ترجمات عبرية

هآرتس: في الشرق الأوسط الميليشيات المحلية تتمرد على صانعيها، لكن إسرائيل تجرب

هآرتس 19/9/2025، تسفي برئيلفي الشرق الأوسط الميليشيات المحلية تتمرد على صانعيها، لكن إسرائيل تجرب

ان تفعيل مليشيات محلية في غزة لخدمة الجيش الإسرائيلي واعدادها كـ “قوة مساعدة” مقاتلة، وتزويدها بسلاح ورخصة للقتل مقابل المال، والسيطرة على منطقة جغرافية، كل ذلك يعرض للخطر جنود الجيش الإسرائيلي ويجعل إسرائيل تصطدم، ليس فقط مع سكان القطاع، بل أيضا مع المجتمع الدولي. ومثلما كشف في “هآرتس” ينيف كوفوفيتش، فان هذه المليشيات لا تعمل فقط في تمشيط الانفاق والمباني المشبوهة، بل تعمل أيضا في “نشاطات عسكرية جوهرية”. بعض الضباط الذين تحدثنا معهم حذروا من ان السيطرة على هذه القوات المحلية هي محدودة، لانها لا تخضع حقا لتعليمات الجيش الإسرائيلي، وحتى أنها يمكن أن تنفذ مذبحة ويتم تحميل ضباط الجيش الإسرائيلي المسؤولية عنها. هذه التجربة ليست جديدة، ونتائجها معروفة مسبقا. في لبنان شكل الجيش الإسرائيلي “جيش لبنان الجنوبي”، والى جانبه استخدم قوات محلية لم تكن تخضع لاطار منظم. في الضفة الغربية  أيضا كانت في بداية الثمانينيات محاولة فاشلة لاقامة “روابط القرى”، التي رسميا لم تعمل كمليشيا عسكرية، بل كجسم مدني هدفه اضعاف م.ت.ف وتطوير بديل سياسي يعمل على إقامة حكم ذاتي. ولكن رجال الروابط الذين تم تزويدهم بالسلاح من اجل الدفاع عن انفسهم، قاموا باستخدامه في كثير من الحالات لفرض الرعب و”اقناع” الخصوم بالانضمام الى منظماتهم.

لا يوجد لإسرائيل حق براءة هذا الاختراع، ومثلها كل من انشأ وجند واستخدم مليشيات، افترض انه يستطيع السيطرة على أفعال جنود المليشيات، واملاء عليهم أوامر فتح النار واعمال النهب والسلب والقتل، أو تحويلهم الى قوة سياسية تدير المنطقة المحتلة أو تساعد في فرض الاحتلال. هذه الافتراضات تحطمت في معظم الحالات على صخرة الواقع، الذي في نهاية المطاف قامت باملائه المليشيات المحلية نفسها. الدولة التي راكمت ربما التجربة الأكبر والأكثر مرارة في استخدام المليشيات هي الولايات المتحدة. في تموز 2017 غرد الرئيس ترامب وقال: “أنا ساوقف الدفعات الخطيرة والمبذرة التي أرسلت للمتمردين في سوريا الذين يحاربون ضد الأسد”. هذه كانت تغريدة غير دقيقة. ترامب لم يقم بإلغاء كل خطط المساعدة للمتمردين، بل فقط خطط الـ سي.آي.ايه. القوات التي شغلها البنتاغون، بالأساس قوات المتمردين الاكراد في شمال سوريا، واصلت وتواصل الحصول على التمويل. هذا كان قرار صعب ولكنه منطقي.

لقد تبين للإدارة الامريكية بانه ليس فقط ان العملية كلفت مبالغ باهظة، مليار دولار تقريبا في اربع سنوات، التي تم فيها استخدام هذه المليشيات، حتى بعد برنامج التدريب الكثيف وكمية السلاح التي حصلت عليها، كانت النتائج على الأرض قليلة. والأكثر خطورة من ذلك هو أن هذه المليشيات “الامريكية” التي حصلت على رعاية البنتاغون والتي حصلت على رعاية ودعم الـ سي.آي.ايه، حاربت بعضها البعض. مثلا، في شهر شباط 2016 طردت المليشيات الكردية “قوات سوريا الديمقراطية”، التي شكلها البنتاغون، مقاتلي مليشيا “فرسان الحق” من مدينة مارع، الموجودة على بعد 20 كم شمال حلب، التي كانت تعمل برعاية الـ سي.آي.ايه. هذه المواجهة، التي لم تكن الوحيدة بين المليشيات “الامريكية”، ربما كان يمكن تحملها، ولكن تبين أن السلاح الكثير، وضمن ذلك صواريخ مضادة للدروع، الذي نقلته الـ سي.آي.ايه للمتمردين التابعين لها، شقت الطريق لقوات “جبهة النصرة” التي كانت ما تزال فرع للقاعدة.

“جبهة النصرة” هي تنظيم كان يترأسه أبو محمد الجولاني، الذي انفصل عن القاعدة في 2016 وقام بانشاء “هيئة تحرير الشام”، التي اسقطت نظام الأسد في كانون الأول السنة الماضية. منذ ذلك الحين تخلى الجولاني عن اسمه السري وعاد الى اسمه الحقيقي احمد الشرع، والآن هو رئيس سوريا ويحصل على رعاية الرئيس ترامب، تركيا والسعودية. تركيا هي في الحقيقة “الرابح الأكبر” من نجاح الشرع، الذي حظي خلال سنوات على المساعدة المالية، الاستخبارية والعسكرية، من تركيا، التي خلقت “الواجب الوطني” واعتماد الشرع على انقرة.

لكن سوريا حتى الآن لم تتحرر بشكل كامل من سلطة المليشيات، والتحدي الكبير للشرع كان وما زال دمج المليشيات في جيش وطني واحد، وهي المهمة التي ما تزال بعيدة جدا عن التحقق. ليس فقط ان المليشيات الدرزية والكردية هي التي تقوض الآن طموحه لتاسيس دولة سوريا الموحدة، بل عشرات المليشيات والعصابات المستقلة ما زالت تعمل في الدولة وتسيطر على أجزاء فيها.

من المفارقة ان البنتاغون والـ سي.آي.ايه والإدارة الامريكية بشكل عام، كان ينبغي لها ان تكون تعلمت الدرس من استخدام المليشيات المحلية. حتى في الحرب بين الاتحاد السوفييتي سابقا وأفغانستان في الأعوام 1979 – 1989 شغلت وكالة المخابرات المركزية قوات مجاهدين محليين اثبتت نجاعتها ونجحت في دفع قوات السوفييت للانسحاب من البلاد. ولكن مثلما في سوريا، واجه المشغلون الامريكيون في أفغانستان صعوبة في السيطرة على القوات المحلية، وضع قواعد السلوك واوامر اطلاق النار ومنع فقدان المعدات والسلاح. عند انتهاء الحرب ضد الاتحاد السوفييتي اندلعت حرب أهلية دموية في البلاد بين القبائل والمليشيات، وهرب ملايين الأشخاص الى باكستان وايران ودول أخرى. في نهاية الصراع ظهرت حركة تمرد باسم “طالبان”، التي تم تصنيفها لاحقا بانها منظمة إرهابية، واحتضنت أسامة بن لادن، مؤسس القاعدة.

ان استخدام المليشيات المحلية من قبل قوة محتلة فيه اغراء غير قليل، الذي يكمن أساسه في توفير حياة الناس من أوساط مقاتلي القوة المحتلة. ولكن مثلما تعلمت القوات الامريكية في العراق وفي أفغانستان فان المليشيات يمكن ان تغير تصويب سلاحها وتطلق النار على من دربها ومولها أو حتى من أعدها لتكون قوة حاكمة بديلة.

في غزة القصة لا تقل تركيبا وتعقيدا. بالذات من فهم الخطر من وجود مليشيات هي حماس، التي بعد فترة قصيرة من سيطرتها في القطاع في 2007، قامت بشن حملة لتفكيك هذه المليشيات العشائرية والعائلية. هذه العائلات التي امتلكت السلاح اقامت حواجز على الطرق وحددت “مناطق امنية” عائلية (مربعات)، التي هددت السيطرة الحصرية لحماس بدرجة لا تقل عن قوات حركة فتح، التي نجحت في اجتثاثها بوحشية خلال فترة قصيرة.

هذه العائلات راكمت أساس قوتها اثناء حكم ياسر عرفات، الذي عند عودته الى القطاع والى الضفة بعد التوقيع على اتفاق أوسلو ادرك بان عليه تجنيد ثقة رؤساء العائلات الكبيرة، مثل عائلة حلس، الاسطل، المصري ودغمش، وقيادة القبائل البدوية، من اجل مواجهة معارضة الجيل الشاب. اخلاص هذه العائلات، التي كانت لها مصالح تجارية كبيرة وراكمت الأموال والنفوذ الاقتصادي حتى قبل عودة عرفات، جنده بواسطة مناصب رفيعة في مؤسسات م.ت.ف وفي الوزارات الحكومية وفي البلديات، وأيضا إعطاء ميزانيات سخية. هذه الترتيبات بدأت تتفكك في الانتفاضة الثانية عندما وجدت قيادات العائلات الكبيرة صعوبة في السيطرة على نشاطات المقاومة المسلحة للشباب، الذين فرضت عليهم الولاء لفتح ومنعتهم من الانضمام لحماس وغيرها من التنظيمات التي أصبحت مركز جذب وتجنيد، وحل محل الولاء العائلي.

يصعب الآن تقدير مدى نفوذ وقوة العائلات الكبيرة والقبائل البدوية. ففي بيانات رسمية نشرها اتحاد العشائر والعائلات على صفحات الفيس بوك، هذا الاتحاد يعارض التعاون مع إسرائيل ومع الجيش الإسرائيلي، ويرى معظمهم ان السلطة الفلسطينية وم.ت.ف هي الممثلة الوحيدة لهم، وقد تبرأ بعضهم علنا من المليشيات التي أقامها الجيش الإسرائيلي بقيادة قادة العصابات، من بينهم ياسر أبو شباب ورامي حلس، الذين يعملون كمرتزقة.

في نفس الوقت الجهود التي بذلها الجيش الإسرائيلي والشباك ورئيس المخابرات الفلسطينية ماجد فرج، الذي في 2024 حاول إقامة مليشيات من أبناء العائلات الكبيرة، لم تثمر حتى الآن. يمكن التقدير انه إزاء انهيار البنية الاجتماعية في القطاع وتدمير عائلات كاملة، والتهجير الجماعي من أماكن السكن الثابتة التي خلقت أيضا “مربعات عائلية” ومراكز قوة سياسية محلية، فقد انهارت أيضا قواعد نفوذ رؤساء هذه العائلات والقبائل. إضافة الى فقدان القدرة على مساعدة أبناء عائلاتهم هم فقدوا قوتهم السياسية.

الاستنتاج هو ان إسرائيل تجد نفسها في غزة في واقع أسوأ واخطر بكثير من الواقع الذي عملت فيه القوات الامريكية في العراق وأفغانستان. ففي هاتين الدولتين تم تشكيل حكومة مدنية محلية بالتعاون مع الاحتلال. وحتى لو أنها لم تكتسب الشرعية المحلية واعتبرت متعاونة مع المحتل واحتاجت الى عشرات مليارات الدولارات بتمويل أمريكي، الا انها على الأقل اعفت القوات الامريكية من الحاجة الى إدارة الدولة بشكل مباشر.

في غزة ليس فقط انه لا يوجد حكم محلي على أي مستوى، سواء على مستوى المحافظة أو على مستوى المدينة أو القرية، الجيش الإسرائيلي نفسه هو الذي يستعد لادارة القطاع مباشرة، في الوقت الذي فيه في هذه الاثناء لا توجد أي خطة واقعية لترسيخ أجهزة إدارة وحكم بديلة. هنا من شأنه أن يتطور المنحدر الزلق الذي تتحول فيه المليشيات المحلية التي جندها الجيش الإسرائيلي الى نوع من “الإدارة المدنية” لقطاع غزة، لمن مقاتليها المسلحين سيكونون المسؤولين ليس فقط عن مرافقة قوافل الغذاء وتوزيعه، بل أيضا عن تنفيذ نشاطات شرطية، وقضاء سريع، وتوزيع قسائم ارض لاقامة أماكن إيواء وتفعيل وسائل مواصلات وسيطرة على الموارد الحيوية مثل الوقود والمياه.

حجم هذه السيطرة يجبر المليشيات على تجنيد آلاف “المتطوعين”، الذين ستكون حاجة الى تسليحهم وتمويل نشاطاتهم، ومن هنا المسافة قصيرة الى حرب شوارع وتصفية حسابات قاتلة والنهب والسلب، وفي نهاية المطاف تشكيل منظمات متنافسة تحارب ليس فقط بعضها البعض، بل تحارب أيضا قوات الجيش الإسرائيلي. ما كان في العراق وأفغانستان وسوريا لا يمكن أن يكون مختلف في غزة.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى