ترجمات عبرية

يديعوت احرونوت: حكومة متلبدي الاحساس

يديعوت احرونوت – ناحوم برنياع – 29/8/2025 حكومة متلبدي الاحساس

لا ستالين، لا برلين .. كلما طالت الحرب، تحرر لسان نتنياهو. هذا يحصل له اجمالا بالانجليزية، امام مستويات أمريكية، معجبة بترامب تصل اليه فزعة ومتأثرة، فزعة من ضجيج الحرب ومتأثرة باللقاء. قبل بضعة أيام، في مناجاة لمذيع الراديو مارك لفين شبه الاحتلال المستقبلي لغزة باحتلال برلين في الحرب العالمية الثانية. 

كيف أصبحت غزة برلين؟ عندي تفسير من الحياة: قرب شقة نتنياهو في القدس، تماما قريبا منها، يعمل محل حمص اسمه “بين غزة وبرلين”. وقامت هذه المصلحة التجارية في موقع يصب فيه شارع الحاخام حاييم برلين في شارع غزة، وهكذا ولد الاسم. نتنياهو يلتقي بهذا الاسم في كل مرة يسافر فيها، بقافلته المحروسة حتى التعب، في نزلة شارع غزة. لقد وصل الى التشبيه التاريخي عبر الحمص. 

احتلال غزة لن يكون مشابها لاحتلال برلين. حقا لا. التشبيه الذي يجريه نتنياهو بين افظع الحروب العالمية والحرب المحلية، المحدودة، الأليمة لنا مصاب بجنون العظمة. هو ليس ستالين، وغزة ليست برلين، والحرب في الجنوب لن تقرر مصير العالم. الفارق هو ليس فقط في حجم القوات: حماس هي منظمة إرهاب إجرامية قتلت غير قليل من الإسرائيليين، لكن غزة هي فقط غزة. احتلال المدينة للمرة الثالثة (احتلينا في 1956 واحتليناها مرة أخرى في 1967) لن يعرف الحرب. ما سيعرف الحرب هو القصور الرهيب في بدايتها. المقارنة تعطي حماس ثناء لا تستحقه. 

في نيسان 1945، عشية الاحتلال السوفياتي، كان يسكن في برلين ثلاثة ملايين نسمة. “سقوط برلين 1945” كتاب المؤرخ انطوني بيفر مركزا على قصة الأسابيع الأخيرة. نزل السكان خوفا من القصف الى الملاجيء الضخمة، المحصنة بالاسمنت. في غرب وشرق الدولة واصلت جيوش المانيا القتال ضد جيوش الحلفاء: ملايين المقاتلين؛ ملايين القتلى. جنود الجيش الأحمر، جوعى ومفعمون بالثأر، اطلقوا النار على الرجال واغتصبوا النساء. نحو مليوني امرأة اغتصبت في حملة احتلالهم في شرقي المانيا. وقد اغتصبن بجموعهن في برلين أيضا. 

هتلر، المختبيء في خندقه واصل اصدار الأوامر. الجيش الألماني هزم لكنه لم يتحطم. القتال في المدينة كان قاسيا وكثير الإصابات، لكن بتعابير الحرب العالمية كان هذا ليس اكثر من ملاحظة هامشية، سجل زمني لنهاية معروفة مسبقا. 

غزة القديمة، بسيطرة إسرائيل وبعد أوسلو بسيطرة السلطة لم تذكر أحدا ببرلين. فقد عرضت شاطيء بحر رملي، ذهبي وطري، مخيمات لاجئين مخنوقة وفقر مدقع، في كل اتصال مع الإسرائيليين ترجم الى الطاعة. جنود خدموا هناك في حينه، انا أيضا، اخذوا الانطباع بان في الضفة يبث المحليون غضبا مكبوتا؛ اما في غزة فهم يبثون خنوعا. الاحتلال هناك اكثر راحة، أبرتهايد رقيق مع قبعات دينية محبوكة: لا غرو ان قدامى غوش قطيف، القلة التي حقا استوطنت هناك يتوقون لتلك الأيام. 

لم يكن فخار في غزة القديمة، لكن كانت حياة. الحرب اغرقتها في الرمل. مليون انسان يغرقون في الرمل. بقي قليل جدا من البيوت المناسبة للسكن؛ قليل جدا من الشوارع مزفتة بالاسفلت. الاحتلال يولد القفر. وعندها الطرد القسري الى المواصي. صور هذه اخذت من اليوم الاعتداءات الجماعية على اليهود. 

الرهان على المخطوفين

ثلاثة مخاطر تكمن بمقاتلي الجيش في غزة. الأول: لواء معزز، معاد بناؤه، تحت قيادة مرتبة، نحو الفي مقاتل مدرب والاف نشطاء مدنيين ومعاونين. التهديد من هذا النوع كف عن الوجود في الأجزاء التي احتلت من القطاع. خطر ثامن: قتال عصابات يلاحق قواتنا، خلايا صغيرة أو مخربون افراد؛ شبكة متفرعة من الانفاق والفتحات ستوفر نقاط خروج مريحة لكل منفذ عملية، مخازن سلاح للتزود وملجأ للفارين. رغم جهد سنتين، فان معظم شبكة الانفاق لم تتضرر. وبالتالي يمكن للسيطرة على المدينة ان تكون سريعة لكن الغرق في الميدان من شأنه ان يكون معقدا وكثير الإصابات. 

الخطر الثالثة موضوعه المخطوفون. الرهان على حياتهم مثير للحفيظة على نحو خاص. يضع في علامة استفهام قيم أصحاب القرار، تكافلهم مع أبناء شعبهم، أهليتهم، ترك المخطوفين لمصيرهم هو جريمة. 

موضوع المخطوفين يؤثر على الحرب في اتجاهين متناقضين. المتظاهرون، والعائلات أيضا، يقولون: من اجل المخطوفين يجب الوصول الى صفقة ووقف الحرب. مقاتلون في الميدان يقولون: من اجل المخطوفين يجب مواصلة القتال. يوجد تناقض ولا يوجد تناقض: كل جانب يفعل ما يمكنه، بادواته. ضابط كبير قدر على مسمعي انه لولا مركزية المخطوفين لكان الاحتجاج في الجيش على استمرار الحرب بارزا اكثر بكثير، بما في ذلك رفض الخدمة.

لا تزال لحماس ذخائر في المدينة لم تتضرر، او تضررت جزئيا: ذخائر مادية، ذخائر بشرية. تتحدث الخطة عن حركة سريعة للقوات بهدف الوصول الى الأماكن التي تؤلم مسؤولي حماس، في غزة وفي الدوحة. هل يلين الضغط العسكري حماس، الفرضية التي لم تتحقق دوما في اثناء الحرب. هذه هي الأهداف التي ينبغي استباقها والوصول اليها. ستكون بشرى طيبة اذا ما صفى الجيش الفي مقاتل من حماس او معظمهم، لكن من المهم أن نفهم: عندها أيضا حماس لن تختفي ومشكوك أن تبر المنفعة الثمن. 

نوايا مستوانا السياسي، أي نتنياهو، ليس واضحة. فهل هو يعول على الدخول الى غزة كرافعة للوصول الى اتفاق او يعول على الدخول الى غزة كمحطة في الطريق لتهويد القطاع؟ الى أين وجهته.

اذا كان احتلال برلين 1945 هو النموذج للاقتداء، فان الكابنت انسحب هذا الأسبوع من جانب واحد من المفاوضات التي ادارها مع حماس على مدى نحو سنتين. هو لم يقرر الانسحاب لكن هذا ما فعله عمليا. لا أخذ ولا عطاء – كتاب استسلام. حماس يفترض ان توافق على النفي الجماعي لرجالها ونزع سلاحها إضافة الى التنازل عن الحكم المدني في القطاع. هذا ما يجدر عمله بمنظمة إرهاب مجرمة نزلت على الركبتين. لكن توجد فقط مشكلة واحدة: لم ننجح في انزال حماس على ركبتيها. حتى لو احتلينا غزة، مشكوك جدا أن تنزل على ركبتيها. وفي هذه الاثناء سنفقد المخطوفين. 

ان التحول في موقف نتنياهو من الإصرار على اتفاق متدرج، او ما سمي “منحى ويتكوف”، الى فيتو على الاتفاق إياه، يخرج قطر ومصر عن صوابهما. الحكومتان هناك ليستا من الاولياء العظام. ومثلما يحب نتنياهو ان يقول، فانهما “معقدتان”. اما هذه المرة فقد خانتهما إسرائيل.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى