ترجمات عبرية

هآرتس: في باريس لم تقم دولة فلسطين، لكن خطوة ماكرون لا تزال خطوة تاريخية

هآرتس – سيفي هندلر – 27/7/2025 في باريس لم تقم دولة فلسطين، لكن خطوة ماكرون لا تزال خطوة تاريخية

النتيجة النهائية واضحة حتى للرئيس الفرنسي: في باريس ماكرون لم يؤسس الدولة الفلسطينية، لكن اعلانه في يوم الخميس الماضي عن اعتراف قريب من فرنسا بالدولة الفلسطينية، لا شك انه انجاز حقيقي للحركة الوطنية الفلسطينية في احدى أدنى لحظاتها التاريخية. لماذا اذا اختار ماكرون القيام بخطوة احتمالية تحققها حتى الآن تقريبا صفر؟ يمكن تقديم اربعة اسباب متكاملة لخطوة فرنسا.

السبب الاول هو ان اعلان ماكرون الرغبة في وضع فرنسا حسب رأيه في الجانب الصحيح من التاريخ. الدولة الكولونيالية السابقة والمسؤولة هي وبريطانيا عن ترسيم حدود الشرق الاوسط في القرن العشرين (اتفاق سايكس بيكو 1916)، تشعر بمسؤولية اخلاقية عن مصير الفلسطينيين ومصير الاسرائيليين ايضا. هذا كان صحيح عندما ساعدت فرنسا في بناء المفاعل النووي في ديمونة ووفرت لسلاح الجو طائرات ميراج قبل حرب الايام الستة. صحيح ايضا انه في فترة ميتران الذي دعا من فوق منصة الكنيست الى الاعتراف بالدولة الفلسطينية في آذار 1982، وصحيح انه في عهد جاك شيراك الذي اعتبر ياسر عرفات صديق شخصي، والآن ايضا ماكرون في السنتين الاخيرتين في ولايته يحاول ترك بصماته على المكانة الفريدة لفرنسا في تاريخ المنطقة المعقد. هذا قرار هو يعتبره قرار اخلاقي وتاريخي ويتنبأ بالمستقبل.

السبب الثاني هو أنه ايضا، حسب ما يمكن فهمه، حتى في نهاية ولايته التي ستنتهي في 2027، فان ماكرون يبقى سياسي في نهاية المطاف، واعلانه غير موجه فقط للجالية المسلمة الكبيرة في الاتحاد الاوروبي التي تعيش في فرنسا، بل الى كل الرأي العام الفرنسي الذي اصبح يميل بشكل متزايد لصالح الفلسطينيين. بعد موجة التاييد الواسعة والاصيلة لاسرائيل، وبسبب استمرار الحرب الفظيعة في غزة، بصورة ابعد من كل التنبؤات، فان المنحى تغير. صور الاطفال الفلسطينيين الجائعين تملأ الشبكات الاجتماعية والصفحات الاولى في الصحف والقنوات الاخبارية في فرنسا، وماكرون يريد ان يظهر في المقام الاول في الداخل، كمن يقوم بعمل حتى لو رمزي.

بعد وقوفه بشكل قاطع الى جانب اسرائيل في 7 اكتوبر – ماكرون كان الزعيم الاجنبي الوحيد الذي طالب بتشكيل تحالف دولي ضد حماس مثل التحالف الذي حارب داعش – فان الرئيس الفرنسي غير توجهه بشكل واضح. هو يصمم على الظهور بانه توجد لفرنسا اداة ضغط على اسرائيل وان قلبها غير فظ تجاه معاناة الفلسطينيين. وهكذا فانه باستثناء الجالية اليهودية التي ردت بخيبة أمل واضحة واليمين المتطرف “جزء منه وليس جميعه)، الذين انتقدوا ماكرون، فان خطوته تشكل اجماع في فرنسا وتعطيه الدعم من المعسكرات المختلفة.

