هارتس: بعد سنة من هدم بيوت البدو في النقب بقوا بلا مأوى وبلا أمل

هآرتس – عيدان سولومون – 20/7/2025 بعد سنة من هدم بيوت البدو في النقب بقوا بلا مأوى وبلا أمل
في النقب على بعد بضعة كيلومترات عن مستوطنات منظمة ومدن معترف بها، يمتد مشهد يظهر وكأنه تم اخذه من فيلم كوارث. اطفال حفاة يقفزون بين اكوام من قطع الحديد والاسمنت والصفيح، واشخاص بالغون يجلسون بصمت قرب الخيام التي اقيمت بين الانقاض.
لقد مرت سنة واكثر منذ ان بدات اسرائيل في هدم واسع لقرى بدوية غير معترف بها في النقب. بيوت تم مسحها عن وجه الارض، وحياة مئات العائلات تقلصت واصبحت في مناطق سكنية مرتجلة. منذ تشكيل الحكومة الحالية الدولة هدمت قرية وادي خليل، قرية أم الحيران، حي في عرعرة وحيين في ام متنان. هدم قرية السر مستمر حتى الآن.
الهدم نفسه كان فقط نقطة البداية لروتين مدمر في اطاره كل بضعة اسابيع تاتي قوات التفتيش وتهدم الخيام التي وضعت. اذا كان هناك انذار مسبق يسارع السكان الى تفكيك الخيام بانفسهم من اجل ان لا تدمر. بعد ذلك يقيمونها مرة اخرى بدون خيار لانه لا يوجد أي مكان يذهبون اليه. الدولة تعتبر هؤلاء المواطنين غزاة، لكنها لا تعرض عليهم أي امكانية اخرى. لم يتم عرض على السكان في أي حالة من هذه الحالات أي حل بديل. بعضهم انتقلوا للعيش مع اقاربهم، وبعضهم قاموا باستئجار شقق، لكن غالبيتهم – اطفال، شيوخ، مرضى، معاقون – بقوا بلا مأوى. ما الذي تفعله الدولة لمساعدتهم؟ لا شيء. لا مساكن بديلة، حتى لو مؤقتة، ولا رد نفسي، حتى لو للاطفال. في كل القرى يقولون انهم لم يقم احد بزيارتهم من خدمات الرفاه (في وزارة الرفاه رفضوا ادعاءات السكان، انظروا الرد في نهاية المقال).
العيش في الخيمة لا يعتبر مغامرة. ففي الصيف الحرارة تتجمع طوال اليوم وتبقى عندهم في الليل، وفي الشتاء الرياح الباردة تدخل من جوانب الخيمة المصنوعة من القماش وتجلب معها الغبار والوحل. الاستحمام هو امتياز لمرة واحدة أو مرتين في الاسبوع، لان الامر يتعلق بحمام بارد في منتصف الليل حيث الظلام هو الذي يصنع الخصوصية. المطبخ هو المنطقة التي تحيط بالغاز، والثلاجة تعمل فقط عندما يقومون بتشغيل المولد – هذا يحدث فقط لبضع ساعات في كل يوم. الاولاد يذهبون الى المدرسة بين حين وآخر، هذا يعتمد على مدى قسوة الليلة السابقة. بالنسبة لهم العطلة الطويلة ليست عطلة، بل ايام من الحر والغبار والملل.
“الاولاد بدون سقف منذ سنة وشهرين، الامر الذي يؤثر عليهم”، قال احمد ابو عصا من وادي خليل. “اجسامهم اصبحت نحيلة وضعيفة وفي الشتاء يمرضون اكثر. فادي الوليدي من قرية السر، الذي تم هدم بيته قبل شهرين، يلاحظ الآن تدهور وضع ابنته كفاية ابنة السابعة، التي تعاني من اضطراب وراثي نادر يحتاج الى العلاج ثلاث مرات في الاسبوع. منذ اجبارهم على الانتقال الى الخيمة بدون مكيف او كهرباء بشكل ثابت، فان حالتها آخذة في التدهور، “في مساء يوم الاحد استيقظت والدم ينزف من فمها. ذهبنا الى الطواريء، وعندما عدنا في الفجر، كان المفتشون ينتظروننا قرب البيت. احيانا انظر الى الكلب الذي يتجول في القرية واتساءل ما اذا كان يعيش افضل مني ومن اولادي. على الاقل لا يهدده أي احد بهدم بيته”، قال.
في الرسالة التي ارسلتها منظمة “اطباء من اجل حقوق الانسان” الى المستشارة القانونية للحكومة والى سلطة التطوير والاستيطان البدوي وسلطة اراضي اسرائيل، تبين أن اولاد قرية السر لن ينجحوا في انهاء السنة الدراسية، والنساء ابلغن عن اعراض قاسية للاكتئاب والخوف، والمعدات الطبية والادوية التي كانت في البيوت التي هدمت لم يتم استبدالها، والنظافة آخذة في التدهور. هكذا هم تحت قبة السماء، السكان في القرى ايضا مروا في الحرب مع ايران.
بين القرى وسلطة البدو تجري مفاوضات حول شروط الاخلاء، لكن في معظم الحالات هذه المفاوضات تكون عالقة. الفجوة عميقة والحلول، اذا وجدت، تبقى على الورق فقط. ايضا في القرى التي توصلت الى اتفاق مع السلطات، الهدم مستمر.
الشعور في اوساط السكان هو ان الامر يتعلق بسياسة متعمدة، وليس بصعوبة حقيقية في العثور على حلول. وحسب اقوالهم فان الواقع على الارض يدل على ان الهدف ليس التسوية، بل الهدم. في المجلس الاقليمي للقرى غير المعترف بها في النقب قدروا انه منذ بداية 2023 هدمت الدولة تقريبا 2500 بيت للبدو في النقب، بالاجمال 11 ألف مبنى في السنتين ونصف الاخيرة.
وادي خليل: كل شيء عالق
قرية وادي خليل كانت السنونو الاولى في موجة الهدم. وهي قرية تم محوها بالكامل. حوالي 320 شخص، بينهم اطفال وشيوخ ومعاقين، بقوا بلا سقف. بعد سنة وشهرين الكثيرون منهم ما زالوا في الخيام. السكان، ابناء قبيلة أبو عصا، رفضوا التوقيع على اتفاقات، التي صادرت حسب رأيهم حقوقهم الاساسية، وآمنوا بان الدولة لن تتخذ أي خطوة دراماتيكية جدا بدون ايجاد حل بديل. عمليا، حالتهم بشرت بسياسة جديدة واستثنائية: هدم شامل للقرى بدون أي بديل للسكن.
وادي خليل، التي معظم بيوتها كانت حجرية، تم تدميرها لصالح شق الشارع 6 في الجنوب. ابناء القرية تم تبشيرهم قبل سنوات بان الشارع مخطط له ان يمر في قريتهم ووافقوا على الانتقال الى حي تم تخصيصه لهم اسمه المتلة. ولكن هذا الحي لم تتم اقامته. الدولة طلبت منهم الانتقال الى حي في قرية ام ميتان القريبة، رغم ان المنطقة في حينه كانت في مركز نزاع حول الملكية. السكان وافقوا على ذلك في نهاية المطاف، وهذا الحي لم تتم اقامته.
في غضون ذلك هم يحاربون من اجل الحصول على تعويضات مناسبة عن المباني التي هدمت وعن مصادرة الاراضي. شركة “عابر اسرائيل” ترفض دفع التعويضات عن البيوت التي هدمت قبل المصادرة، وسلطة البدو ترفض دفع التعويضات التي تم وعدهم بها، التي تبلغ 250 ألف شيكل لكل عائلة، بذريعة ان السكان “تم اخلاءهم بشكل قسري”، لذلك، هم فقدوا احقيتهم.
قبل شهر قدم بعضهم التماس للمحكمة العليا ضد شارع “عابر اسرائيل” وسلطة اراضي اسرائيل. “الدولة رفضت اعطاء اراض للسكان مقابل اراض، حسب قانون “عابر اسرائيل”، وهي غير مستعدة لدفع التعويضات لهم بذريعة انهم غزاة”، قال المحامي اميل نحماس، ممثل السكان. “نحن نحاول الشرح للمحكمة بأن هؤلاء الاشخاص يوجدون في المكان حتى قبل قيام الدولة. لا توجد لهم ملكية مسجلة لان الدولة لم توافق على مواصلة اجراءات تسوية الاراضي التي بدات في الثمانينيات. عائلة أبو عصا عرضت مصدر ملكية على الارض في السبعينيات”.
“كل شيء عالق. من البداية كان واضح ان الدولة لا تنوي التوصل الى اتفاق حقيقي”، قال جبر أبو عصا احد سكان القرية. حسب قوله هناك مشكلات جوهرية في المفاوضات الى جانب رفض دفع التعويضات. “فجأة يقولون ان زوجتي ورثت بيت غير موجود باسمها من اجل عدم اعطاءنا نصف قسيمة، وليس قسيمة كاملة. هذا خطأ ليس لمرة واحدة. هذا ما يحدث لعائلات كثيرة”.
احمد، شقيق جبر، الذي منذ هدم القرية في ايار السنة الماضي يعيش بلا مأوى، ولد في القرية وقام بترية اولاده واحفاده فيها. لكن حسب اقوال المحامي الذي يمثل السكان هو لا يستحق قسيمة لأن زوجته فلسطينية. “في الجلسة الاخيرة مع السلطة قالوا ان من يستحقون يمكنهم الانتقال الى الحي الجديد (الذي لم تتم اقامته بعد). وماذا عن غير المستحقين؟ وماذا بشأن الحقوق الاخرى؟ نحن تنازلنا عن امور كثيرة، لكننا لن نتنازل عن حقوقنا الاساسية”.
الغول: “هذه ليست خطة، هذه سياسة”
مرت سنة منذ ان اضطر سكان حي الغول الذي يوجد في عرعرة الى هدم بيوتهم بأيديهم. 20 شخص تقريبا يعيشون منذ ذلك الحين في خيام: لا أحد منهم وافق على اجراء مقابلة خشية المس بفرصة تسوية مستقبلية.
سكان حي الغول قالوا بانه توجد حقوق تاريخية على الارض وقدموا دعاوى ملكية، التي لم يتم البت بها. قبل ست سنوات تم تعليق في الحي اوامر هدم، وفي نهاية المطاف طلب من السكان الاخلاء والانتقال الى الحي رقم 8، حيث كانت تعيش هناك عشيرة اخرى، التي يوجد لها ايضا دعوى ملكية لم تتم تسويتها.
السكان الذين عرفوا بان هذه العملية يمكن ان تشعل النزاعات العائلية، رفضوا. ومع جمعية “بمكوم” وبدعم مجلس عرعرة، طرحوا حل آخر وهو الانتقال الى الحي 10 القريب، الذي يوجد في اجراءات التطوير. لكن المحكمة العليا رفضت الالتماس والهدم خرج الى حيز التنفيذ. فقط عندها بدأت الاتصالات مع سلطة البدو وتم التوصل الى اتفاق مبدئي بخصوص الحي 10. ولكن هذه الخطوة عالقة ايضا.
“لصالح 32 شخص مستحق، كانت هناك فقط 23 قسيمة خالية”، قال مصدر في مجلس عرعرة. “عمليا تم نقل الحقوق فقط على اربع قسائم، و19 قسيمة بقيت خارج الخط الازرق (حدود الخطة الهيكلية القانونية). لذلك، سلطة اراضي اسرائيل ترفض التوقيع. نحن توجهنا عدة مرات الى وزارة الداخلية وطلبنا توسيع الخط، ولكن توجهاتنا رفضت”.
حسب اقوال ايلي عتصمون، مستشار في بلدية عرعرة وفي السابق شغل منصب نائب رئيس شؤون البدو، فان الادعاء بان الخط الاخضر هو الذي يمنع استيعاب السكان هو مجرد ذريعة. “هذا وهم”، قال. “في مجلس كسيفة وسيغف شالوم قمنا ببناء احياء حصلت على القانونية ايضا حتى عندما كانت خارج الخط الازرق. الامر يستغرق وقت من اجل تغيير الحدود، لكن ذلك لا يوقف خطط أي شيء. كل شيء يمكن اذا ارادوا ذلك، لكن الدولة لا تريد”.
عتصمون لا يتردد في الاشارة الى ما يعتبره عامل رئيسي في الجمود. “وزير الداخلية لا يريد اعطاء الاراضي. بالعكس، هم ياخذون الاراضي. هذا ليس خطة، بل سياسة. في نهاية المطاف يمكن ايضا اسكان المواطنين في منطقة مؤقتة، الى حين تسوية الامر. نحن فعلنا ذلك عشرات المرات، لكن الآن هذا اصبح ورقة سياسية. كل وزير سيساعد البدو سيعتبر وكأنه “منح الاراضي للعرب””.
قرية ام الحيران: “نحن نريد حياة طبيعية”. بعد ثماني سنوات على اطلاق النار على يعقوب أبو القيعان وقتله على يد شرطي اثناء اخلاء أم الحيران، تحول هذا الضرر من جانب الدولة الى روتين حياة بالنسبة لعائلته: في البداية قتله وتشويه سمعته كمخرب، بعد ذلك هدم بيوتهم وتهجيرهم قبل ثمانية اشهر لصالح اقامة مستوطنة يهودية.
في ليلة باردة في تشرين الثاني الماضي سار ابناء العائلة من القرية التي تم محوها الى قرية الحورة. هناك، في ظل غياب مساعدة الدولة، قاموا ببناء مباني مؤقتة بتكلفة عالية، وهي المباني التي يطلب منهم الآن هدمها. بالنسبة لبعضهم هذا هو الهدم الثالث.
الحي 9 الذي استقروا فيه هو “منطقة باللون البني”، المخصصة للمباني العامة. في مجلس حورة قالوا ان المنطقة متروكة وان المجلس معني بتسوية مؤقتا مكانة السكان فيها، لكن عمليا خطر الهدم الذي يجلق فزق رؤوسهم هو خطر مزدوج. وبعد فترة قصيرة على اقامة البيوت المؤقتة جاء مفتشو سلطة الاراضي وسلموهم اوامر هدم. حتى الان نجحوا في منع ذلك مرة تلو الاخرى بأمر قانوني. ولكن الآن هذا الهدم اقرب من أي وقت مضى.
سلطة البدو التي قالت انها ستحاول المساعدة في تغيير تخصيص الارض للسكن، تراجعت مؤخرا. “لقد طلبوا منا الاخلاء”، قال الدكتور حسام أبو القيعان، وهو طبيب عائلة وابن يعقوب. “لماذاظ. المنطقة فارغة وغير مستخدمة منذ اقامة الحورة. لماذا ملح جدا اخلاءنا؟ حتى قبل الهدم في القرية فان ممثل السلطة امرنا بالدخول الى الارض الى حين يتم تاهيلها. الان يقولون بانه في القريب لن تكون متاحة، وانهم يبحثون عن قسائم ننتقل اليها بشكل مؤقت. ولكن نحن لا يمكننا الانتقال في كل مرة الى مكان مؤقت، نحن نريد حياة عادية، حياة ناس عاديين”.
المحادثة جرت في العيادة في فترة الاستراحة بين علاج مريضين. حسام ظهر مطفيا. “أنا وكل العائلة في حالة خوف”، قال. “نحن نفكر في يوم الهدم، وكيف سنمر تلك الفترة. عمي يعيش في حالة اكتئاب بسبب هذا الوضع. لا يتحدثون معه عن ذلك لانه مضغوط. كل شيء يعود اليه من احداث العام 2017. انا لا اتمنى لاي واحد بان يمر عليه ما مر علينا”.
حسب قوله السكان يريدون شيئا واحدا وهو البقاء في المنطقة الحالية الى حين ايجاد حل دائم. “لا يجب نقلنا من مكان الى آخر، نحن لن نتحمل ذلك مرة اخرى. منذ قاموا باخلائنا بالقوة من بيتنا قبل ثماني سنوات، نحن نشاهد مرة تلو الاخرى نفس الظلم. نحن نتوسل لكل الجهات التي يمكنها المساعدة. نحن لا نعرف الى أين نذهب”.
الى جانب هذا الفرع من العائلة، جزء من سكان أم الحيران انتقل حتى قبل هدم القرية الى قسائم تم تخصيصها لهم في الحي 12 في حورة. ولكن ايضا مع هؤلاء لم يتم التوقيع على اتفاق نهائي، وبيوتهم المؤقتة ايضا يهددها خطر الهدم.