هارتس: المساعدات تدخل والسكان يموتون.. الأرقام من خلف التجويع في غزة

هآرتس – نير حسون – 23/7/2025 المساعدات تدخل والسكان يموتون.. الأرقام من خلف التجويع في غزة
بعين غير انتقادية، صندوق المساعدة لغزة هو قصة نجاح مدهشة. بعد ان تفاخر في يوم الاثنين الماضي بانه قام بتوزيع اكثر من “85 مليون وجبة”، وفي نفس اليوم “لم تكن أي احداث”، كان يمكن الاعتقاد بان الصعوبات والمنشورات السلبية في بداية طريقه كانت فقط الحبل السري الذي رافقه اثناء الولادة. ولكن هذه المعادلة الناجحة فيها عدة عوامل مجهولة، بالاساس غياب العلاقة والنظرة للصورة الاوسع. اذا كان يوجد في قطاع غزة 2.1 مليون شخص الذين مطلوب اطعامهم ثلاث وجبات في اليوم، في يوم الاثنين الماضي احتفل الصندوق باليوم الـ 56 لنشاطاته، فما هو عدد الوجبات التي كان يجب أن يوزعها؟. بحساب بسيط نحصل على جواب واحد وهو 353 مليون وجبة. هكذا، حتى لو بمعجزة معينة نجح سكان غزة بتوزيع فيما بينهم الطعام الذي يوزعه الصندوق، وبعد ذلك طبخه واستخراج منه كل السعرات الحرارية والمكونات الغذائية الموجودة فيه، فان الامر ما زال يتعلق بكمية قليلة من كمية الطعام المطلوب من اجل بقاء السكان على قيد الحياة. هذه الفجوة تكشف فقط خدعة واحدة في الحسابات المتعلقة بالتجويع.
فجوات اخرى لا تنقص. ففي نهاية الاسبوع الماضي ارتفع الجوع درجة في غزة. فالمستشفيات، المنظمات الانسانية، الصحف وسكان غزة، الجميع يتحدثون عن نقص كبير في الطعام، حتى مقارنة بالاشهر السابقة. فقط يوم أمس نشرت وزارة الصحة في القطاع بانه خلال 24 ساعة فقط توفي 15 شخص، بينهم اربعة اطفال، بسبب الجوع وسوء التغذية. منذ بداية الحرب قيل بانه توفي 101 اشخاص لنفس الاسباب، بينهم 80 طفل. عشرات الاموات يتم احصاءهم في الفترة الاخيرة لنفس الاسباب.
لكن الجوع في القطاع لا يتمثل فقط بالارقام. فهو ايضا ينعكس في الصور والافلام والروايات. الشبكة مليئة بالتوثيقات – اطفال رضع يتم جائعين، ايديهم وارجلهم نحيلة وبطونهم منتفخة، شخص بالغ ياكل اوراق التين ليشبع جوعه، شخص تحدث عن رجل طارد زوجته بعد ان اكلت وجبته، المستشفيات تتحدث عن كبار سن ينهارون بسبب التعب ودرجة الحرارة والجوع، والدين قالا انهما حاولا تقديم لاولادهما القليل من العزاء بدلا من الخبز. “أنا لم آكل منذ يومين”، قالت لوكالة “القدس” امرأة اسمها سلوى، وهي ام لطفل رضيع من حي التفاح. “جسمي لا ينتج الحليب وطفلي يبكي الى ان ينام. نحن نقوم بتغذيته على ماء الأرز ولكنه يعرف الحقيقة، حسب طعمه التافه”.
اضافة الى التقارير التي تتدفق حول الجوع المتفشي فان صندوق المساعدة لغزة يواصل نشر بيانات احتفالية في الصحف عن توزيع كميات كبيرة من الطعام، وكأن الامر يتعلق بعالمين متوازيين،غريبين عن بعضهما. من اجل فهم العلاقة المتبادلة بين هذين العالمين يجب الغوص في اعماق البيانات والحقائق. حسب الصندوق فانه في كل صندوق مساعدات يوجد 57.75 وجبة (الحساب هو ثلاث وجبات في اليوم ضرب 5.5 فرد في كل عائلة ضرب 3.5 يوم – لكن هذا الرقم يثير التساؤل.
على سبيل المثال، هل في ظروف العيش الحالية في القطاع يمكن حقا اخراج تقريبا 60 وجبة من خلال 16 – 18 كغم طعام؟ تركيبة الرزم تتغير، لكن في معظمها يمكن ايجاد 4 كغم طحين، 3 كغم معكرونة، علبة طحينة، 4 كغم حمص وعدس، زجاجة زيت، كيلو ملح و2 كيلو أرز. نظريا كمية لا بأس بها من هذه السلع يجب أن تدخل الى طنجرة الطبخ، وهذه مهمة مستحيلة في ظل الوضع الحالي في القطاع، لانه لا يوجد لدى أي احد مطبخ يعمل، أو حتى غاز للطبخ. ايضا هناك نقص كبير في المياه النظيفة المطلوبة ايضا للطبخ، هذا قبل الامر المفهوم ضمنا وهو القدرة على الاحتفاظ بالطعام وتخزينه لبضعة ايام بين الهرب والتهجير مرة تلو الاخرى.
سؤال آخر هو هل الطعام الذي يقدمه الصندوق يصل في الاصل الى المحتاجين اليه. منذ بدأ الصندوق في العمل قبل شهرين تقريبا هو يقوم بالعمل في اربعة مراكز توزيع، وهي تكون مفتوحة كل يوم لفترة قصيرة جدا، على الاغلب ربع ساعة، الى حين نفاد الطعام، وبدون جدول زمني معروف مسبقا. الدمج بين الجوع من جهة وعدم اليقين بخصوص فتح مراكز التوزيع من جهة اخرى، خلق وضع فيه في كل يوم عشرات الالاف يعرضون حياتهم للخطر، هم ياتون الى المراكز كل يوم على أمل الحصول على بعض الطعام لعائلاتهم، حتى ان بعضهم ينامون على الرمال في مناطق اطلاق النار المحيطة بمراكز التوزيع كي يكونوا في اول الطابور.
هذا الضغط يحول الطريق الى مراكز التوزيع والمراكز نفسها الى افخاخ موت – في كل يوم يقتل العشرات، معظمهم بنار جنود الجيش الاسرائيلي الذين يحاولون السيطرة على الجمهور بواسطة النار الحية. حتى الان تم احصاء 1000 فلسطيني قتلوا بهذه الطريقة في مراكز التوزيع وفي الطريق اليها أو قرب الشاحنات التي تنقل الغذاء. من كان لهم حظ وبقوا احياء ونجحوا في الدخول الى مراكز التوزيع، يتقدمون من اكوام الصناديق ويخطفون ما تصل اليه ايديهم. خلافا للتوزيع الذي قامت به الامم المتحدة والمنظمات الانسانية على اساس تسجيل منظم ومن خلال مئات نقاط التوزيع، فانه في مراكز صندوق المساعدة لغزة لا يوجد نظام أو قانون. كل واحد يخطف بقدر استطاعته ويهرب بجلده. لذلك فان المحتاجين جدا للطعام، الاطفال والنساء والشيوخ والمرضى، يبقون مع أيدي فارغة.
“ايضا من يحصلون على المساعدات توجد بينهم فروقات”، قال للصحيفة شخص تواجد في القطاع حتى فترة قريبة. حسب قوله فانه مجموعات منظمة من الشباب ترسل الاصدقاء الى مراكز التوزيع لتحقيق المكاسب. “هم يفتحون الصناديق وياخذون السلع الثمينة مثل الجبنة والزيت وربما التونا، ويركضون الى السيارة التي تقف على مسافة غير بعيدة ويضعونها فيها”، قال. “في طريق العودة الى مخيمات النازحين يقومون ببيع هذه السلع مباشرة من السيارة، وكلما ابتعدوا عن مراكز التوزيع الاسعار ترتفع”.
ايضا عندما يصل الطعام الى السكان المحتاجين جدا فانه في حالات كثيرة لا يساعدهم، لأن الطعام الذي يوزعه الصندوق غير متنوع بما فيه الكفاية. وضمن امور اخرى، لا يوجد طعام مخصص لمرضى الاضطرابات في الهضم ومرضى القلب أو مرضى الكلى. يوجد نقص في غذاء الاطفال، الذي غيابه هو الاكثر شدة، ويبدو أنه الاكثر فتكا. غذاء الاطفال اصبح سلعة حيوية لانقاذ حياة اطفال غزة، لان الامهات، اللواتي هن انفسهن يعانين من سوء التغذية، لا يمكنهن ارضاع اطفالهن.
فيما يتعلق بهذه المسألة فانه يوجد تناقض بين البيانات التي ينشرها مكتب منسق اعمال الحكومة في المناطق وبين الواقع على الارض. حسب مكتب منسق اعمال الحكومة فانه خلال الاشهر الاخيرة تم ادخال الى القطاع 2500 طن من غذاء الاطفال والطعام المكمل للاطفال، لكن يوجد لمفهوم “ادخال” عدة تفسيرات. المنظمات الانسانية التي تعمل في القطاع تقول ان كمية كبيرة من الطعام الذي يشق طريقه الى القطاع تعلق بالفعل في الجانب الفلسطيني من الحاجز لان الجيش الاسرائيلي يمنع حركة الشاحنات. في حالات اخرى الشاحنات تدخل الى القطاع ولكن يتم نهبها في الطريق الى مخازن التوزيع. على أي حال الفوضى التي خلقتها الحرب، وعمليات التهجير المتكررة للسكان وانهيار المنظومة الصحية، كل ذلك يمنع الطعام عن الاطفال المحتاجين جدا له، ويسرقون منهم احتمالية البقاء على قيد الحياة.
هذه الكارثة كانت متوقعة. خبراء في التغذية وفي توزيع المساعدات الانسانية حذروا الحكومة الاسرائيلية من هذا السيناريو. وحتى الآن، رغم الاطفال الذين يموتون والكبار المجوعين والانهيار المطلق لبرنامج التغذية الذي وضع هنا، فانه لا يوجد لدى اي شخص في المنظومة الاسرائيلية شعور بالالحاحية. هذا ينطبق ايضا على ما يحدث في المحكمة العليا في القدس. ففي 18 أيار الماضي قدمت اربع منظمات لحقوق الانسان التماس للمحكمة العليا (بعد رفض التماس سابق في هذا الشأن)، طلبت فيه السماح بادخال الغذاء بدون قيود الى القطاع. بعد ذلك قدمت النيابة العامة عشرة طلبات لرفض اعطاء اجابة على الالتماس، الاخير تم تقديمه من قبل المحامي يونتان بيرمان والمحامي يونتان سيتون من قسم الالتماسات في النيابة العامة. هذا الطلب ايضا، مثل تسعة طلبات سابقة، صادق عليه امس القاضي يوسف الرمان.