أقلام وأراء

د. عمرو حمزاوي: تحوّل في المواقف العربية والدولية تجاه غزة: بين الدبلوماسية والمبادرات السياسية

د. عمرو حمزاوي 5-8-2025: تحوّل في المواقف العربية والدولية تجاه غزة: بين الدبلوماسية والمبادرات السياسية

شهدت الحكومات والمجتمعات المدنية في العالم العربي صدمةً عارمة واستياءً بالغًا إزاء صور الدمار والمعاناة الإنسانية في قطاع غزة. وفي استجابة عاجلة، باشرت كل من مصر والأردن والسعودية والإمارات بإسقاط المساعدات الإنسانية جواً إلى داخل القطاع.

كما عملت على تسهيل دخول مئات الشاحنات المحمّلة بالمساعدات، وذلك بعد إعلان إسرائيل عن وقف مؤقت ويومي للعمليات العسكرية يتيح توزيع المساعدات بشكل آمن.

وبموازاة الجهود الإنسانية، سارعت كل من مصر وقطر إلى تكثيف وساطاتهما السياسية، بالتنسيق مع الحكومة الأمريكية، من أجل التوصل إلى وقفٍ لإطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس.

وقد طالب القادة العرب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بلعب دور أكثر فاعلية في دفع المسار الدبلوماسي وإنهاء الحرب وآثارها الكارثية. وعلى الصعيد الشعبي، شهدت عدة دول عربية تحركات مدنية سلمية تطالب بوقف العدوان على غزة، وبمضاعفة الجهود الرسمية لإدخال المساعدات إلى السكان المنكوبين.

وبينما كانت النقاشات السياسية الدولية قبل أشهر تتركز حول الخطط الإسرائيلية لتهجير سكان غزة — وهي خطط حظيت في حينه بدعم أولي من إدارة ترامب — تغيّر المشهد بفعل كلفة الحرب الباهظة وتداعيات المجاعة الواسعة التي أصابت المدنيين. قادت مصر الموقف العربي الرافض لسياسات التهجير، وطرحت خطة شاملة لإعادة إعمار غزة عُرفت بـ»الخطة العربية لإعمار غزة»، وقد لاقت هذه المبادرة ترحيباً أوروبياً ودولياً.

التحول الجاري اليوم في المزاجين العربي والدولي بات يتجه نحو وقف الحرب ورفض خطاب الحرب الذي يتبناه اليمين الإسرائيلي المتطرف، ويعيد التركيز على أولوية إعادة الأمن والسلام إلى سكان القطاع. ويتجلى هذا التحول في التحركات الدبلوماسية لكل من كندا وفرنسا وبريطانيا، التي أبدت استعدادها للاعتراف بالدولة الفلسطينية.

كما تشكّل المبادرة السعودية-الفرنسية لحل الدولتين رافعة إضافية لهذا التحول، إذ لا تقتصر على معالجة المدى القصير من خلال وقف إطلاق النار، بل تنظر إلى المستقبل السياسي للنزاع، على قاعدة التسوية الوحيدة القابلة للتطبيق: الأرض مقابل السلام، أو الأرض وتقرير المصير مقابل الأمن والسلام. وقد حظيت هذه المبادرة بدعم عربي وإسلامي وأوروبي واسع، تُوّج ببيان مشترك صادر عن جامعة الدول العربية وبلدان إسلامية والاتحاد الأوروبي، يدعو إلى دعم المبادرة، ويطالب حركة حماس بنزع سلاحها والتخلي عن السلطة في غزة. وقد تضمّن البيان إدانة واضحة لهجمات السابع من أكتوبر، ودعوة إلى أن تكون السلطة الفلسطينية، بدعم دولي، هي الجهة الوحيدة المخوّلة بالحكم في الأراضي الفلسطينية، مع إعادة طرح مبادرة السلام العربية على إسرائيل مقابل قيام دولة فلسطينية مستقلة.

وقد أولت مصر الدور الدبلوماسي أهمية بالغة في محاولاتها لتغيير مسار الكارثة الإنسانية في غزة. فقد شاركت فرقها التفاوضية في المحادثات الجارية في الدوحة بين إسرائيل وحماس، كما نسّقت على المستوى الثنائي مع الحكومة الإسرائيلية لتسهيل إدخال المساعدات عبر المعابر المشتركة. كذلك، قام كبار المسؤولين المصريين، بمن فيهم الرئيس عبد الفتاح السيسي، بالتواصل مع الرئيس الأمريكي ترامب لحثّه على التدخل الفاعل لإنهاء الحرب ووقف المجاعة.

وفي السياق نفسه، عززت مصر تحركاتها مع عواصم عربية وأوروبية لتشكيل ضغط إقليمي ودولي كفيل برفع الحصار الفعلي المفروض على القطاع.

وفي المواقف الرسمية لوزارة الخارجية المصرية، أُعيد التأكيد على مبدأ «الأرض مقابل السلام» كمرتكز رئيسي لأي تسوية عادلة تضمن للشعب الفلسطيني حقه في تقرير مصيره. كما رحبت القاهرة بالموقف السعودي الذي يربط تطبيع العلاقات مع إسرائيل بإنهاء الحرب وقيام الدولة الفلسطينية، وشاركت إلى جانب دول عربية أخرى في الترحيب بالخطوات التي اتخذتها بريطانيا وكندا وفرنسا نحو الاعتراف الرسمي بفلسطين.

في المقابل، ثمة إشارات متزايدة إلى أن إدارة ترامب بدأت تبدي تململاً من استمرار الحرب التي يخوضها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو دون هوادة في غزة. فقد تلقت واشنطن تحذيرات من حلفائها في الخليج ومن عدة عواصم شرق أوسطية مفادها أن ممارسات نتنياهو تُسهم في زعزعة استقرار المنطقة، وتفتح المجال أمام مزيد من العنف والتطرف وصعود الميليشيات. وتدرك إدارة ترامب أن الوقت قد حان للضغط على نتنياهو لوقف الحرب، وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين، ووضع حدّ للمأساة الإنسانية في غزة.

غير أن فعالية هذا الضغط الأمريكي ستتوقف على مدى استمراره، وعلى اندراجه ضمن استراتيجية أوسع للشرق الأوسط تقوم على أولوية السلام، والدبلوماسية، والأمن الجماعي.

وإلى الآن، لم تتضح بعد حدود التزام إدارة ترامب بهذه الاستراتيجية، ولا مدى استعدادها للاستثمار السياسي الحقيقي فيها. ومع ذلك، تبقى هذه المقاربة الشاملة الرهان الوحيد أمام الولايات المتحدة لتحقيق الاستقرار في منطقة تُعدّ الأكثر اضطراباً وتقلّباً في العالم، وحمايةً لمصالحها الحيوية فيها.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى