شجاع الصفدي: لقد قررت حماس أن تحارب (32)
شجاع الصفدي 25-7-2025: لقد قررت حماس أن تحارب (32)
ما بين شد وجذب واتهام بالمماطلة، تبدو حماس غير متعجلة لإتمام إتفاق لا يحمل في طياته ضمانات لما بعد الحرب ، فالحركة ترى وجودها هو اليوم التالي للحرب، وليس بالضرورة أن يكون ذلك من خلال حكم ومؤسسات، وإنما عبر نفوذ قائم لا يمكن تجاوزه أو إغفاله، كما تريد أن تبقى الحركة محصنة من أي مساس من أي طرف سيكون واجهة للحكم في غزة.
تسعى حماس لأن تبقى كينونتها التنظيمية مصانة تحت مسمى عدم المساس بالمقاومة وسلاحها، وأن تكون أي محاسبة لأي عنصر يرتكب مخالفة قانونية،ضمن إطار الحركة وليس ضمن إطار قانوني تنفذه أي حكومة قائمة.
هذا يجعلها فعليا سلطة حاكمة في الظل، دون أن تتحمل أعباء الحكم، وهذا المسعى حفظا لأي تطورات أو مجابهات داخلية مع أطراف قد تتنامى ضد الحركة داخل القطاع.
ولأن هذا السيناريو ما زال غامضا بسبب رفض أي طرف تولي شؤون غزة دون حكم فعلي، فالتوقعات تذهب في اتجاهات مغايرة تماما.
السؤال الآن، هل نتجه نحو هدنة، وإذا حدثت فما السيناريو المتوقع، هل ستتوقف الحرب حسب الضمانات الأمريكية ؟
في حال تمت الصفقة، وبمجرد وقف إطلاق النار، سينتشر المسلحون في كافة المفترقات و المناطق الحيوية ، سيفرضون سيطرة شاملة على كافة مناحي الحياة المتبقية في غزة، ثم تبدأ تصفية الحسابات مع بعض العائلات أو التشكيلات المسلحة لبسط نفوذ صارم كنوع من إثبات التعافي السريع .
سوف تقام مراكز شرطة ميدانية ، وتنتشر شرطة المرور، وبعض مؤسسات الخدمات المدنية .
بعد مرور ستين يوما على الهدنة، سوف تستمر المفاوضات لكنها بأوراق أقل كثيرا لدى حماس، وقد تمتد لفترة دون أن تحدث انتهاكات تذكر، وصولا إلى أكتوبر، وعودة الكنيست، عندئذ سيكون اختراق الهدنة سهلا للغاية، بنك أهداف كبير، وذريعة جاهزة مثل إطلاق قذائف عشوائية من غز.ة ، ستعلن حكومة نتنياهو أنها في حِل من الاتفاق والضمانات الأمريكية ، وتبدأ في استهدافات واسعة لكل ما أظهرته حماس خلال الهدنة.
ثم تبدأ مجددا بعملية عسكرية مشابهة لعربات جدعون، لكن بشكل مقلص دون استدعاء الاحتياط، ودون أن تثقل كاهل القوات.
فعليا ستكون حرب غير مكلفة، لا تأثير لها على سير الحياة في الداخل الإسرائيلي، وتبدأ رحلة جديدة للوسطاء، وجولات تفاوض أخرى، للإفراج عن باقي الأسرى من قطاع غزة، ومماطلة جديدة من نتنياهو وصولا لمرحلة الاستحقاق الانتخابي، يُتوّجها بإنهاء الحرب واستعادة الأسرى ، وتبقى غزة في مهب الريح دون تحقيق أي خطوة مصيرية قابلة للتنفيذ.
ورغم سوء هذا السيناريو ، إلا أنه ليس الأكثر تشاؤما.
السيناريو الأسوأ فيما لو فشلت الصفقة، سيستمر دخول الكفاف من الغذاء، تستمر المجاعة فعليا ،مع كافة أوجه المعاناة، وبقاء كل مصير غزة معلقا في اتصالات الوسطاء ودراسة حماس للمقترحات، وتملص نتنياهو من أي استحقاق .
لا إعمار، لا تعليم، لا مستشفيات، وضغط عسكري متقطع،لا يشكل عبئا كبيرا على جيش الاحتلال ، كما يتيح لحماس أن تمارس نشاطات تثبت من خلالها حكما ولو صوريا ، بما يتيح للاحتلال مواصلة الحرب بحجة القضاء على حكم الحركة للقطاع.
هذا السيناريو قتل بطيء لغزة وأهلها، وغالبا سيؤدي للكثير من المواجهات الداخلية بين العائلات المسلحة وحما..س ،ويصبح الاستهداف اليومي استنزافا حقيقيا للحركة، دون أن يشكل ذلك أي عبء على الاحتلال.
هكذا يستمر الخراب في غزة ، والجوع أيضا، وقد تبتدع إسرائيل طرقا للهجرة الطوعية، لن يتردد الكثيرون في اتباعها هربا من جحيم المعاناة .
قد تتغاضى إسرائيل عن قوارب ورحلات بحرية أو نشاطات تهريب للبشر تحت رقابة صارمة، وقد تسمح بدخول سفن تحت مسمى قوافل إغاثية، ويسمح لها بإصطحاب عدد من الغزيين على متنها عند المغادرة.
إضافة لنهجها السابق المتمثل بالسفر عبر مطار رامون ويوضع تحت بند دوافع إنسانية.
هذا السيناريو السيء يجعل غزة بيئة طاردة تماما لمواطنيها، خاصة مع اشتداد المعاناة والعجز العام وغياب سلطة القانون .
وما بين هذه السيناريوهات وغيرها، يتعلق الأمر بمدى إدراك حماس الحقيقي للمأزق الذي تورط به قطاع غزة ، وحجم النكبة التي أحلت به ، وهل ذلك سيؤثر على تعاملها مع الموقف دون الاستمرار في المقامرة التي تستنزف الشعب تماما ، أم أنها ستستمر في التعامل مع قطاع غز.ة كملكية خاصة تحت الوصاية مهما كانت العواقب.
وبالطبع في غزة لا شيء ثابت، هذه توقعات قد تبدو سوداوية، لكننا اعتدنا توقع الاحتمالات الأكثر سوءا، حتى ترتفع الجاهزية والقابلية للتعامل مع القادم .



