أقلام وأراء

بكر أبو بكر: المعركة الكبرى بمواجهة الإبادة الجماعية

بكر أبو بكر 13-9-2025: المعركة الكبرى بمواجهة الإبادة الجماعية

من حق الشعب العربي الفلسطيني الثورة والكفاح والنضال بكافة الأشكال وهذا ماكفلته له كافة المواثيق الدولية من جهة، وأيضًا ما شرّعته الأديان والقيم والأخلاق والمباديء التي لا تقبل أن يكون الضعيف مستباحًا لظالم أو مستبد أو قاتل متسلسل يلبس زي القائد.

منذ مظلمة قبيلة بني إسرائيل القبيلة القديمة المنقرضة أمام فرعون الطاغية، ومنذ طغيان وجبروت أعداد لم تتناقص جابت التاريخ أمثال جنكيز خان ونابليون وأباطرة روما والفرس، وصولا الى هتلر وموسوليني والصهيونية-المسيحية في أمريكا، وما كان من المقتلة العظمى للعبيد على يد الطغاة من النخاسين ومشتري العبيد في أوربا وامريكا.

ومنذ الاضطهاد الذي تعرض له اليهود من الجنسيات الأوربية المختلفة على مدار مئات السنين ظل حق المقاومة والرفض للظلم والكفاح ضده متاحًا بالأشكال المختلفة التي تتنوع بحسب كثير من العوامل التي يترك تقديرها لقيادة حكيمة وليست سقيمة.

منذ الاضطهاد اللامنتهي الذي يتعرض له العربي الفلسطيني على الأقل منذ النكبة الأولى عام 1948 وحتى اليوم وما خالط هذه الفترات من صعود وهبوط واختلاف أشكال الكفاح كان الشعب العربي الفلسطيني يسير نحو الحرية والاستقلال بكل جهد يبذله، وإن كان اخفاقه في مراحل معينة في امتحان الوحدة بدا واضحًا فإن نجاحه وبقيادة ياسر عرفات قد أنتج مسارًا ورواية لا تبلى مع الزمن لشعب مضطهد ومحتَل وتمارس بحقه أبشع المجازر في هذا العصر حتى اليوم.

مناسبة هذا الكلام هو ما قد يحصل في القمة السنوية للجمعية العامة في نيويورك (9-23/9/2025م) من اعترافات لعدد من الدول بما يسمونه حل الدولتين، خاصة بعد الأغلبية الساحقة في الجمعية العامة المؤيدة لإقامة الدولة (12/9/2025م)، والذي كان الأجدر اعترافهم وعملهم التنفيذي لتحرير أو تجسيد دولة فلسطين القائمة لكنها المحتلة هذا من جهة، ومن جهة ثانية أن كثير من التقديرات تشير لضعف الاعترافات حتى لو حصلت من دول أوربية لها ماضٍ عريق بالاستخراب (الاستعمار) ومظلمة التاريخ. بمعنى أن لا شيء قد يحول دون تمادى الاحتلال الصهيوني حتى لو اعترف كل العالم بدولة فلسطين؟ (غير معروفة ماهية الدولة لاسيما ولا رادع أو تحديد للمطلوب من الإسرائيلي أو إلزامه بأي شيء) مادام الاحتلال الإسرائيلي بوجهه العنصري الأبارتهايدي القبيح يصرّ على مواصلة المجازر والمقتلة والإبادة الجماعية.

لم يعد الاعتراف بدولة فلسطين (سياسيًا) هكذا ذو قيمة حقيقية والإبادة لم تتوقف وحتى لو توقفت، كيف يقف العالم عاجزًا أمام مقاضاة ومعاقبة القاتل على شروره؟ إن هذا الأمر معضلة حقيقية لكل المؤسسات العالمية التي صنعت-ولو نظريًا-لردع المعتدي ونصرة الضعيف تحقيقًا للمباديء السامية للامم المتحدة وحقوق الانسان.

إن المعركة الانسانية الكبرى أمام العالم الآن هي تحقيق أو تحرير دولة فلسطين القائمة ولكنها تحت الاحتلال بالزام المحتل بذلك عبر قرارات الامم المتحدة وأيقاع عقوبات العالم على الممتنع عن التفيذ، وإن المعركة الكبرى أمام العالم اليوم هي إجبار المحتل على التسليم بذلك، والا لا قيمة لأوراق عليها توقيعات سياسية، ولننظر كيف تعامل العالم مع ورقة بلفور إذ أدرجها في صكّ الانتداب، وأصبحت دستورا للاحتلال البريطاني الذي كرس ماديًا بكل قواه الدولة الإسرائيلية على أرض فلسطين.

إن المعركة الكبرى بجعل العقوبات العالمية (والبداية قد تكون من الامة العربية والاسلامية) حقيقية ملموسة، وليست بيانًا سياسيًا أو شعارات تدغدغ عواطف الجماهير اللاهية أو الحالمة، أو جدالًا من يقدم أو لا يقدم للسلام. ولا يجب أن تكون مناورة فهذا وقت العالم أجمع ليقف ضد الإبادة الإسرائيلية والتهجير والمقتلة التي اعترف بها العالم كما وقف عالم ما بعد الحرب الأوربية (المسماة العالمية) الثانية مع يهود أوربا وقرر أن ينتزعهم من بلادهم ليصبحوا مقيمين في فلسطين.

يقول الكاتب الانجليزي “آلان رسبريدجر” أن “إسرائيل” تسلك مساراً مشابهاً لجنوب أفريقيا في عهد الفصل العنصري، ولم تعد الإدانات كافية، بل العقوبات هي الخيار الوحيد. والى ذلك دعا “ماثيو باريس” في صحيفة “تايمز”، إلى فرض عقوبات حقيقية من جانب المجتمع الدولي بهدف صريح وهو التخلص من نتنياهو وحكومته الفاسدة.

لقد تغير الرأي العام العالمي ومن الامثلة ما حصل مع أحد مراسلي صحيفة اندبندنت ، “كريس ماغريل” الذي تناول بمرحلة سابقة بدقة أوجه الشبه بين نظام الفصل العنصري الذي عايشه عن قرب في وطنه-جنوب إفريقيا، و”إسرائيل” التي غطى أخبارها على مدى أربعة أعوام بجدارة. وفي المثال الآخر نجد “بنيامين بوغروند”، نائب رئيس تحرير صحيفة “راند ديلي ميل” السابق، وهي صحيفة عرفت بسجلها البارز في مقاومة الفصل العنصري. فبعدما أمضى 26 عاماً في القدس، كتب بلا لبس: “لا مجال للمقارنة”. لكن عجلة الزمن دارت، وقبل أكثر من عامين، تراجع بوغروند عن موقفه واعتبر مع يحصل في فلسطين (هذا قبل 7/10/2023م) فصلًا عنصريًا. (أنظر مقال: آلان رسبريدجر-حان وقت معاملة “إسرائيل” كما عوملت جنوب أفريقيا أيام الفصل العنصري).

إن التغير العالمي قد يقترن بكل أشكال النضال كما قلنا، ومنه الإعلامي والسياسي (أنظر الدول التي قامت بخطوات عملية فقطعت علاقاتها مع دولة العدوان مثل: بوليفيا وبليز وكولومبيا، وما تقوم به اسبانيا). والسلمي والجماهيري وفي تحصين الرواية، وفي القانون أيضًا هناك معركة كبرى.

فعندما تصدر المحكمة الجنائية الدولية مذكرات توقيف بحق نتنياهو ووزير حربه السابق غالانت في 21 /11/ 2024، وعندما تخلص محكمة العدل الدولية عام 2024 – إلى أن “إسرائيل” تمارس إبادة جماعية في هجومها على غزة، وكذلك الأمر مع منظمات 7 عالمية وازنة مثل: منظمة العفو الدولية، وهيومن رايتس ووتش، ومنظمة الفجر الجديد، ومنظمة بتسيلم، وأطباء من أجل حقوق الإنسان، والمقرر الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة؟ واخيرا وليس آخرا عندما تقرر IAGSالرابطة الدولية لعلماء أو دارسي الإبادة الجماعية أن: أن سياسات “إسرائيل” وأفعالها في غزة تُشكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية كما هو مُعرّف في القانون الإنساني الدولي ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. فإن هذا الأمر يضع أمام الوحدة الفلسطينية والقيادة الفلسطينية ومعها العربية (خاصة بعد غزوة الدوحة) والعالم جدولًا مزدحمًا وحقيقيًا لتفعيل منطق المقاطعة والعقوبات الحقيقية والتي بدونها يجرد الضعيف من أسلحته الديمقراطية في مواجهة الضاري.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى