أقلام وأراء

مهند عبد الحميد: الاعتراف بالأخطاء بداية النجاة

مهند عبد الحميد 26-8-2025م: الاعتراف بالأخطاء بداية النجاة

«شاء من شاء وأبى من أبى» عنوان منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، يلخص مراوحة التفكير الفلسطيني عند الرؤية السياسية التي تشكلت يوم 7 أكتوبر، وما زالت قائمة رغم مرور أكثر من 22 شهراً على حرب الإبادة ونتائجها الكارثية على قطاع غزة، وبمستوى أقل على الضفة الغربية، والتي كانت أكثر من كافية للتعمق في هذا النوع من الصراع الدامي. لم يتزحزح المدافعون عن 7 أكتوبر قيد أنملة في تأييدهم وتبريرهم للهجوم، ولم يتراجع الناقدون عن نقدهم، بل زادوا اقتناعاً. كان العنصر الأضعف في الدفاع عن 7 أكتوبر قيادات «حماس» التي قدمت تفسيرات مرتبكة ومترددة. وكان العنصر الأقوى في الدفاع عن 7 أكتوبر هو دفاع نخبة سياسية وإعلامية عابرة لتنظيمات يسارية ووطنية وليبرالية ولمراكز إعلامية تتربع فضائية «الجزيرة» على عرشها.

جاء في المنشور سابق الذكر: إن قادة 7 أكتوبر كانوا يعرفون أن الرد الإسرائيلي سيكون بهذا القدر من الوحشية، وإن الاجتياح قادم لا محالة، سواء تحركت المقاومة أم لا، لأن هذا الكيان لا يحتمل وجود شعب يقف على أرضه ويقول: لهذا كانت الأنفاق، التي حفرت بالدم والعرق، سنين طويلة قبل أن تُقرَع طبول الحرب، ولهذا كانت الاستعدادات، والتجهيزات، والوعي بأن المعركة قادمة لا لأننا بدأناها، بل لأننا موجودون أصلاً، لذا لم يكن 7 أكتوبر وليد نزوة، ولا فعلاً طائشاً، بل كان صرخة في وجه الغطرسة، وانفجاراً ناتجاً عن سنين من الحصار والتجويع والمجازر المنسية.

دعونا نتفق أولاً على رفض سياسة الإنكار والإقصاء الإسرائيلية للحقوق الفلسطينية المشروعة، والمعبر عنها في قانون القومية وفي برنامج حكومة نتنياهو الكهانية، وخطاب نتنياهو أمام الجمعية العامة الذي ختمه بتقديم خارطة «سلام» تخلو من فلسطين والفلسطينيين. القانون والبرنامج اعتبرا حق تقرير المصير على أرض فلسطين الانتدابية من النهر إلى البحر «حقاً حصرياً للشعب اليهودي»، وقرار الكنيست الذي دعا الحكومة مؤخراً إلى ضم أراضي الضفة الغربية، وقرار الكنيست الذي سبقه رفض إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، عدا الاستيطان الزاحف والتطهير العرقي، ونهب الموارد الفلسطينية والحصار والخنق الاقتصادي بما في ذلك قرصنة أموال الضرائب الفلسطينية، وسياسة الإذلال التي يتعرض لها الأسرى.

منطق الأمور أن سياسة نظام الأبارتهايد الكولونيالي الإقصائي تؤدي إلى انفجارات وردود عفوية ومنظمة بأوزان متباينة القوة، هذا ما استخلصه الأمين العام للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وبعض الإسرائيليين، وغيرهم، عندما تحدثوا عن السياق الذي أفضى إلى 7 أكتوبر، وحمّلوا إسرائيل المسؤولية عن تجاهل حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وتحدثوا عن دور الاستيطان واستباحة المقدسات في مفاقمة الأوضاع، ولكنهم أدانوا ورفضوا هجوم 7 أكتوبر.

من الطبيعي أن يقاوم الشعب الفلسطيني السياسة الاستعمارية الإسرائيلية التي تؤدي إلى شطب حقوقه الوطنية والمدنية المعترف بها في القانون والقرارات الدولية. والمقاومة هنا حق مشروع وواجبة، ولها أنظمة وقوانين وضوابط، وهي أنواع منها المقاومة العنفية ومنها المقاومة اللاعنفية، والمقاومة العفوية التي غالباً ما تأتي على شكل ردود فعل فردية «ظاهرة الطعن والدهس» أو ردود فعل جمعية كالهبّات العفوية وانتفاضة 87 التي تحولت إلى انتفاضة منظمة بعد أسابيع على اندلاعها. وقد تأخذ شكل مقاومة مسلحة يمارسها أفراد، أو تنظيمات – «كتائب القسام والقدس والأقصى» وغيرها، ومن المفترض أن تخضع المقاومة المنظمة لرؤية وحسابات دقيقة.

سؤالان بحاجة إلى رد من المدافعين عن المقاومة ويرفضون أي نقد موضوعي لها وأخص بالذكر د. مصطفى البرغوثي. الأول: هل تستطيع الحركة الوطنية، والمقاومة الإسلامية «حماس»، اعتماد المقاومة المسلحة أسلوباً رئيساً للنضال في شروط التحكم الإسرائيلي بكل مقومات الحياة والحركة الفلسطينية؟ السؤال الثاني.. إذا كانت المقاومة المسلحة هي الشكل الرئيس الملائم، فهل تكون الصيغة حرب مواجهة، معركة مفتوحة بين المقاومة وجيش الاحتلال تتخللها هدنة قد تطول وقد تقصر ومن يقرر ذلك؟ أي إجابة موضوعية، ومن موقع الانحياز لمقاومة هدفها الخلاص من الاحتلال، لا يتوانى صاحبها عن القول، إن المقاومة لا تملك كل المقومات الضرورية لاعتمادها شكلاً رئيساً. المعابر والحدود والحواجز التي تضبط الحركة باتجاه الخارج والداخل، ونظام السيطرة والتحكم والرقابة والتجسس الذي يعتمد على السجل المدني وبنوك المعلومات، القمع الإسرائيلي الذي لا يكترث بالقانون وحقوق الإنسان، يكفي القول إن دولة الاحتلال قامت بإغلاق 5 منظمات حقوقية وبحثية وإنسانية، واعتقلت عشرات المنتمين للجبهة الشعبية على خلفية عملية مسلحة واحدة قتل فيها إسرائيلي، وبعد 7 أكتوبر قامت بتدمير أجزاء أساسية من مخيمات جنين ونور شمس وطولكرم، وأعلنت حرباً شرسة على الشبان المقاومين. التجربة الفاشلة ذاتياً وموضوعياً للعمل المسلح عبر الخارج، خاصة بعد إغلاق كل الحدود المحيطة بفلسطين، وبعد التجربة الفاشلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، إذا سألنا التنظيمات التي تعتمد المقاومة المسلحة شكلاً رئيساً، كم عملية مسلحة نفذت خلال السنوات العشرة الأخيرة؟ الإجابة الموثقة تؤكد أن المقاومة المسلحة في التطبيق كانت شكلاً ثانوياً وهامشياً على الأرض، وليس لها أثر يذكر على الاستيطان والتطهير العرقي ومصادرة الأرض، في الوقت الذي نجحت فيه المقاومة السلمية في إزالة بؤر استيطانية في أكثر من مكان، وأوقفت السيطرة على بيوت في الشيخ جراح وفي النبي موسى، وفرضت تعديلاً في مسار جدار الفصل العنصري، وأعاقت التطهير العرقي لتجمعات بدوية. بعد ذلك يمكن القول: إنه في ظل الشروط الملموسة، وبمعزل عن المبدأ والحق، لا يمكن اعتماد المقاومة شكلاً رئيساً للنضال، ومن له رأي آخر عليه أن يجيب جواباً غير عاطفي ويحترم العقل.

السؤال الثاني: هل تستطيع المقاومة المسلحة الدخول في حرب مواجهة مفتوحة مع جيش من أقوى وأشرس جيوش العالم، ويتحكم في الماء والدواء والوقود والغذاء والحركة والاتصال والعمل والاستيراد، ولديه عقدة الضحية «الهولوكوست»؟ الجواب قدمته حركة «حماس» عندما فتحت معركة شاملة ومواجهة مفتوحة، وكان الرد الإسرائيلي حرب إبادة وتدمير وتهجير مستمرة منذ أكثر من 22 شهراً، ألحقت خسائر بشرية ومادية وسياسية ومعنوية. يقول النص الذي استشهدت به في بداية المقال: إن الذين فتحوا المعركة كانوا يعرفون أن الرد الإسرائيلي سيكون بهذا القدر من الوحشية، وإن الاجتياح قادم، لذا كانت الاستعدادات والتجهيزات؛ لأن المعركة قادمة، لا لأننا بدأناها، بل لأننا موجودون أصلاً. هل حقاً كانت دولة الاحتلال ستقوم بهذا المستوى من الهجوم لو لم يحدث 7 أكتوبر؟ لا يمكن تصديق ذلك إلا كان المستمع في حالة هذيان. صحيح أن لدى معسكر نتنياهو مخططاً لشطب حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وممارسة السياسات المنوّه إليها سابقاً بمرور الوقت، أما أن يعلن حرب إبادة وتهجير وتصفية فما كان يستطيع ذلك بمعزل عن فتح معركة شاملة يوم 7 أكتوبر، بمعزل عن الذريعة التي قدمتها حركة «حماس»… وللحديث بقية.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى