أقلام وأراء

مروان المعشر: الهيمنة الاسرائيلية مستمرة دون رادع

مروان المعشر 19-9-2025: الهيمنة الاسرائيلية مستمرة دون رادع

لن أتوقف كثيرا عند القمة العربية الإسلامية في الدوحة، والبيان الختامي الذي صدر عنها. فإن شئت أن أبقي نفسي على المستوى التحليلي، وأن ابتعد عن الخطاب الشعبي الاستنكاري، الذي يعبر عن الأغلبية الساحقة من الشعوب العربية والإسلامية، التي ما عادت تؤمن بأية اجتماعات من هذا النوع، لا ترتقي دولها فيها إلى مستوى المسؤولية المطلوب، فإن القمة الأخيرة تشير إلى حقيقتين واضحتين:

الأولى، إنها تعبر بوضوح عن الحال الذي وصل إليه العالم العربي، هذا إن بقي هذا المصطلح قائما من الناحية السياسية، وإن كان صحيحا أن العالم العربي ليس له سجل جيد في اتخاذ سياسات تكاملية موحدة وفاعلة، فإنه اليوم وصل حالة غير مسبوقة من الإفلاس السياسي، والوهن القومي، والضعف العسكري تجعله فريسة سائغة للهيمنة الإسرائيلية العسكرية، غير قادر على مواجهتها إلا ببيانات لفظية، لم تعد تقنع حتى كاتبيها.

والثانية، إن الهيمنة العسكرية الإسرائيلية التي استباحت حتى اليوم سيادة ست دول عربية منذ السابع من أكتوبر 2023 هي الأراضي الفلسطينية وسوريا ولبنان واليمن والعراق وقطر، إضافة إلى إيران ستستمر، طالما ليس هناك رادع لها. تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي الأخيرة تدل بوضوح على أن إسرائيل، وعلى الرغم من اعترافها بتزايد عزلتها الدولية، إلا ان ذلك لا يشكل أي رادع لها، كونها تؤمن بسياسة ما تدعوه بـ”الانتصار الكامل”، “Total victory”وهو ما تسعى إليه اليوم في غزة وفي المنطقة. ترسل إسرائيل اليوم رسالة واضحة مفادها، أنها تستطيع الوصول للدولة والشخص الذي تريد، من دون أن يتمكن أحد من إيقافها. وتعتمد إسرائيل في ذلك على رأي عام داخلي يشعر بنشوة هذا الانتصار، ولا يكترث، بل يتجاهل، عدا بعض الأصوات القليلة، المعاناة الفلسطينية، كما لا يشعر بأنه يدفع أي ثمن لهذه الغطرسة. وتعتمد أيضا على إدارة ترامب التي تعطي إسرائيل عمليا ضوءا أخضر في الاستمرار في هذه السياسة، من دون أية اجراءات عملية لوقفها.

في ضوء هذه الحقائق، حان الوقت للدول العربية، المتشرذمة حاليا، والتي لديها مصالح مختلفة أوصلتها لحالة الوهن الراهنة، أن تدرك أن أحدا منها لن ينجو من هذه السياسة الإسرائيلية، لا تلك التي وقعت معاهدات سلام مع إسرائيل، ولا تلك التي انخرطت في الاتفاقات الإبراهيمية، ولا تلك التي لديها قواعد عسكرية وأجنبية في أراضيها. واقع الحال أن إسرائيل مستعدة لخرق ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي لأي دولة في المنطقة، بغض النظر عن موقف هذه الدولة من القضية الفلسطينية، ما دامت تل أبيب ترى ذلك في مصلحتها.

إذا كان هذا التشخيص صحيحا، فإن عدم الرد العربي الفاعل من شأنه المساهمة في استمرار الهيمنة الإسرائيلية، وبالتالي لن تكون الضربة الإسرائيلية على قطر هي آخر الاستهدافات لدولة عربية. بمعنى آخر، ان لم يشأ العالم العربي أن يؤكل يوم أكل الثور الأبيض، عليه ان يبدأ باتخاذ سياسات لا تكتفي ببيانات الشجب والإدانة.

إن كانت الدول العربية لا تعتقد أنها قادرة على مواجهة إسرائيل عسكريا، فأقل الايمان رفع كلفة هذه الهيمنة على اسرائيل بكل الوسائل السياسية والاقتصادية والقانونية، والمساهمة في تثبيت عزلة إسرائيلية دوليا، بحيث تظهر للحكومة الإسرائيلية، كما للشعب اليهودي أن سياسة الهيمنة لها كلفة لن تكون في صالح إسرائيل في المدى الطويل. على الدول العربية الإدراك أن عدم التنسيق الجدي بينها وعدم اتخاذ مواقف موحدة وفاعلة، بات لا يضر القضية الفلسطينية فحسب، بل مصالحها أيضا. يتطلب ذلك إجراءات كثيرة لا تقف عند الحد الأدنى، وهو استخدام الاتفاقات الإبراهيمية ومعاهدات السلام ليس لمحاباة إسرائيل، ولكن كأداة ضغط جادة عليها والتوقف عن الحديث عن السلام، وكأن هناك شريكا على الطرف الآخر أو كأن ذلك من شأنه وقف آلة الحرب الإسرائيلية، واستخدام كل الوسائل الدبلوماسية لإقناع الدول التي تنوي الاعتراف بدولة فلسطين خلال أيام بوقف تصدير الأسلحة لإسرائيل، ووقف استيراد بضائع المستوطنات، والعمل على محاكمة إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، وجلب المسؤولين الإسرائيليين للوقوف أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب والإبادة الجماعية. من دون ذلك، ستستمر إسرائيل في انتهاكاتها ليس ضد الفلسطينيين فقط، بل ضد المنطقة، من دون أن تشعر بأن هناك كلفة لذلك. فماذا نحن فاعلون عند الانتهاك المقبل؟ بيان آخر؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى