ترجمات عبرية

هآرتس: مواجهة البيت الابيض: رسالة ان الولايات المتحدة تمر بتغيير استراتيجي عميق

هآرتس 2/3/2025، نتنئيل شلوموبيتس: مواجهة البيت الابيض: رسالة ان الولايات المتحدة تمر بتغيير استراتيجي عميق

دونالد ترامب لم يحاول إخفاء احتقاره لاوروبا. في ولايته الأولى قال إن الاتحاد الأوروبي “أسوأ من الصين”؛ وهدد بالانسحاب من الناتو اذا لم “يدفعوا اكثر ويتوقفوا عن استغلالنا”؛ حتى أنه قام باهانة معظم زعماء القارة الأوروبية بشكل شخصي في حضورهم. في اجتماع “جي 7″، مثلا القى بحلوى “التوفي” على المستشارة الألمانية انجيلا ميركل وقال بشكل متحد: “حتى لا تقولوا إننا لم نعطيكم أي شيء”. ترامب لم يتغير، بل هو في ولايته الثانية اصبح حر ومتحرر وبدون قيود.

الزعماء هم الذين يهتمون بأن تبقى كل مواجهة بينهم، مع أو بدون حلوى، وراء أبواب مغلقة. هذا لم يحدث في هذه المرة. الرئيس الأمريكي ظهر كمن بحث عن مواجهة علنية وببث مباشر. امام المراسلين والعدسات وكبار قادة أمريكا وأوكرانيا. ترامب وزيلنسكي لم يظهرا مسرورين منذ أن جلسا في المكتب البيضوي. المراسلون طرحوا الأسئلة وترامب أجاب بشكل مستعجل. بعد ذلك في المشهد الذي ظهر أنه مخطط جدا اندفع نائب الرئيس جي دي فانس وقال: “أنا يجب علي أن اجيب”.

عمليا، فانس لم يكن يجب عليه أن يجيب. ترامب جلس على جانب ووزير الخارجية ماركو روبين على الجانب الثاني وفي الوسط فانس الذي كان مستعد للكمين. “هل قلت لنا في أي يوم شكرا؟”، صرخ على الرئيس الاوكراني الذي جاء الى البيت الأبيض في محاولة يائسة لإنقاذ بلاده من غزو وحشي. “نحن نشكركم جدا”، قال زيلنسكي. وعندما سخن النقاش وزيلنسكي صمم على موقفه، ترامب انضم الى نائبه وصرخ على الاوكرنيين لأنهم لم يستسلموا للجيش الروسي بدون شروط. “أنتم لستم منتصرين”، قال ترامب. “بفضلنا توجد لكم طريق للانسحاب”. 

منذ سقوط الستار الحديدي وحتى الآن فان الشك تجاه الكرملن هو مركب رئيسي في الهوية الامريكية بشكل عام ولدى الجمهوريين بشكل خاص. الجناح الصقوري في الحركة المحافظة أدار الحزب الى أن اندفع ترامب الى مسرح التاريخ. في مثل هذه اللحظة يجدر فحص من جديد العنوان الذي كان على الحائط، والذي مؤيدو الرئيس قاموا برفضه باستخفاف.

التحول الاستراتيجي الذي يتشكل في الولايات المتحدة تجاه العالم لم يأت من أي مكان، بل هو يعكس الرغبة الحقيقية العميقة لترامب في التقرب من الزعماء الذين يعتبرهم أقوياء. وهؤلاء يتراوحون على المحور بين روسيا وهنغاريا. في حملته الأولى اعتبر مرشح مجنون بسبب تصفيقه لبوتين.

معظم المنتخبين الجمهوريين في الكونغرس خافوا عندما قاز في الانتخابات التمهيدية في 2016، وخوفهم فقط ازداد في ذلك الصيف. خطوته الأولى كمرشح رسمي كانت أن يزيل من حملة الحزب الجمهوري بند واحد وهو التعهد بالدفاع عن أوكرانيا وتوفير لها “سلاح دفاعي”. هذا كان بعد سنتين فقط من ضم روسيا لاجزاء في شرق أوكرانيا وشبه جزيرة القرم. منذ ذلك الحين مرت ثماني سنوات.

بعد أربعة اشهر على أدائه لليمين في أيار 2017 فاجأ ترامب الولايات المتحدة والعالم عندما قام بإقالة رئيس الـ “اف.بي.آي” جيمس كومي، الذي اعتبر بالذات من أضر بحملة كلينتون الرئاسية. خطأ كومي كان أنه فتح تحقيق لفحص علاقات ترامب المتشعبة مع روسيا، التي تشمل صفقات عقارية مشكوك فيها، حتى منذ الثمانينيات. هذه الإقالة اثارت في حينه ضجة في الحزبين في واشنطن بسبب المس بالمعايير، لكن كشف واشنطن لمنشور في فترة لاحقة اثار الاهتمام بما حدث بعد ذلك. بعد الإقالة ترامب تم توثيقه وهم يحتفل في البيت الأبيض مع وزير الخارجية الروسي سرجيه لافروف والسفير الروسي سرجيه كسلياك. صورتهم وهم يضحكون بسعادة كانت صعبة على الهضم في واشنطن، لكن في جهاز الامن خافوا اكثر من أن يكون ترامب قد كشف امام الشخصين الروسيين معلومات سرية جدا. المعلومات، التي اخفيت عن حلفاء الولايات المتحدة، وحتى في داخل الإدارة نفسها، كانت تتعلق بمؤامرة لداعش في سوريا، وقد وصلت الى الولايات المتحدة من “حليفة لها في الشرق الأوسط” في اطار اتفاق معلوماتي خاص، خوفا من كشف مصدرها.

اللحظة التي نقشت في الذاكرة اكثر من أي شيء آخر هي المؤتمر الصحفي المشترك بين بوتين وترامب في قمة هلسنكي في 2018. في الخلفية كان هناك الكثير من المنشورات عن نتائج تحقيقات المخابرات الامريكية التي بحسبها روسيا عملت على زرع الفوضى في الانتخابات الامريكية. عندما تم سؤال ترامب عن ذلك استعان ببوتين وليس برجال مخابراته: “الرئيس بوتين يقول إن روسيا لم تفعل ذلك. أنا لا أرى أي سبب كي أعتقد العكس”، قال ترامب وشرح ما الذي اقنعه في اقوال بوتين. “لقد كان قوي جدا وحازم في نفيه”.

في ولايته الأولى كان ترامب محاط بطبقة جدية من الجمهوريين من النوع القديم. أيضا الحاجة الى الترشح لولاية أخرى جعلته يفحص من جديد القيام بخطوات غير شعبية. ترامب عاد الى البيت الأبيض وهو محاط بمتملقين ومخلصين، بدون قدرة دستورية على الترشح لولاية ثالثة.

المكتب البيضوي عرف عدد لا يحصى من المواجهات الصاخبة، واحيانا بين رؤساء أمريكيين ورؤساء دول، لكن مسرحية علنية كهذه لم يكن مثلها حتى الآن. الرئيس الأمريكي قام باستدعاء رئيس دولة حليفة، في ذروة الحرب، ضد عدو مشترك، من اجل توبيخه أمام انظار العالم. ومثل آخر رجال المافيا ترامب طلب أن يسلمه نصف الثروات الطبيعية لاوكرانيا كرسوم حماية. كما يقال “كييف مدينة جميلة ومن المؤسف أن يحدث لها شيء. زيلنسكي سار مباشرة نحو هذا الشرك، لكن من غير الواضح اذا كان يوجد امامه خيار آخر. وقد تمكن من مغادرة واشنطن بدون التوقيع على أي وثيقة تعطي الولايات المتحدة الهدايا. 

التحالفات الديمقراطية التي بلورها ورعاها الرئيس السابق جو بايدن سرعان ما ظهر أنها تواصل الوجود حتى بدون الولايات المتحدة، مثلما أن المواجهة بين ترامب وزيلنسكي كان عرض اعلامي للجمهور اليميني، الذي استهدف الاثبات بأن ترامب يهتم بـ “أمريكا أولا” – وهكذا أيضا الردود في الغرب. واحد تلو الآخر، زعماء الدول غردوا تغريدات الدعم لاوكرانيا وزيلنسكي. عشرات زعماء الدول الديمقراطية، من بريطانيا وحتى كندا ونيوزيلندا، تجندوا للوقوف في الجانب الصحيح من التاريخ. عندما ترامب يقوم بالدبلوماسية في الغرف المفتوحة، فان أوروبا أيضا تفعل ذلك. زيلنسكي شارككل تغريدة كهذه مع شعار “شكرا على الدعم”.

حتى الآن من غير المؤكد أن الشعب الأمريكي الذي يعتبر نفسه زعيم العالم الديمقراطي، مسرور ليكون في المعسكر الروسي ضد أوروبا. ولكن صدمة النظام العالمي لا يجب أن تفاجيء أي أحد. هناك خط مباشر يصل بين التوبيخ العلني في المكتب البيضوي وبين كل خطوات الرئيس ترامب حتى الآن. فقط في هذا الأسبوع صوتت الولايات المتحدة في الأمم المتحدة ضد أوكرانيا، مع روسيا وكوريا الشمالية والصين وإسرائيل. ورغم أن ترامب يوفر فضائح بشكل يومي فمن المهم عدم نسيان المواجهة الحالية التي فيها قام الرئيس برمي حليفة ديمقراطية للكلاب. هذه انعطافة تاريخية في السياسة الخارجية الامريكية ووصمة عار لن تمحى.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى