ترجمات أجنبية

فورين أفيرز: السبيل إلى تجنب حرب أهلية جديدة في سوريا، الخطوة الأولى هي تبني الفيدرالية

فورين أفيرز 10-9-2025، ستيفن سيمون وآدم واينستين: السبيل إلى تجنب حرب أهلية جديدة في سوريا، الخطوة الأولى هي تبني الفيدرالية

ستيفن سيمون

في ديسمبر (كانون الأول) 2024، صدم العالم حينما أطاحت مجموعة من الفصائل المتمردة، تقودها “هيئة تحرير الشام”، الديكتاتور السوري بشار الأسد، وشكل زعيم الهيئة، أحمد الشرع، حكومةً للإشراف على المرحلة الانتقالية في البلاد، ومن الجدير بالذكر أن الشرع هو متطرف إسلامي سابق، كان يقود فرع تنظيم القاعدة في سوريا، وعلى رغم ذلك، سرعان ما دعمه الرئيس الأميركي دونالد ترمب وألقى بثقله خلفه، واصفاً إياه بـ”القوي” و”الجذاب” بعد لقائه به في مايو (أيار) الماضي، ومنذ ذلك الحين علقت الولايات المتحدة العقوبات المفروضة على سوريا، وأصدرت بيانات داعمة لحكومة الشرع الموقتة.

آدم واينستين

منذ توليه السلطة، سعى الشرع إلى الحصول على دعم خارجي من خلال تخليه عن الفكر المتطرف وطرحه احتمال تطبيع العلاقات بين سوريا وإسرائيل، وهذا الخطاب، إلى جانب نجاحه النسبي في حكم السنة السوريين في محافظة إدلب خلال الأعوام الأخيرة من الحرب الأهلية، أقنع المسؤولين الأميركيين الحاليين والسابقين بأن الشرع هو رجل المرحلة.

اليوم، يستشري العنف في سوريا من جديد، إذ يضم ائتلاف الشرع متطرفين متشبثين بالنهج الجهادي.

وفي الواقع، لا تكمن مشكلة سياسة واشنطن تجاه سوريا في دعمها لحليف سابق لتنظيم القاعدة، بل في تأييدها لرؤية الشرع للحكم المركزي في بلد متنوع وطائفي يمزقه انعدام ثقة عميق.

في يوليو (تموز)، ذهب المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توم براك، إلى حد استبعاد دعم الولايات المتحدة لأي نوع من الترتيبات الفيدرالية، على غرار السماح بالتحكم المحلي في شؤون الأمن والشرطة.

واستطراداً، رفضت الحكومة الانتقالية في دمشق الفيدرالية بشدة، واعتبرتها مقدمةً للفوضى وتفكك الدولة وفقدان “هيئة تحرير الشام” سيطرتها.

والأمثلة القريبة لا تبعث على الاطمئنان: فالنظام التوافقي في لبنان والنظام الفيدرالي في العراق بالكاد يعملان. ويعتقد بعض حلفاء الشرع أنه من حق المسلمين السنة في سوريا، الذين يشكلون غالبية السكان، أن يحكموا الأقليات الدينية.

يفتقر الشرع وأقرب مستشاريه إلى رؤية واضحة للبلد الذي يطمحون إلى بنائه، فهم معتادون على إدارة إدلب، وهي مدينة صغيرة تضم شارعاً رئيساً واحداً، كملاذٍ للإسلامويين، وليس كدولة كبيرة متعددة الأعراق.

علاوة على ذلك، ليس الشرع مستبداً يتمتع بسلطة مطلقة، بل هو مقيد بدائرته المقربة، ويتخذ قراراته بالتشاور معهم، ويميل مستشاروه إلى احتكار السلطة.

