أقلام وأراء

رفيق خوري: الأسئلة الصعبة في لبنان وسوريا

رفيق خوري 24-7-2025: الأسئلة الصعبة في لبنان وسوريا

لبنان لم يكن، ولا مرة، في منأى عن التأثر بالأحداث في سوريا وسياسات حكامها. من أيام جميل مردم بك وخالد العظم والانقلابات العسكرية والوحدة مع مصر ثم الانفصال وحكم البعث وخصوصًا أيام آل الأسد إلى الإدارة الجديدة التي تمسك بها “هيئة تحرير الشام” وبقية الفصائل السلفية الجهادية. ومن التحولات الجيوسياسية والاستراتيجية إلى الصراع على سوريا وفيها وحرب الهويات وعقيدة التكفير في حق الأقليات والأكثرية غير السلفية.

ولا مرة كان لبنان في منأى عما يحدث في الشرق الأوسط وحوله. من مطامع إسرائيل وسياساتها الاستراتيجية، واتجاهات الرياح القومية في العالم العربي ولا سيما أيام المد الناصري، والاندفاع القوي لتيارات الإسلام السياسي، والمصالح الأوروبية في المنطقة، وصراع القوى العظمى على الشرق الأوسط، إلى مشروع ولاية الفقيه وأذرعه المسلحة بقيادة الحرس الثوري الإيراني والتحولات المتسارعة حالياً والتي هدفها المباشر انحسار النفوذ الإيراني.

لكن لبنان الذي استقوى عليه الجميع واستقوى فيه حاملو السلاح الفلسطيني ثم الإيراني ليس “غنيمة” لأحد. فلا قدره هو العودة إلى “بلاد الشام” التي هدد بها الموفد الأميركي اللبناني الأصل توم براك. إذ لم يكن منها وكان في مسار خاص منذ إمارة فخر الدين وفي عز أيام السلطنة العثمانية. ولا جنوبه يمكن أن يبقى “منطقة عازلة” تهندسها إسرائيل حالياً. لا هو “حديقة خلفية” لسوريا. ولا المشروع الذي يصر من أجله “حزب الله” على الاحتفاظ بسلاحه له مستقبل في “وطن نهائي لجميع أبنائه”.

ذلك أن لبنان الذي قال البابا يوحنا بولس الثاني إنه “أكثر من بلد، إنه رسالة” عيش مشترك للمنطقة والعالم، تكبر الحاجة إليه اليوم أكثر من أي وقت مضى. فالمنطقة غارقة في صراعات الهوية، وفي بعضها موجة هوجاء من التكاره بين الطوائف والأعراق. وداعش الذي أقام “خلافته” في ثلث العراق ونصف سوريا لا يزال يشكل خطراً وإن خسر جغرافياً المدن. و”القاعدة” لم تمت. والسلفية الجهادية التي تحكم سوريا تمارس فتوى عبد الله المحيسني التي موجزها: الأولوية ضد العدو “الصائل” أي الآخر في البلد. وإذا كانت سوريا اليوم “وظيفة” بعدما كانت دورًا مؤثرًا، فإن لبنان دور لا مجرد وظيفة. دور لا غنى عنه في العيش المشترك وصنع المستقبل. ووظيفة لا غنى عنها للأقليات وللأكثرية عند وقوع اضطهاد. والدرس الأخير جاء من مذابح الساحل وتفجير الكنيسة في دمشق إلى “غزوة السويداء”.

والمشهد ناطق وسط مليوني نازح سوري. لا ملجأ للأقليات الدرزية والمسيحية والعلوية إلا لبنان. وأقرب مكان لهرب الأكثرية من الحرب وقمع الأسد هو لبنان وبقاء النازحين فيه منذ 2011. ولا شيء يوحي أن سلطة الفصائل السلفية الجهادية تغري النازحين في لبنان من الأكثرية في سوريا بالعودة إلى بلادهم. ولا أحد يتوقع أن تتحول السلفية إلى ليبرالية، وإن عاشت في نظام اقتصادي ليبرالي حيث حرية السوق بعد عقود من القيود تحت عنوان “الإشتراكية”.

وإذا كان من الطبيعي أن يتأثر لبنان وكل اللبنانيين بما يحدث في سوريا سلبًا وإيجابًا، فإن المهمة الملحة حاليًا هي فتح ملف العلاقات مع سوريا من الأساس لمعالجته بشكل جذري وصولاً إلى علاقات طبيعية قائمة على المصالح المشتركة إلى جانب الأخوة. والسؤال في بيروت ليس فقط عن العمق العربي والممر السوري الاقتصادي إليه بل أيضاً عن حدود التفاهم بين نظامين متناقضين لا مهرب أمامهما من التفاهم المبني على تفهم كل بلد لمصالح البلد الآخر الحيوية. والسؤال في دمشق ليس فقط عن عودة النازحين السوريين وإيجاد حل قضائي للسجناء السوريين في لبنان وترتيبات الأمن المشترك عبر الحدود ضد كل الإرهابيين بل أيضاً عن إمكان التحول في الجيوبوليتيك من الاعتبار الخاطئ أن قيام لبنان الكبير “خطأ جغرافي” وخسارة لسوريا، إلى الاعتبار أنه ربح جيوسياسي لشعبه ولها وللمنطقة. والحل مشترك.

فاللعب الإسرائيلي بالأقليات في سوريا ولبنان وسياسات التقسيم أو حتى التفتيت ومحو قدرة أي بلد على الدفاع عن نفسه تحتاج مواجهته إلى سياسة مختلفة عن السياسة الحالية وخصوصًا في سوريا.

والرد الاستراتيجي على سياسات إسرائيل والتدخل في الشؤون الداخلية هو بناء دولة مواطنة يشارك فيها المجتمع السوري بكل أطيافه. فالسلفية لا تبني دولة، ولا تحمي شعبًا سواء منه الأكثرية والأقليات، ولا تمنع إسرائيل من التلاعب بالبلد.

وليس أصعب في هذه الأيام من الرهان على ما كان يسميه لبنين “الأحمق المفيد” وما سماه الرئيس ريغان “المجنون الحكيم” سوى الرهان على عاقل جريء في وجه الموجة السلفية الجهادية على طريقة داعش والقاعدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى