إندبندنت: سنحت لأوروبا فرصة وحيدة لشل الاقتصاد الروسي لكنها فوتتها

إندبندنت 23-8-2025، أوين ماثيوز: سنحت لأوروبا فرصة وحيدة لشل الاقتصاد الروسي لكنها فوتتها
خلال الأسابيع التي أعقبت غزو فلاديمير بوتين أوكرانيا خلال فبراير (شباط) 2022، اتبع قادة أوروبا الموقف الذي أسس له بوريس جونسون إزاء كييف للتعبير عن دعمهم الدائم للمجهود الحربي الأوكراني. وردد كل منهم، بطريقة مختلفة، شعار رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو القائل إنهم سيمنحون أوكرانيا “القدر اللازم من الدعم طوال المدة اللازمة” لمقاومة بوتين.
قال جونسون نفسه لفولوديمير زيلينسكي مؤكداً “نحن معك، ونحن إلى جانبك” وتعهد أن حق أوكرانيا في “اختيار مصيرها هو حق ستدافع عنه المملكة المتحدة وحلفاؤنا دائماً”.
بعد ثلاثة أعوام، احتشد خلفاء هؤلاء القادة في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض للإشادة بافتتاح دونالد ترمب محادثات مباشرة مع بوتين.
على رغم مقتل مئات الآلاف من البشر، وإنفاق مليارات الدولارات من المساعدات العسكرية المخصصة لكييف، تواصل قوات بوتين التقدم إلى ما وراء الـ20 في المئة من أراضي أوكرانيا التي يسيطر عليها الآن. تمطر صواريخه مدن أوكرانيا الموت ليلاً، وأطلق جيش موسكو 270 مسيرة و10 صواريخ على وسط أوكرانيا بعد ساعات فقط من اختتام الرئيس زيلينسكي محادثات سلام في البيت الأبيض.
على رغم أن اقتصاد بوتين يتخبط، هو لا يعد اقتصاداً مشلولاً بأية حال من الأحوال. بينما فشل بوتين في إخضاع أوكرانيا بأكملها إلى إرادته، هو في طريقه إلى تحقيق عدد من أهدافه الحربية، بما في ذلك “تحرير” المنطقة الناطقة بالروسية في البلاد ومنع كييف من الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي.
يتحمل الغرب كثيراً من اللوم على هذا الفشل. النفط والغاز هما شريان الحياة للآلة الحربية الروسية – لكن منذ بداية الحرب، أعطت الولايات المتحدة الأولوية إلى حماية استقرار إمدادات النفط العالمية على حساب معاقبة بوتين في صورة مناسبة. وفرضت أوروبا أيضاً 18 حزمة عقوبات على روسيا، ومع ذلك، استمرت هي نفسها في إيجاد طرق تستورد عبرها من روسيا النفط والغاز المنقول بأنابيب والغاز المسال والمنتجات النفطية المكررة.
تنقل نسبة كبيرة من صادرات النفط الروسية في ناقلات تملكها في نهاية المطاف شركات شحن أوروبية – ولا سيما منها اليونانية. والحقيقة المروعة هي أن الأوروبيين على مدار الحرب ضخوا في خزائن الكرملين مدفوعات في مقابل النفط والغاز فاقت بكثير ما قدموه للدفاع عن أوكرانيا.
سنحت لأوروبا فرصة واحدة لشل الاقتصاد الروسي وفوتتها. منذ غزو روسيا الشامل لأوكرانيا، حصلت موسكو على ما يقارب تريليون يورو من بيع النفط والغاز. وكان الاتحاد الأوروبي ثاني كبرى الجهات الشارية لغاز بوتين، بعد الصين، إذ دفع أكثر من 260 مليار يورو.
وفي حين تعهد الاتحاد الأوروبي مراراً تقليل اعتماده على الغاز الروسي، لم يفرض أية عقوبات أو حدود لأسعاره. ومن المفارقات أن مخربين وليس حكومات أوروبية هم الذين أحدثوا أكبر أثر في إيرادات شركة “غازبروم” بعد تفجير ثلاثة من خطوط أنابيب الغاز “نورد ستريم” الأربعة التي تمر تحت سطح البحر خلال سبتمبر (أيلول) 2022. كان الجناة، وفق مذكرات اعتقال صادرة عن الشرطة الألمانية، من الأوكرانيين. لكن حتى بعد تخريب “نورد ستريم”، تحولت أوروبا بسرعة إلى الغاز الطبيعي المسال الروسي المصدر من محطتي البلطيق في أوست لوغا وفيسوتسك.
وعلى مدى ثلاثة أعوام من الحرب، وعد القادة الأوروبيون كييف بأن دعمهم مطلق، أو “معركتك هي معركتنا”، على حد تعبير رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين. لكن بدلاً من قطع إيرادات بوتين الأساس، في خطوة كان من الممكن أن تلحق أضراراً جسيمة، اختار الأوروبيون عمليات التفاف قانونية.
حدد سعر النفط الخام الذي تصدره روسيا في صورة قانونية عند 60 دولاراً للبرميل – وهذه استراتيجية أميركية تستهدف الحفاظ على تدفق النفط مع تقليص الأرباح الروسية. على رغم ذلك، ضخت عملياً ملايين الأطنان من الخام الروسي من طريق الاحتيال من ناقلة إلى أخرى وفق معاملات “قانونية” قبالة سواحل الدنمارك واليونان. في الوقت نفسه، تواصل “لوك أويل”، أكبر شركة نفط خاصة في روسيا، تشغيل مصاف للتكرير في هولندا ورومانيا وبلغاريا، ويمكنها بشرعية تامة بيع نفطها إلى نفسها بأسعار محددة، لكن مع بيع المنتجات بالتجزئة بأسعار السوق العادية.
نظراً إلى عدم رغبتها في تقديم التضحية الاقتصادية الحاسمة التي من شأنها أن تصاحب أية مقاطعة حقيقية، اختارت دول أوروبية أخرى “أوراق تين” قانونية لإخفاء المصدر الحقيقي لطاقتها. تواصل هنغاريا وسلوفاكيا ودول أوروبا الوسطى الأخرى استيراد النفط والغاز عبر خطوط الأنابيب الروسية – لكنهما مصنفان واردين من كازاخستان.
والمثير للدهشة، أنه وبموجب اتفاق مبرمة تمتد إلى خمسة أعوام، استمر الغاز الطبيعي الروسي وحتى الأول من يناير (كانون الثاني) 2025 في التدفق إلى أوروبا عبر شبكة خطوط الأنابيب الأوكرانية التي أنشأت عندما كانت أوكرانيا وروسيا جزءاً من الاتحاد السوفياتي. وكسبت شركة الطاقة الروسية العملاقة المملوكة للدولة “غازبروم” أموالاً من الغاز، وجمعت كييف مئات الملايين من الرسوم لنقل الغاز إلى أوروبا عبر خطوط للأنابيب تمر عبر الأراضي الأوكرانية إلى سلوفاكيا. كذلك جعلت هذه المدفوعات “غازبروم” واحدة من أكبر الجهات المساهمة المنفردة في موازنة حكومة كييف.
يشتري سائر جنوب أوروبا كميات ضخمة من الغاز المنقول بالأنابيب عبر خطوط للأنابيب تمر تحت سطح البحر الأسود – “ترك ستريم” و”بلو ستريم” – وتمتد من روسيا إلى تركيا، لكن نظراً إلى أن الغاز ممزوج بغاز من أذربيجان، يمكن للشركات الأوروبية المتلاعبة الزعم بأنها تشتري غازاً من باكو وليس موسكو. تستورد أوروبا الآن منتجات نفطية روسية مكررة أكثر مما كانت تفعل قبل الحرب، باستثناء واحد: بدلاً من الشراء المباشر، يكرر كثير من البنزين والديزل ووقود الطائرات في الهند، التي ضاعفت وارداتها من الخام الروسي أكثر من مرتين وحققت كثيراً من العوائد.
النفط والغاز هما بمثابة “كعب أخيل” [نقطة ضعف] بوتين. فهو يحتاج إلى اقتصاد قوي ليستمر في تشغيل آلته الحربية. ومع ضغط الحرب، وارتفاع أسعار الفائدة، وتباطؤ الاقتصاد، فإن عاماً آخر فقط قد يدفعه إلى أزمات كبيرة، مما سيضعف موقفه التفاوضي.
لكن على رغم ذلك لا يمكننا استهداف نقطة الضعف هذه لأنها “كعب أخيل” الخاص بنا أيضاً. في ألمانيا، أدى اتفاق انتخابي مصيري مع حزب الخضر، الحليف في الحكومة الائتلافية السابقة، إلى إغلاق محطات الطاقة النووية في البلاد. جعل ذلك ألمانيا والدول المجاورة لها تعتمد في صورة خطرة على الغاز الروسي الرخيص. كذلك ساعدت تعهدات أوروبا بتحقيق الصفر الصافي من الانبعاثات الكربونية في حرمان القارة من فائض الطاقة الذي كانت ستحتاج إليه لتقول ببساطة “لا” لإدمانها على طاقة بوتين.
ودفع الأوكرانيون ثمن هذا الرفض لتحمل المعاناة الاقتصادية من أجل أوكرانيا بدمائهم. عندما شن بوتين حربه، كان متأكداً من أن حديث أوروبا عن القانون الدولي لم يكن أكثر من هراء منافق لأسباب ليس أقلها أنه تذكر أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، في أعقاب غزوه شبه جزيرة القرم عام 2014، أقسمت أن “العدوان العسكري في أوروبا لا يمكن أن يمر من دون عقاب”، ومع ذلك وقعت ميركل بعد عام تقريباً اتفاقاً بقيمة 9.5 مليار يورو لبناء خط ثان لأنابيب “نورد ستريم”.
على رغم أن بوتين فوجئ من دون شك بحجم المساعدات العسكرية التي قدمتها أوروبا إلى كييف، ثبت في النهاية أنه محق في شأن النفاق الأساس.
قالت فون دير لاين بجرأة للنخب الأوروبية المجتمعة في منتدى دافوس عام 2022: “يجب أن تكسب أوكرانيا هذه الحرب. ويجب أن يكون عدوان بوتين فشلاً استراتيجياً”.
صحيح أن أوكرانيا لم تخسر الحرب تماماً، لكنها أيضاً لم تحقق النصر. وبالمثل، على رغم أن بوتين ربما فشل في الهيمنة على أوكرانيا، فإنه نجح في اقتناص أجزاء كبيرة منها. وإذا توصل إلى اتفاق سلام، فسيبرم وفق شروط يفرضها بوتين.
كان من الممكن أن تكون هذه النتيجة مختلفة تماماً لو أن أفعال من يقولون إنهم حلفاء أوكرانيا كانت جريئة مثل كلماتهم.