ولكي تحظى البلاد بفرصة للتعافي من 50 عاماً من الاستبداد وعقدٍ من الحرب الأهلية، يجب أن تسمح للأقليات بالاحتفاظ بدرجة من الحكم الذاتي، ومن المرجح أن يحكم سوريا رجل قوي، وفي غياب شكل من أشكال الفيدرالية، سيستمر العنف الطائفي الشديد، وإذا خشيت الأقليات من حكومة مركزية جائرة، فستقاوم، وربما تستعين بقوى خارجية في قتالها، والعودة إلى الحرب الأهلية ليست مستبعدة، لذا ينبغي على شركاء سوريا، من بينهم الولايات المتحدة، تشجيع التوصل إلى ترتيبات لتقاسم السلطة.

جيوش صغيرة في كل مكان

عندما أطيح الأسد، رأت حكومات أجنبية عدة أن الشرع هو الشخص المناسب لحكم سوريا، وافترض العرب السنة في سوريا أنه لم يعد من الممكن أن تحكم البلاد أقلية دينية أو عرقية، مثل عائلة الأسد، التي تنتمي إلى الطائفة العلوية، وأن الإسلامويين الذين أجبروا الأسد على التنحي سيكونون جزءاً من الحكومة المقبلة.

وقد أدركت واشنطن أن نفوذها على المرحلة الانتقالية سيكون محدوداً، في الواقع، كان للولايات المتحدة نفوذ في شمال شرق سوريا لأنها حافظت لأعوام على وجود عسكري صغير هناك من أجل منع عودة ظهور تنظيم “داعش”، وتعطيل وصول إيران إلى لبنان. الآن وقد بات تنظيم داعش واهناً، وبعدما تولت إدارة سوريا حكومةٌ معارضة بشدة لإيران، بدأ ترمب في سحب القوات الأميركية من سبع من أصل ثماني قواعد أميركية في سوريا.

ومرت لحظة عقب استيلاء الشرع على السلطة، امتزج فيها شعورٌ بالارتياح لرحيل الأسد والتوق إلى الاستقرار، مما مهد الطريق لإرساء حكم مركزي صارم.

واليوم، تسيطر حكومة الشرع على ممرٍ يمتد من درعا في الجنوب إلى حلب في الشمال، على طول الطريق السريع “أم 5″، إضافة إلى إدلب والساحل العلوي شمال غرب البلاد، لكنها لا تسيطر على السويداء في الجنوب الغربي أو على الشمال الشرقي الكردي.

مع ذلك، تقلصت إمكانية فرض المركزية في مارس (آذار) عندما أزهق مقاتلون سنة، بعضهم ينتمي إلى قوات الحكومة السورية الجديدة، أرواح ما لا يقل عن 1500 علوي، وقد ألقت حكومة الشرع باللوم على العلويين في بدء دوامة العنف، وقالت إنه ينبغي النظر إلى عمليات القتل في سياق رغبة طبيعية في الانتقام من طائفة ساندت نظام الأسد الخبيث، لكن تركيبة القاعدة التي أيدت الأسد، كانت في الواقع، أكثر تعقيداً.

فقد دعم الكثير من السنة النظام القديم وقاتلوا من أجله، ولم تبذل عائلة الأسد جهداً كبيراً لتخفيف حدة الفقر بين العلويين حرصاً منها على إبقائهم مقيدين بخدمة الجيش والدولة، وبغض النظر عن موقع الكفة بين الرذيلة والفضيلة، بدا أن حكومة الشرع تتغاضى عن العنف الانتقامي.

ثم في يوليو، سهلت حكومة الشرع شن هجمات على أقلية دينية أخرى، الدروز، الذين يسكنون محافظة السويداء، الممتدة من جنوب دمشق إلى الحدود الأردنية.

يعيش دروز سوريا في منطقة فقيرة، ويعتنقون ديناً باطنياً يرفضه كثير من المسلمين باعتباره غير إسلامي، وقد اتهمت الحكومة الدروز بمقاومة حكمها، وبالتعاون مع عشرات الآلاف من مقاتلي القبائل البدوية، هاجمت قرى درزية، ما أسفر عن مقتل مئات الأشخاص، من بينهم عدد كبير من المدنيين، كما فرضت حصاراً على السويداء، وقيدت الوصول إلى نقطة تفتيش جنوبية، كانت تنظم دخول القوافل الإنسانية.

وعلى رغم أن البدو والدروز تحالفا ضد الأسد خلال الحرب الأهلية فإن بينهما عداوة طويلة، والتنافس على الموارد جدّد هذه الخصومة القديمة، في حين أسهم المؤثرون الإسلامويون المتطرفون على تطبيق “تيليغرام” للمراسلة، في تأجيج الكراهية الطائفية بين الجانبين، واحتفوا بقتل قرويين دروز واغتصابهم.

تعتبر إسرائيل نفسها حامية للدروز نظراً إلى وجود أقلية درزية كبيرة فيها، وتريد أن يشكل الدروز السوريون حاجزاً بينها وبين النظام الإسلاموي الجديد في دمشق، وقد أنهت القوات الإسرائيلية الهجوم على الدروز من خلال شن غارات جوية على مقاتلين بدو وقصف وزارة الدفاع السورية، ولولا تدخل إسرائيل، لربما سقط عدد أكبر من القتلى.

في الحقيقة، يميل الشرع إلى استخدام القوة لتحقيق مبتغاه، ويمتلك أداةً قويةً تتمثل في المقاتلين البدو تحت تصرفه. خلال عهد الأسد، استعانت الدولة ببعض القبائل البدوية لخوض معاركها، لكنها فعلت ذلك على نطاق أصغر بكثير.

في يوليو، استطاعت حكومة الشرع حشد قوات بدوية من جميع أنحاء سوريا تقريباً، بمساعدة مؤثرين جهاديين متطرفين على الإنترنت، كثير منهم غير تابع للحكومة، وقد أثارت هذه الشبكة الرقمية المتنامية رعب الأقليات الضعيفة، مثلما فعل رفض الحكومة، منذ الهجمات، تقديم أي ضمانات لأمن الدروز أو السماح بمرور مساعدات كافية إلى السويداء، ويعتقد بعض المسؤولين في حكومة الشرع أن أي تنازلات للدروز ستعد مكافأة لهم على تمردهم.

وقد أثارت نوبات العنف هذه استنفار أقليةً أخرى، أكراد سوريا، الذين يحتلون مساحةً من الأراضي في شمال شرقي البلاد.

شكلت “قوات سوريا الديمقراطية”، وهي ميليشيات ذات غالبية كردية تضم مقاتلين عرباً، تحالفاً مع القوات الأميركية لهزيمة “داعش” في سوريا، وفي سعيه إلى فرض حكم مركزي، ضغط الشرع على “قوات سوريا الديمقراطية” لتسليم أسلحتها والاندماج في جيش سوري جديد يحل محل جيش الأسد، ولكن بعد أن شهدت دعم النظام للهجمات على العلويين والدروز، فقد الأكراد أية رغبة لديهم في تسليم ترساناتهم والاندماج في جيش الشرع.

في الواقع، وصف ممثلو “قوات سوريا الديمقراطية” هذا التحول في موقفهم تجاه الحكومة الموقتة بأنه “ما قبل السويداء” و”ما بعد السويداء”.

كان من المقرر أن تجري الحكومة الموقتة محادثات مع قادة “قوات سوريا الديمقراطية” في باريس هذا الصيف، لكنها انسحبت في أغسطس (آب) الماضي، قائلةً إن وقت التفاوض قد انتهى، وإن مسألة دمج الأكراد ستحسم “على الأرض”، ربما بالقوة، مع احتمالية أن تكون دير الزور نقطة البداية.

ومع ذلك، لا تبدو قوات الشرع قوية بما يكفي لاحتواء الميليشيات الكردية أو مواجهتها، وتقول الحكومة السورية إنها جندت 100 ألف جندي، من بينهم 30 ألفاً من الجيش الوطني السوري السابق، لكن يبدو أن هذه الأرقام مبالغ فيها.

وحتى لو نجحت دمشق في تنظيم جيش بهذا الحجم وتدريبه وتجهيزه، فسيكون مسؤولاً عن مساحات شاسعة من الأرض، لذا ستظل “قوات سوريا الديمقراطية” تتمتع بالتفوق على الأراضي الأصغر التي تسيطر عليها.

وبطريقة موازية، اتحد القادة الدروز، الذين كانوا تاريخياً منقسمين، لرفض محاولات ضم أراضيهم إلى دولة مركزية تهيمن عليها “هيئة تحرير الشام”. وقد اجتمعت الميليشيات الدرزية لتشكيل ما يسمى بـ”الحرس الوطني” لحماية وحدة أراضي السويداء.

حكم الأكثرية؟

كلما زادت الحكومة في قمع الأقليات، زاد إصرار هذه المجموعات على مقاومة المساعي الحكومية الرامية إلى فرض الحكم المركزي، والنتيجة ستكون مزيداً من إراقة الدماء، وفرصاً أكبر للدول الأجنبية، مثل إسرائيل أو إيران، للتدخل في سوريا، واستمرار فقر ومعاناة السوريين العاديين من مختلف الأطياف، وسيكون من الحكمة أن تكف الولايات المتحدة عن رفض الفيدرالية وأن تشجع على نقل بعض السلطات إلى الهيئات المحلية أو الإقليمية.

ويجب أن تبقى السياسات المالية والنقدية، والعلاقات الخارجية، والدفاع عن حدود سوريا في يد الحكومة المركزية، في الواقع، يمكن لمثل هذا النظام أن يتجنب الجمود السياسي الذي أنتجه النظام التوافقي في لبنان، وذلك من خلال السماح للأقليات بممارسة بعض السلطة في المناطق التي تشكل فيها غالبية، بدلاً من فرض الشمولية على المستوى الفيدرالي، كما سيكون هذا النظام أفضل من النظام العراقي، الذي يعاني نزاعات اقتصادية لا تنتهي لأنه يمنح سلطات واسعة لحكومة إقليم كردستان، وعلى رغم أن لبنان والعراق لا يزالان يواجهان مشكلات، إلا أن أوضاعهما كانت لتصبح أسوأ لولا القيود المفروضة على حكوماتهما المركزية، يجب على واشنطن أن تحاول إقناع القادة السوريين بأن سعيهم وراء مركزية مطلقة للسلطة سيرتد عليهم سلباً، إذ سيعمق الانقسامات الطائفية، ويؤجج العنف، ويكبح النمو الاقتصادي، ويضعف صدقيتهم الدولية.

يبدو أن صناع السياسات الأميركيين بدأوا تدرجاً يتجهون نحو فكرة البنية الفيدرالية لسوريا، ولا يزال مكتب المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا يؤكد ثقته الكاملة بكفاءة الشرع والتزامه بسوريا التعددية، لكنه أصبح أكثر حذراً في شأن الكلفة العالية وصعوبة تطبيق الحكم المركزي، في أغسطس، صرح براك بأنه يؤيد “شيئاً [حلاً] أقل من الفيدرالية”.

وفي نهاية المطاف، سيحدد السوريون بأنفسهم نظام حكمهم، وهذا ما ينبغي أن تكون عليه الحال. ومع ذلك، يتعين على إدارة ترمب أن تدرك ثقل كلماتها وأن تضمن عدم تشجيعها، عن غير قصد، أسوأ نزعات الحكومة الموقتة، التي قد تدفع البلاد مرة أخرى إلى الحرب الأهلية.

*ستيفن سيمون زميل مميز وأستاذ زائر في كلية دارتموث، وزميل بارز في معهد كوينسي لإدارة الحكم المسؤول. خدم سابقاً في مجلس الأمن القومي الأميركي وفي وزارة الخارجية الأميركية.

آدم وينشتاين نائب مدير برنامج الشرق الأوسط في معهد كوينسي لإدارة الحكم المسؤول.

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى