أقلام وأراء

أكرم عطا الله: لن تنتهي الحرب دون حسم الإستراتيجيات الكبرى

أكرم عطا الله 14-9-2025: لن تنتهي الحرب دون حسم الإستراتيجيات الكبرى

لا يمكن فصل هذا القدر من التسطيح في التحليل الذي صاحب هذه الحرب عن إطالة أمد الإبادة. فقد قررت حركة «حماس» في هذه الحرب أن تقرأ وتستمع لما يتلاءم مع رؤيتها، أو بما يتناسب مع مواساة قدرٍ أصيبت بصدمته عندما كانت النتائج تجسدها قوة السلاح لا المؤتمرات والأُمنيات، نتائج تجرف تاريخاً من الفعل الوطني، وتجرف غزة، وتجرف الحركة نفسها. وكان التحليل الذي يتوقع نهاية الحرب في أيّ لحظة، أو لاعتبارات خارجية، قد ساد في كبرى وسائل الإعلام ولدى محللين تم استدعاؤهم ذهبوا بهذا الاتجاه، إما عن قصد وإما لسطحية كانت السمة الأبرز للعقل الجمعي لعامين، أو رغبة في استيلاد أمل من ظلام آخذ بالسواد.

بالنسبة لإسرائيل لم تكن هذه حرباً ككل الحروب، ولم تخف ذلك؛ فقد اعتبرتها منذ الأيام الأولى «حرب الاستقلال الثانية» معلنة بهذا الوضوح، وهذه الجملة لم يتم التوقف أمامها باعتبارها أخطر ما قيل في هذه الحرب، بل حددت مبكراً مسارها وأهدافها. ولم يحتج الأمر كثيراً من التفسير لمعرفة أن هذه أمّ الفرص بالنسبة لدولة توسعية محاطة بقدر من الأعداء، ولن تنهي حربها دون استكمال كل ما كانت تخطط له، وقد توفرت لها كل العوامل والممكنات والمناخات اللازمة من تعاطف وتفهم دولي، ومخازن مفتوحة للسلاح، وقوة عسكرية كاسحة مسلحة بالقنابل النووية والأقمار الصناعية.

الحقيقة أمامنا وهي أن هذه الدولة التي درجت على تحويل أيّ محنة إلى منحة استغلت هذه الحرب للذهاب بعيداً فيما لم يكن من الممكن لها مجرد التفكير بها. فالسياسة والمشاريع ابنة مناخات، وهذه فرصة لن تتكرر تدركها إسرائيل ويدركها رئيس وزرائها الأكثر دهاء في تاريخها، فهل يمكن أن تتوقف الحرب عند هذه النقطة، أم ستكمل إسرائيل ما قررته مستغلة الظرف الذي وقع بيدها مثل تفاحة نيوتن؟ فهي تعتقد أنه لو توقفت الحرب عند هذه المحطة، فإن المحور المناهض لها سيعاد ترميمه مستفيداً من التجربة التي تلقى فيها ضربات موجعة لكنها لم تقتله، وستبقى «حماس» وسلاحها لتقوم بـ»طوفان أقصى» قادم ولو بعد عقود، فلماذا نتصور أن إسرائيل يمكن أن تقبل بذلك، خصوصاً أن ما تمكنت من تحقيقه خلال العامين الماضيَين يفتح شهيتها على عدم ترك المشاريع معلّقة دون حسم.

أوسلو كان بسبب الهاجس الديموغرافي وخشية إسرائيل من تفوق الفلسطينيين عددياً عليها، لتصبح دولة أبارتهايد عنصري من خلال أقلية تحكم أغلبية، وتلك رؤية وضعها مركز اليهودية المعاصرة منذ الثمانينيات، وكانت الحصيلة المعرفية قد نشرها بعد أربع سنوات مركز دراسات الأمن القومي في كتيب بعنوان «دولة غزة»، وقد تم الأمر إلى حد ما مع زيادة اليهود في الضفة ككتل استيطانية وسكانية. ولكن المفاوضات السياسية كانت تهدد بقيام دولة فلسطينية من خلال توحيد الضفة وغزة، ما دعا لابتداع الحل بتحريض أو خلق مناخات لحركة «حماس» تطرد خلالها السلطة الرسمية المعترف بها، وتأخذ غزة بعيداً عن غلاف السلطة أو امتداد الضفة.

كان هذا حلاً اعتبرته إسرائيل إستراتيجياً استثمرت به وبذلت جهداً لإدامته، بل واضطرت أحياناً لنقل الأموال لحكم «حماس»، ومنعت بأيّ وسيلة أي حضور للسلطة في غزة، وقضت على أيّ إمكانية لعودتها مستغلة بساطة «حماس» وحداثتها السياسية واندفاعاتها العاطفية والأيدلوجية. لكن السابع من أكتوبر قلب كل شيء، ليستدعي من جديد إسرائيل لتسيطر على القطاع وكتلته السكانية التي تعيد إسرائيل عددياً لهاجس الأبارتهايد، بالإضافة إلى ما شكلته غزة عبر تاريخها دفيئة للكفاح ضد إسرائيل ومنتجة للفصائل المسلحة.

بعدَ الديموغرافيا الفلسطينية في غزة التي ما زال شبح تهجيرها قائماً، وهناك شك بتنازل إسرائيل عنه، اعتبرت أيضاً أن المشروع النووي الإيراني لعقود يشكل تهديداً إستراتيجياً كان هاجس ربع القرن الماضي، إذ تصدر إلى جانب الديموغرافيا التهديدات المحيطة بإسرائيل، وقد نجحت مستغلة الوقائع بجر الولايات المتحدة لضرب المشروع النووي والمفاعلات الإيرانية، وسيتحدد تجدد الحرب بناء على قدرة إيران على العودة للمشروع.

هل كان أحد يتصور أن تتم صفقة يتنازل فيها نتنياهو عن تهجير سكان مدينة غزة المليون، وتدمير المدينة كمشروع إستراتيجي مقابل عشرة أسرى؟ وكذلك هل يمكن أن يتصور أحد أن نتنياهو سيوقف حرب ومشاريع لم تحسم منذ عام 48 وأنهكت إسرائيل لسنوات وكادت تهددها بخطر إقامة دولة فلسطينية توفرت الظروف المثالية لحسمها من أجل هؤلاء الأسرى؟ فإسرائيل، وبعد قدرتها على اجتياح غزة، باتت تتحدث عن سيطرة إسرائيلية على القطاع، وكانت تتحدث عن ضمان أمن إسرائيل لعقود قادمة، هكذا أعلن غالانت منذ بدء الحرب، فهل يتحقق ذلك إذا ما توقفت الحرب؟ لذا كانت كل التحليلات التي تشجع «حماس» وتقدم لها قراءات سطحية تتسبب لها بضرر إستراتيجي لن يتم علاجه، فقد كان لإطالة أمد الحرب، وعدم فهم «حماس» لتداعياتها والتصرف وفقاً لحقائقها وراء تحقيق إسرائيل لتلك الانتصارات لنصل لهذا المأزق.

الخلاصة أنه دون حسم القضايا الإستراتيجية لن توقف إسرائيل الحرب. هذا ما كان يجب أن تدركه «حماس» بدل أن تكون المبرر لنجاح إسرائيل في ذلك الحسم والنجاحات.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى