ترجمات عبرية

هآرتس: على الفلسطينيين ايضا مسؤولية عدم محو الآخر، يا مجادلة

هآرتس – ديمتري شومسكي – 3/9/2025 على الفلسطينيين ايضا مسؤولية عدم محو الآخر، يا مجادلة

أنا لست فلسطيني، لكني مثل حنين مجادلة (“هآرتس”، 21/8)، لا اعرف ايضا اذا كان يجب أن اضحك أو ابكي، طالما انني ارى الاسرائيليين يتفاجأون من ان الفلسطينيين – ليس فقط عرب 1967، بل ايضا عرب 1948 – يطلقون على اسرائيل بينهم وبين انفسهم اسم فلسطين. هذه المفاجأة غريبة بشكل خاص لانها تعكس نوع من عدم الوعي الشخصي. حيث ان الرؤيا الوطنية الفلسطينية، التي تعتبر كل المنطقة بين البحر والنهر الوطن القومي التاريخي للشعب الفلسطيني، الذي يسمى فلسطين، هي في الحقيقة انعكاس دقيق للرؤيا الوطنية الصهيونية اليهودية الاسرائيلية، التي تعتبر كل هذه المنطقة الوطن القومي التاريخي لشعب اسرائيل، الذي يسمى ارض اسرائيل. 

هذه الرؤيا الاسرائيلية ليست من نصيب المستوطنين والمسيحانيين فقط، بالضبط مثلما هي ليست فقط من نصيب مخربي حماس والجهاد الاسلامي، الذين يعتبرون اسرائيل جزء من المنطقة الجغرافية للوطن الفلسطيني. الاحاسيس الطبيعية والمفهومة ضمنا لحب الوطن لا تخضع للخط الاخضر، سواء لدى اليهود الاسرائيليين أو العرب الفلسطينيين. ومن المفاجيء اكتشاف مرة تلو الاخرى بان هناك من يتفاجأون من هذه الحقيقة الرئيسية في تاريخ النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني.

لكن الرؤيا الرومانسية للوطن الفلسطيني، التي كتبت عنها مجادلة بانفعال وألم، تشبه مفهوم ارض اسرائيل الكاملة، ليس فقط من ناحية ايجابية، حب الوطن، بل ايضا اساسها السلبي: المحو شبه الكامل، لكن الواضح ضمنا، للوجود القومي الملموس للآخر، من خلال الخيال المكاني الوطني. الامة الاسرائيلية المستقلة لا تندمج باي شكل من الاشكال في اطار رؤيا المكان الجغرافي الوطني الفلسطيني، بالضبط مثلما ان الشعب الفلسطيني وفكرة حريته واستقلاله هي أسس زائدة من ناحية رؤية المكان الوطني الصهيوني. 

هناك عدد غير قليل من الفلسطينيين يعارضون هذه الاقوال، بادعاء ان اسرائيل هي دولة المستوطنين القادمين حديثا، بينما العرب من سكان البلاد الاصليين، أو للاسف الشديد، من سكان المنطقة الاصليين، الذين يعيشون في هذا الفضاء الممتد منذ مئات السنين. من هنا، محو اسرائيل من خارطة ارض فلسطين هو رد فعل طبيعي على كيان استعماري اجنبي. بينما محو الوجود الفلسطيني من خارطة ارض اسرائيل هو عمل عنيف وعدواني يقوم به هذا الكيان.

هذا الادعاء، الذي له حضور كبير القوة في الوعي الوطني الفلسطيني، غير مجدي وغير اخلاقي. غير مجدي لانه يتجاهل حقيقة ان المستوطنين والمهاجرين اليهود لم يعتبروا ولن يعتبروا انفسهم كمن جاءوا للبحث عن بلاد المستقبل فقط، بل ايضا كمن يعودون الى ارض الماضي. ايضا الادعاء يرفض الاعتراف بحقيقة ان أي نموذج قابل للتطبيق لانهاء الاستعمال في اسرائيل/ فلسطين يجب ان ياخذ في الحسبان تعلق اليهود الاسرائيليين بالمنطقة الموجودة بين البحر والنهر كأرض الاصل القومي، بالضبط مثل التعلق القومي للفلسطينيين الاصليين. هذا غير اخلاقي لانه لا يوجد أي تعريف مناسب اكثر للمحو الرمزي لدولة قائمة من خارطة العالم، مثلما انكار استقلال الشعب الفلسطيني في وطنه هو غير اخلاقي.

من المشروع بالتاكيد تخيل فلسطين بدلا من اسرائيل كلما تعلق الامر بالوعي الوطني الرومانسي، لكن اذا كنا نتحدث عن الواقع السياسي فان هذه الرؤيا مرفوضة اخلاقيا بدرجة لا تقل عن المسيحانية الكهانية لبتسلئيل سموتريتش وايتمار بن غفير. لا شك ان النظر الى اسرائيل بانها فلسطين كان وراء المذبحة الجماعية التي جبت اسرائيليين في 7 تشرين الاول، بالضبط مثلما حرب الابادة الاجرامية في غزة والتطهير العرقي في الضفة الغربية مدفوعة الآن برؤيا الهية سياسية، تلغي الوجود الوطني للفلسطينيين في اسرائيل. 

هدف النضال الوطني الفلسطيني – الحرية والاستقلال الوطني للشعب الذي يناضل ضد منظومة قوية لجهات يهودية مسيحانية وترامبية وبيبية، اضافة الى وجبة مليئة ومقززة من التلاعب الساخر بذكرى الكارثة واللاسامية – هو هدف مبرر بشكل واضح جدا، الى درجة انه حتى الجريمة الفظيعة لحماس في 7 اكتوبر لم تنجح في تقويض اسسه الاخلاقية القوية والمبررة. لهذا السبب بالتحديد على خلفية التفوق الاخلاقي الآخذ في الظهور لفكرة حقوق الشعب الفلسطيني امام اسرائيل التي تغرق في وحل عدم الشرعية، وبشكل خاص ازاء الصراخ التاريخي لاسرائيل ضد فكرة الدولة الفلسطينية، على الاجزاء الحية للحركة الوطنية الفلسطينية التي تريد الوقوف بوضوح ضد رؤيا المحو، “فلسطين بدلا من اسرائيل”.

تصريح فلسطيني قاطع يؤكد بشكل واضح وحازم وبدون تحفظ، مثل اعتراف م.ت.ف باسرائيل في فترة اوسلو، سيكشف رفض اسرائيل عاريا، وكذلك سيحرج ويهزم بشكل مطلق ونهائي اسرائيل التي تتنكر للاغيار في مجال الاخلاق والعدالة. من الآن فصاعدا الطريق الى الحرية والمساواة الحقيقية للشعبين بين البحر والنهر، يمكن أن تكون مفتوحة.


مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى