ترجمات عبرية

يديعوت احرونوت: سنة تبدأ بالاحتلال

يديعوت احرونوت 19/9/2025، ناحوم برنياعسنة تبدأ بالاحتلال

صباح خريفي رقيق ولامع يطل اليوم من فوق غزة الخربة، عندما يحتل الرمل المدينة، النور يتعزز، يرتد الى خوذات الجنود، الى صفائح الدبابات، الى قوافل النازحين. في الغلاف سيحيي الناس الواحد الاخر بسنة طيبة وسيبتسمون، مثلما يبتسم نتنياهو بعد أن يقول جملة لا يؤمن بها. اما هم فسيشعرون بالحاجة لان يضيفوا قولا ذكيا: سنة طيبة لغرض التغيير، مثلا، في سياق اليوم ستجرى جنازات عسكرية. وسيروي الأصدقاء مدائح للشهداء، والأهالي سيبررون القضاء. من سيموتون يحيوك، يا قيصر، درج المقاتلون الرومان على الإعلان عندما كانوا يدخلون ساحات المعارك في روما. وبين الحين والآخر ستقوم أم وتطلق صرخة. على شاشات التلفزيون في البلاد سيصور الاحتلال المتجدد لغزة كشيء ما احتفالي، بطولي: أبراج تسقط، قواتنا تندفع الى الامام، رئيس الأركان يوجه تعليماته، الوزير يهنيء، عواميد الدخان الأسود تتصاعد ببهجة من فوق معاقل العدو. احدى ألمعيات الجيش الإسرائيلي في الحرب هي القطيعة التامة التي تحققت بين الجنود وبين السكان: الجنود لا يرون المواطنين؛ المواطنون لا يرون الجنود. جد مراعي، جد انساني للطرفين.

على مدى سنتي الحرب كان الجيش الإسرائيلي في كل واحد من احياء مدينة غزة. جاء، احتل، اشتبك، صفى، خرج. يكذبون عليكم عندما يتحدثون عن احتلال غزة كحدث عسكري تأسيسي. الفارق هو أن هذه المرة يدخل الجيش الإسرائيلي دون خطة خروج: هذا فارق دراماتيكي. الفارق الثاني بقدر لا يقل دراماتيكية، وممزق للقلب: هذه المرة دخول الجيش يتم في ظل خطر واضح، واعٍ، لحياة المخطوفين، فيما أن المقترح للصفقة موضوع على الطاولة.

عشية الحملة كانت في إسرائيل تقديرات مفصلة عن المخطوفين المحتجزين في المجال المديني لغزة. من اللحظة التي بدأت ما تسمى “عربات جدعون 2” انتهى مفعول هذه التقديرات. شهادات من افتدي من أسرى أوضحت لمحافل الاستخبارات بان حماس تنقل المخطوفين في احياء قريبة جدا مما قدروا في إسرائيل. وهي تفعل ذلك فوق الأرض وتحت الأرض. وعليه فلا سبيل لضمان حياة المخطوفين: من شأنهم أن يصابوا بقصف الجيش او بخطوة من حماس أو في تداخل لقصف الجيش وخطوة حماس. الحرب تنطوي على خطر على الحياة، بما في ذلك حياة الرهائن، لكن نتنياهو يأخذ هنا رهانا غير معقول، غير مسؤول، وهو يفعل هذا رغم معارضة جهاز الامن، من رئيس الأركان الى الأسفل.

ان مسألة الخروج تتطلب توسيعا. وزير المالية ونصف الامن سموتريتش ظهر أول أمس في حدث عقارب. سُئل عن اليوم التالي لاحتلال غزة. “على طاولة الرئيس ترامب توجد خطة تجارية كتبها الأشخاص الأكثر مهنية”، قال. “هي ستصبح غزة واحة عقارات. بدأت بمفاوضات مع الأمريكيين. انا لا أقول هذا على سبيل المزاح. دفعنا مالا كثيرا على هذه الحرب. علينا أن نرى كيف نعيد المال الى الأرض. مرحلة الهدم، المرحلة الأولى في خطة التجدد المديني، فعلناها منذ الان. والان يجب البناء”.

سامعو سموتريتش انفجروا بالضحك: يا له من موهوب معالي الوزير، كم هو لامع، كم هو مغرور. الناس يقتلون، بمن فيهم من صوتوا له وآخرون أيضا؛ أطفال، شيوخ، جوعوا وطردوا وسلبوا؛ وهو يحتفل بالعقارات. فهل قتلت وورثت أيضا، احتج الياهو النبي في آذان الملك أحاب، لكن هذه الفصول في “التناخ” تجاوزها معالي الوزير. 

سموتريتش قصد ما قاله ترامب قبل اشهر عن إعادة بناء غزة كريفييرا مزدهرة وطرد طوعي لقسم من السكان. ترامب لم يكرر هذه الاقوال منذ ذلك الحين: حكام السعودية والامارات اوضحوا له بانهم لا يمكنهم ان يسمحوا لانفسهم بترحيل سكان غزة. هم أيضا لديهم حساسية للشارع وخطوط حمراء. وفهم ترامب بان ليس مجديا له ان يعرض للخطر استثماراته القائمة في الرياض وفي أبو ظبي مقابل استثمارات في الهواء في غزة. لكن من ناحية السموتريتشيين الصفقة وقعت، ولم يتبقَ الا تفعيل بضع فرق في الميدان وتقاسم الغنيمة مع ترامب.

عندما يبحثون في الجيش في خطة احتلال، فانهم يتحدثون عن خطوات اقل لمعانا من فنادق وكازينوهات. الاحتلال هو الحمل، وبعده تأتي الولادة ويأتي وليد الى العالم – حكم عسكري اسمه. هذه هي طريق الطبيعة. مثلما ينبغي اعداد غرفة الوليد قبل الولادة، فان الحكم العسكري هو أيضا ينبغي اعداده قبل الاحتلال. اكثر من هذا، يجب أخذه بالحسبان، في القتال نفسه، في مراحله، في معالجة السكان المحتلين، في اعداد القوات المقاتلة.

شيء من هذا لم يحصل. ثلاث فرق تدخل الى غزة فيما أن عيون المقاتلين وقادتهم مضمدة، كآخر المخربين. في مؤتمره الصحفي الأخير، ذاك الذي حاول فيه نتنياهو أن يمحو القول البائس السابق عن إسرائيل كسوبر اسبرطة، تباهى نتنياهو بذكائه الاستراتيجي. على مدى سنتي الحرب كانت كل استراتيجياته هي ذكاء باثر رجعي. استراتيجية مرتجعة. هكذا أيضا الاحتلال المتجدد لمدينة غزة. اذا ما مر الاحتلال بسلام، فانه سينسب النجاح لنفسه ويتهم كل الاخرين، وقبل الجميع رئيس الأركان، بالجبن، الالتزامية، التردد؛ اما اذا تعقد الاحتلال فانه سيتهم قيادة الجيش بالفشل المتواصل، بالوهن، بالخيانة. هكذا تصرف منذ بداية الحرب.

الفارق الثالث بين احتلالات غزة السابقة في الأشهر الأولى للمناورة، وبين الاحتلال الحالي هو وضع إسرائيل في العالم. ما كلف ثمنا سياسيا واقتصاديا محدودا في الأشهر الأولى بعد مذبحة 7 أكتوبر يكلف الان اكثر بكثير، حين تعتبر إسرائيل مجرمة. الضرر متراكم. كل ما يعرف نتنياهو كيف يواجهه هو كلمتان: لاسامية وترامب. الاتهام باللاسامية سيردع كل من ينتقدنا، واذا لم تنقذها اللاسامية فسينقذنا ترامب. مثلما يفهم اليوم كل من يعيش هنا، فان هذين الذراعين اجتازا ويجتازان سياقات تآكل. ولما ضاق الحال على نتنياهو تمسك نتنياهو باسبرطة.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى