإخراج أكثر من مليون فلسطيني منها سوى الاستشهاد بنص التناخ في المزامير: “أتبع أعدائي فأدركهم، ولا أرجع حتى أفنيهم”.
ليس الفشل الإسرائيلي في اغتيال قادة “حماس” في الدوحة هو الفشل الأول، ولا الاعتداء على قطر هو الخرق الأول لسيادة دولة وللقانون الدولي، وإن كان الأول على دولة حليفة لأميركا وتقوم بوساطة لإطلاق الرهائن الإسرائيلية من غزة وإنهاء الحرب على القطاع، لا بل إن نتنياهو يرفض تعبير الفشل، ويرى “أن الشيء الأساس الذي أردنا نقله هو الرسالة”، أي رسالة ولمن؟
رسالة إلى “حماس” أولاً خلاصتها “أن الاختباء ممكن لا الهرب”، رسالة إلى قطر وسوريا ولبنان والعراق وسواها أنه “لا حماية لأحد ولا حصانة لبلد” لأن “يد إسرائيل طويلة” وتتمتع بحصانة وحماية من أميركا وخصوصاً في زمن ترمب.
والقمة العربية الإسلامية الطارئة كانت قمة التضامن مع قطر، لا قمة القرارات والمواجهة، والسؤال بعد المحاولة الفاشلة في قطر هو: هل فقد الموساد القدرة على الاغتيال ولذلك لجأت إسرائيل إلى طائرات إف 35 بعد تفجير البيجر في لبنان بأيدي كوادر “حزب الله”؟
الجواب يتوقف أولاً على كشف المعلومات الدقيقة عن إدارة الهجوم الجوي وما إن كان الموساد مشاركاً في المعلومات والتخطيط أم إنه أبعد نفسه عن الاعتداء لئلا يفقد دوره مع الوسيط القطري، لكنه يتوقف كثيراً على تاريخ الاغتيالات وتنوع الوسائل في تنفيذها، فمنذ البدء طلب بن غوريون “استخبارات ممتازة” وربط مائير عميت الرئيس الثالث للموساد بين “التكنولوجيا والعامل البشري” لضمان أفضل استخبار.
ومع الوقت اندفعت إسرائيل، بحماية أميركا، في العمل الاستخباري وعمليات الاغتيال خارج القانون الدولي وخارج الضوابط التي تقيد الاستخبارات في أميركا وفرنسا وبريطانيا، وهذا مع الاعتماد على التكنولوجيا المتقدمة جداً والعامل البشري الذي دخلته النساء في التجسس، مما رسم أسطورة الاستخبارات الإسرائيلية، إلى حد أن تقريراً سرياً للاستخبارات الأميركية كشف عنه الذين احتجزوا الدبلوماسيين في السفارة الأميركية لدى طهران جاء فيه “إن استخبارات إسرائيل وخدمتها الأمنية من بين الأفضل في العالم”.
ذلك أن الموساد والاستخبارات العسكرية “أمان” والاستخبارات الداخلية “الشاباك” يعملون معاً على رغم التنافس بينهم، وعمليات الاغتيال التي قامت بها إسرائيل كانت، مع استثناءات محددة، بالتعاون بين هذه الأجهزة تحت إشراف رئيس الحكومة ووزير الأمن والمجلس الوزاري المصغر.
وسائل تنفيذ الاغتيالات عدة: بصواريخ الطائرات جرى في بيروت اغتيال صالح العاروري من قادة “حماس”، والسيد حسن نصرالله وخليفته هاشم صفي الدين في قيادة “حزب الله” ورئيس أركانها فؤاد شكر ومسؤولي الصفوف الأولى والثانية والثالثة في “المقاومة الإسلامية”.
وبالسيارات المفخخة جرى في دمشق اغتيال القائد العسكري لـ”حزب الله” عماد مغنية، وفي بيروت كان اغتيال عدد من مسؤولي “حماس”، وبالطائرات المسيرة قتلت إسرائيل حتى الآن أكثر من مئتي عضو في “المقاومة” كما فجرت أجهزة البيجر المفخخة إسرائيلياً في وجود نحو 3 آلاف من كوادر “حزب الله”، وبقنبلة في غرفة نومه في طهران قضى رئيس “حماس” إسماعيل هنية، وفي فندق في دبي اغتالت إسرائيل المسؤول الفلسطيني المبحوح.
وما فعلته إسرائيل بالمسؤولين الكبار في إيران بواسطة الموساد والصواريخ كان ضربة شديدة، كذلك اغتيال رئيس الوزراء في حكومة الحوثيين مع وزرائه بالصواريخ، وقبل ذلك قامت إسرائيل بعمليات إنزال في تونس واغتالت جهاد الوزير وعدداً من قادة “فتح”، والمسلسل طويل.
لكن الاغتيالات لا تغير الكثير في مجرى الأحداث، لأن البدائل جاهزة في المنظمات والجيوش والأحزاب والحكومات، وليس أمراً قليل الدلالات أن يسأل المسؤول الأمني سابقاً في تل أبيب عاموس هرئيل: “هل ستندم إسرائيل على اغتيال نصرالله”؟
في كتاب “كل جاسوس أمير” يسجل دان رافيف ويوسي ميلمان ما قامت به الاستخبارات الإسرائيلية من عمليات ناجحة وأخرى فاشلة، وما فعله شمعون بيريس في باريس للحصول على مفاعل نووي بدعم من بن غوريون، وسط اعتراض أوساط في حزب ماباي على أن تصبح إسرائيل نووية، وما خسرته أخيراً أجهزة الاستخبارات من دعم شعبي في إسرائيل يعاكس الرأي الشعبي السلبي في أميركا وبريطانيا لأجهزتها الاستخباراتية.
يقال: أعطني رجلاً مستعداً للموت وخذ القتيل الذي تريد، فكيف إذا كان الرجل الإسرائيلي الذي يقوم بالاغتيال يتمتع بالحماية في الجو وبالرعاية إذا جرى اعتقاله في أي بلد؟ وكيف إذا كانت قواعد اللعبة مفروضة على الجميع باستثناء إسرائيل؟.