مبرر آخر للقرار هو دبلوماسي. ففرنسا التي توجد الان بعد وقت طويل من كونها دولة عظمى، هي رغم كل ذلك، لاعبة مؤثرة في الساحة الدولية. امام التحدي العنيف الذي تضعه ايضا امامها ولاية ترامب الثانية، فان الاعلان عن الاعتراف بالدولة الفلسطينية يمكنها من اسماع صوت مختلف. ماكرون يريد ترسيخ بذلك مكانة فرنسا كمحور لسياسة دولية مختلفة عن السياسة الانعزالية والاستفزازية للرئيس الامريكي. اضافة الى ذلك ماكرون تسلح قبل هذه الخطوة بدرع واق يتمثل بولي العهد السعودي محمد بن سلمان. مبادرة باريس يتم عرضها كتعاون بين السعودية وفرنسا. الرئيس الفرنسي ربما سيتعرض لوابل من الازدراء من قبل ترامب، لكن احتراما لداعميه السعوديين الذين تعهدوا بضخ مئات المليارات في الاقتصاد الامريكي، فان الرئيس الامريكي سيكون اكثر حذرا. بهذا المعنى فانه توجد لماكرون في هذه الخطوة المنسقة فرصة لا بأس بها، وليس فقط اخطار. اذا ادت الى موجة اعتراف بالدولة الفلسطينية فان فرنسا يمكنها تسجيل لنفسها نجاح غير مسبوق في الساحة الدولية والادعاء “نحن كنا أولا هناك”.

في نهاية المطاف تصعب رؤية في قرار فرنسا رد عنيف على السياسة المتحدية لنتنياهو، الذي اثبت بشكل واضح انه لا ينوي وقف الحرب في غزة، وليكن ما يكون إلا اذا امره ترامب بفعل ذلك. اسرائيل في عهد نتنياهو عزلت نفسها بشكل متعمد عن الحلفاء والشركاء التجاريين والعلميين الرئيسيين لصالح حرب أبدية على انقاض غزة. الاوروبيون، المصريون والسعوديون والحلفاء في الخليج، جميعهم توسلوا لاسرائيل من اجل خلق “اليوم التالي” في القطاع، الذي لا يرتكز الى القوة فقط، بل على حل يوفر افق للفلسطينيين. حل ليس حماس أو ارهاب يهودي في الضفة الغربية. ولكن كل من له عقل يدرك ان بيبي وسموتريتش وبن غفير لا ينوون اجراء أي تحسين في ظروف حياة الفلسطينيين، مع بنية تعايش تحتية، وهو الحل المحتمل الوحيد، بل تدمير ما بقي من سلطة أبو مازن والحلم بالترانسفير والريفييرا في غزة. 

ماكرون قرر بناء على ذلك الرد على هذا التحدي الذي يضعه تحالف المتطرفين لنتنياهو امام المجتمع الدولي، وأن يثبت بان الدبلوماسية الدولية ليست حتى الآن فرع لمركز الليكود. جوقة الادانات المعادية في اسرائيل وفرت على الفور الدليل على من يتعامل معه ماكرون. لقد كان فيها انشغال قليل بالجوهر وانشغال كثير بالصرخات الارتدادية على “أسلمة” فرنسا، التي تقف كما يبدو من وراء هذا القرار. الاجابات المختلطة والمضحكة، من ماي غولان وحتى عميحاي شكلي، اثبتت بان وزن اعلان ماكرون التاريخي ربما هو اكبر مما يحاولون تسويقه في اسرائيل. التاج حصلت عليه، وكيف لا، ميري ريغف، بالطبع عندما قالت “انظر الى دولتك، باريس تظهر مثل كابول”.

وزيرة المواصلات الاكثر فشلا في تاريخ اسرائيل معروفة كهاوية رحلات “مهنية” في ارجاء العالم. ايضا وصلت في السابق الى فرنسا. ربما من الجدير ان تقضي نهاية الاسبوع في فرنسا، وأن تتعلم فيها شيء عن شبكة المواصلات العامة في العاصمة الفرنسية، التي هي من الشبكات المتطورة والودية في العالم. يجب قول الحقيقة: في ظل ريغف ونتنياهو وكل حكومة 7 اكتوبر فان اسرائيل اقتربت من الوضع في كابول اكثر بكثير من فرنسا، سواء من حيث الامن أو التعليم والمواصلات ايضا. هذا الامر حتى الف صرخة من صرخات “اللاسامية” لن تغيره. 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى