ترجمات عبرية

هآرتس: تطبيع مع إسرائيل؟ يبدو أن حاكم السعودية يسعى الى شيء أكبر بكثير

هآرتس – تساح يوكيد – 18/7/2025 تطبيع مع إسرائيل؟ يبدو أن حاكم السعودية يسعى الى شيء أكبر بكثير

العام 2006. برج الفيصلية، وهو ناطحة السحاب التي تبرز في حي الاعمال النشط في الرياض. كارين هاوس، الصحفية المعروفة في “وول ستريت جورنال” والتي عملت لسنين أيضا كناشرة وكنائبة لرئيس التحرير، وصلت الى مقهى في قاعة الاستقبال، هي جاءت الى هناك مع صديقها المقرب عبد الله، موظف عام ومقرب من النظام، الذي رافقها في زياراتها الكثيرة في الدولة على اعتبار أنه مترجم ورجل اتصال.

“جلسنا في المقهى انا وعبد الله”، قال هاوس في مقابلة مع “ملحق هآرتس”. “فجأة تقدم نحوي شرطي من شرطة الدين المحلية وقال لي بلغة انجليزية طليقة “غطي رأسك، انت في السعودية”. هاوس سارعت للامتثال. “لقد كنت ارتدي العباءة التقليدية، وهكذا فان كل ما كان يجب علي ان اغطيه هو الشعر والوجه”. بعد ذلك توجه رجال شرطة الدين الى عبد الله. “هو قال لهم بأنه تم ارساله من قبل وزير العلوم السعودي لمرافقتي اثناء زيارتي في الدولة”، قالت هاوس. “لكن هذا لم يهمهم. بالنسبة لهم الامر المهم الوحيد هو ان هناك رجل وامرأة يجلسان معا في مقهى، في الوقت الذي فيه يحظر على رجال ونساء لا توجد بينهم علاقات عائلية، الظهور معا امام الجمهورط.

هاوس أرسلها رجال الشرطة الى غرفتها في الفندق. وعبد الله، المترجم، اخذوه في سيارة الشرطة الى قيادة شرطة الدين المحلية. “في نفس المساء كانت لي مقابلة مع وزير العدل السعودي. لذلك قمت بالاتصال بمكتب الوزير وقلت لهم بأنه تم اعتقال المترجم. وبعد 45 دقيقة تم اطلاق سراحه”.

بعد التغييرات التي مرت على السعودية في ظل قيادة ولي العهد محمد بن سلمان، هذه الحادثة غير اللطيفة مع شرطة الدين ظهرت لهاوس كذكرى من أيام بعيدة. “الفصل المتشدد بين الجنسين لم يعد قائما”، كتبت هاوس في السيرة الذاتية الجديدة التي كتبتها، “الرجل الذي سيصبح الملك”، “الرجال والنساء يوجدون معا في كل مكان بدون حظر أو قيود، سواء في مكان العمل، في المطاعم أو في دور السينما”. شرطة الدين، وهي نفس الاف رجال الشرطة الذين يتجولون في الشوارع من اجل الحفاظ على قواعد الاحتشام المشددة، لا يوجد اليوم أي ذكر لها في الدولة. ولكن أيضا أي ذكر لعبد الله، كما تقول هاوس.

حسب قولها فان العلاقة الثابتة بينهما تم انقطاعها قبل اربع سنوات. اتصلت به عدة مرات ولكني لم أنجح في الوصول اليه، منذ العام 2021 وانا استخدم كل علاقاتي في الدولة في محاولة لمعرفة مصيره، ولكن لا أحد يعرف.

قصة عبد الله وهاوس تمثل بشكل كبير قصة السعودية منذ تم تعيين محمد بن سلمان (39 سنة) وليا للعهد في حزيران 2017. من جهة، الدولة مرت بعملية دراماتيكية للتحديث، ومن جهة أخرى، الكثير من المواطنين يتم اعتقالهم وسجنهم، واحيانا يختفون، حتى اكثر مما في السابق. بالنسبة للحاكم القوي فان التحديث والدمقرطة هي أمور منفصلة، واحيانا، كما تشرح هاوس في كتابها، حتى متناقضة.

“ابن سلمان لا يقلق من انه يتحدى واشنطن، وهو غير محرج من غياب الحريات في دولته”، كتبت هاوس في كتابها وأشارت الى مؤشر الحريات العالمي لمعهد كاتو الأمريكي، الذي فيه تم تصنيف السعودية في السنة الماضية في المكان 155 من بين الـ 165 دولة. “رقابة النظام في السعودية للشبكات الاجتماعية والانترنت هي من الأشد في العالم”، قالت. “نشر مضمون يمس بالنظام العام، قيم الدين والأخلاق، يمكن ان يستدعي عقاب يصل الى خمس سنوات سجن ودفع غرامة تصل الى 3 مليون ريال سعودي (800 الف دولار). 

كيف تشرحين حقيقة ان ابن سلمان يبادر الى اجراء إصلاحات بعيدة المدى في محاولة لترسيخ مجتمع حديث، وفي نفس الوقت تعزيز الرقابة وتقليص الحريات المدنية؟

“يجب التذكر بان ابن سلمان هو ديكتاتور وليس شخص ديمقراطي. هو على قناعة بانه يجب عليه تعزيز السيطرة الاجتماعية من اجل تحقيق جميع الأهداف التي وضعها لدولته، وعلى رأسها تغيير طبيعة الاقتصاد وتقليص الاعتماد الكبير على النفط. وشبيها بدول ديكتاتورية كبيرة أخرى، هو يعتقد انه يجب عليه فعل كل ما في استطاعته لتحقيق هذه الأهداف. لذلك فانه بالنسبة له لا يوجد أي امر مرفوض في الاعتقالات الجماعية”.

المثال البارز على ذلك هو الصحافي والمحلل السياسي جمال الخاشقجي، احد منتقدي النظام الأكثر بروزا. الخاشقجي دخل الى مبنى القنصلية السعودية في إسطنبول في تشرين الأول 2018 وبعد ذلك اختفى اثره. حسب تقدير أجهزة المخابرات الغربية فان الخاشقجي تم قتله بتعليمات مباشرة من ابن سلمان. وتم إخراجه من مبنى القنصلية حيث كانت جثته مقطعة الى أجزاء.

“انا أتذكر المرة الأخيرة التي رايت فيها الخاشقجي”، قالت هاوس. “لقد التقينا في 2016 على وجبة غداء، وعبر لي عن يأسه من ان السلطات تمنعه من الكتابة. انا لا اعرف لماذا، لكنهم في العائلة المالكة اتهموه بعدم الولاء. هم كانوا على قناعة بانه عميل لقطر. في الحقيقة بعد فترة قصيرة على اللقاء بيننا ذهب الى الولايات المتحدة”.

“صحيح، حتى ذلك الوقت ابن سلمان لم يخش مواجهة وضرب كل من يمكن ضربه. ضمن أمور أخرى، هو شن حرب على الحوثيين في اليمن في 2015، وقطع العلاقات مع قطر في 2017، لكن حادثة الخاشقجي علمته بأنه لا يمكنك ابعاد الجميع عنك في نفس الوقت. أنا أتذكر انه بعد هذه الحادثة كان هناك مؤتمر لدول الـ جي 20، وكان يمكن رؤية بوضوح كيف ان جميع الزعماء يحاولون عدم رؤيتهم مع ابن سلمان. وحتى عندما تحدث معه ترامب فانه اهتم بالقيام بذلك بعيدا عن العدسات. وبعد فترة قصيرة من ذلك ابن سلمان قام بتحسين العلاقات مع قطر، وبعد ذلك تصالح مع سوريا وايران، وتوصل الى اتفاق لوقف اطلاق النار في اليمن”.

نفط اكثر من اللازم

هاوس (77 سنة) حصلت على جائزة البوليتسر في 1984 عن عملها الصحفي في الشرق الأوسط وكتابها بعنوان “العربية السعودية، شعبها وماضيها، الدين، المستقبل”، الذي يعتبر حتى الآن، بعد 12 سنة على إصداره، احد الكتب الهامة جدا لفهم التاريخ الحديث للسعودية. هي تدخل وتخرج بشكل روتيني من القصر الملكي، وتعرف شخصيا كل الامراء المهمين، ولديها علاقات ثقة مع الحاكم. 

بعد تركها للصحيفة بدات تعمل في بعض معاهد الأبحاث، من بينها معهد بلفار لعلوم العلاقات الدولية في جامعة هارفارد. هي قالت ان زيارتها الأولى في السعودية كانت في العام 1978. “هذه الزيارة كانت بعد زيارة السادات في القدس. تم تعييني كمراسلة سياسية في الصحيفة، والشرق الأوسط كان مصدر الاهتمام الأكبر في تلك الفترة”، تتذكر. “السعودية كانت ما تزال في حينه دولة طبيعية نسبيا، في الواقع ارتديت قميص طويل وتنورة قصيرة حتى الركبتين. أتذكر انه تمت دعوتي الى حفلة في منزل وزير النفط، الرجال والنساء كانوا معا في تلك الليلة وشربوا الكحول”.

كل ذلك تغير، كما تقول، بعد سنة، في اعقاب ثورة الخميني في ايران. “العائلة المالكة خشيت من ان تنتهي مثل الشاه المعزول، لذلك قررت السماح لرجال الدين بإدارة الدولة”، قالت هاوس وتذكرت كيف انه في زيارتها الثانية في 1980 طلب منها ارتداء العباءة عندما التقت مع رئيس جهاز المخابرات في السعودية، وكيف انه بعد سنتين في 1982 عندما هبطت في مطار الرياض بدعوة من السفير السعودي في واشنطن، تم تاخيرها لوقت طويل بسبب القواعد الجديدة التي منعت خروج النساء من المطار بدون مرافقة احد أبناء العائلة.

ولي العهد محمد بن سلمان التقت معه سبع مرات. “اثناء تواجدي في السعودية تعلمت انه خلافا للامريكيين أو الإسرائيليين، الذين يحبون الظهور طوال الوقت، فان السعوديين يحذرون من قول أو فعل أي شيء يتسبب بالخجل للعائلة المالكة. ولكن ابن سلمان كان مختلف معي منذ لقاءه الأول معي في 2016، خلافا لاشخاص آخرين في العائلة المالكة الذين يقولون لك أشياء في محادثات خاصة ويقولون أشياء مختلفة بحضور اشخاص آخرين، هو كان يقول لي ما يفكر فيه بدون خوف من الظهور أو لفت الانتباه. خلافا للامير سلطان (ولي العهد في أعوام 2005 – 2011)، أو والده الملك سلمان، الذين دائما اهتموا باحاطة انفسهم باشخاص، لم اشعر في أي مرة بانه يمكنني التحدث معهم، فان محمد ابن سلمان لم تكن له أي مشكلة في اجراء محادثة مباشرة معي بدون حضور اشخاص آخرين. هو كاريزماتي بشكل غير اعتيادي، ومتحدث جيد ومهذب”.

المحادثة نحن نقوم باجرائها قبل وقت قصير في اللقاء في البيت الأبيض بين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي طرح فيها بالتأكيد اسم السعودية في اطار اتفاقات إبراهيم. حسب هاوس فان “جهات سعودية تقول ان ولي العهد سيخاطر اذا اعترف بإسرائيل في الوقت الذي فيه الشباب في دولته، مثلما في دول عربية أخرى، يشاهدون الصور في الشبكات الاجتماعية التي تعرض الموت والدمار في غزة”.

لكن ابن سلمان نفسه لا يقلق على مصير الغزيين. ففي المقال الذي نشر في السنة الماضية في مجلة “اتلانتيك” أوضح ولي العهد السعودي موقفه بشكل مباشر وواضح عندما قال: “هل تهمني بشكل شخصي القضية الفلسطينية؟ لا. ولكن هل تهم الناس لدي؟ نعم”.

يجب التذكر انه ولد في 1985. تقول هاوس: “بعد حرب الأيام الستة وحرب يوم الغفران، خلافا للجيل الأكبر منه فانه لم تنقش لديه ذكرى الخسارة لدى من كانوا شاهدين على انتصارات إسرائيل واحتلال الأراضي الفلسطينية”. حسب قولها ابن سلمان يريد اكثر بكثير من التطبيع المحدود أو التعاون الأمني. “هو يريد السلام الشامل”، هي على قناعة.

بالنسبة لليبراليين في إسرائيل فان الاتفاق مع السعودية لا يعتبر أمنية. جزء من ذلك ينبع من انه يتم الدفع به قدما من قبل ثلاثة زعماء غير ديمقراطيين، نتنياهو، ترامب وابن سلمان. ولكن جزء من ذلك ينبع من الحقيقة البسيطة وهي ان إسرائيل لا توجد في حالة نزاع مع السعودية ولا توجد لها حدود معها، وبشكل عام فان علاقات وثيقة اكثر من دولة صحراوية محافظة لا تشعل الخيال. يبدو ان قلائل يلاحظون ان السعودية تلعب دور رئيسي في قيادة العالم العربي، وان الامر يتعلق بدولة لها موارد ضخمة، وانها بالفعل بعيدة فقط 20 كم عن حدود ايلات. المدينة المستقبلية “نيئوم” التي تقام في السعودية في هذه الفترة تبعد 450 كم عن تل ابيب، وهي مسافة القطار السريع في الشرق يمكن ان يقطعها في ساعة. 

“ابن سلمان لديه حلم لإسرائيل والسعودية كقوتين كبيرتين في الشرق الأوسط، تعملان معا من اجل الحفاظ على الاستقرار وتحقيق الازدهار في المنطقة”، قالت هاوس. “صحيح ان الامر يتعلق بتحد غير سهل طالما ان الحرب في غزة مستمرة، لكن في اللحظة التي يستطيع فيها فان ابن سلمان سيجد طريقة لفعل ذلك. أيضا السعوديون انفسهم سيقولون انه لن يسمح للقضية الفلسطينية بالاضرار بمصالح السعودية التي تعتبر بالنسبة له فوق أي مصلحة أخرى”.

حسب اقوال هاوس فان ابن سلمان لا يهتم فقط بالانضمام لاتفاقات إبراهيم، بل إعادة تعريفها من جديد. “اتفاقات إبراهيم حسب رأيه هي مجموعة من الدول الصغيرة التي صنعت السلام مع إسرائيل، لكن عندما سينضم الى هذه الاتفاقات فهو لن يكون مجرد عجلة خامسة، هو سيقف في الواجهة، وهو الذي سيجعل كل العالم الإسلامي يعترف بإسرائيل”.

ما الذي يعنيه السلام الشامل

السلام مع السياح الذين ياتون ويذهبون بشكل روتيني مع قطار يربط بين الدولتين، تعاون تكنولوجي ورجال اعمال يعملون بشكل حر في الدولة. في نهاية المطاف معروف انه يوجد القليل من رجال الاعمال الإسرائيليين الذين يقومون الان بزيارة السعودية بين حين وآخر، حتى لو لم ينشروا ذلك علنا. ابن سلمان يريد حدوث ذلك اكثر. هو يعتبر إسرائيل وسيلة التي من خلالها سيقود الجيل الشاب في الدولة الى الأرض الموعودة – اقتصاد متطور حسب حلمه للسعودية في 2030.

عندما تتحدث هاوس عن ابن سلمان وكانه الزعيم العربي الذي سيربط كل العالم الإسلامي بإسرائيل فهي تقصد ما يصفه الدكتور شاؤول يناي، الخبير في شؤون الخليج الفارسي في منتدى التفكير الإقليمي، كـ “الرزمة الكاملة”. حسب قوله “عندما قال نتنياهو قبل زيارته الأخيرة في واشنطن بانه ينوي تحقيق سلام لم يحلم الإسرائيليون فيه، فقد قصد الرسائل التي أرسلتها السعودية الى إسرائيل بواسطة أمريكا ودول أخرى فيما يتعلق باتفاق التطبيع في اطار صفقة سعودية كبيرة. في اللحظة التي سقط فيها نظام الأسد والسعودية أصبحت من الدول الأولى التي تمول إعادة اعمار سوريا ولبنان، فانها عرضت على إسرائيل ليس فقط توسيع اتفاقات إبراهيم المقلصة، بل ما يمكن تسميته “صفقة القرن”، التي يمكن ان تشمل 8 دول إسلامية ستاتي في اعقابها”.

لكن اقوال يناي هذه تحولت الى معقدة اكثر بكثير بعد احداث 7 أكتوبر. “إسرائيل فككت بالفعل المحور الشيعي ورفعت عن الطاولة التهديد الأكبر بالنسبة للسعودية. لذلك فان السعوديين يقولون لانفسهم، وانا اقرأ ذلك في مقالات وتصريحات كثيرة لجهات سعودية رفيعة، بانهم لم يعودوا بحاجة الى إسرائيل مثلما كانوا بحاجة اليها في السابق. حسب رأيهم، الامريكيون بطريقة معينة سيعطونهم تحالف دفاع ويتوصلون معهم الى اتفاق فيما يتعلق بمشروع نووي مدني، وسيوفرون لهم منظومات سلاح متقدمة وسيوقعون معهم على حلف دفاع عسكري، لذلك فان إسرائيل بعد 7 أكتوبر أصبحت عبء اكثر مما هي ذخر”.

كل ذلك، حسب يناي، أدى في الأشهر الأخيرة الى تشديد الشروط السعودية تجاه إسرائيل. “الان بالنسبة للسعودية يمكن تحقيق التطبيع فقط بعد وقف القتال في غزة وانسحاب القوات من القطاع وتحريك عملية سياسية تؤدي الى إقامة الدولة الفلسطينية”.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى