حسين أبو الهيجاء: الإحلال و الإبدال، دور وظيفي (1)

حسين أبو الهيجاء 22-2-2025: الإحلال و الإبدال، دور وظيفي (1)
أحمد الشرع .. وأرض أنابيب الغاز
سوريا – Land Of Gas Pipelines
.. من المعلوم أن واردات أوروبا من الغاز الروسي يتجاوز 70 – 80 % من مجمل استهلاكها، ما يعني أن تشغيل مصانع أوروبا وتحريك عجلة الإنتاج، والمواصلات، والتدفئة، رهن الغاز الروسي، الذي يصلها عبر أنابيب الغاز الممتد عبر أوكرانيا، وخطيّ أنابيب نورد ستريم الشمالي والجنوبي..
وبعد الحصار الذي فرضته الادارة الامريكية على روسيا، وعلى رأسها (الطاقة الروسية)، وتفجير الخطين الشمالي والجنوبي، لم يعد أمام اوروبا سوى التحول إلى النفط والغاز الأمريكي بأسعاره المرتفعة، والذي يتم نقله عبر الشحن المنقول بصهاريج عائمة، الأمر الذي يضيف تكلفة إضافية على قيمته الشرائية، بعد أجور الشحن والتأمين..
وبعد أن فرضت أمريكا على اوكرانيا في أواخر عام 2024 إغلاق أنبوب الغاز الروسي العابر لأراضيها، بات الأمر أكثر سوءاً وتدميراً للاقتصاد الاوروبي، وباتت الولايات المتحدة تمسك برقبة أوروبا، وتفرض عليها الطاقة الأمريكية بأسعار باهظة، خاصة بعد رفض مجموعة أوبك رفع آنتاج الطاقة بهدف خفض الأسعار..
إذن، باتت الضرورة ضاغطة وملحة لإسقاط نظام بشار الأسد (الوكيل الروسي)، والذي كان قد وقّع أيضاً مع الصين ” التنين الاقتصادي المنافس للغرب ” إتفاقية شراكة إستراتيجية، خاصة بما يُعرف (بمشروع الحزام والطريق) يقضي بمرور طريق الحزام الصيني عبر الاراضي السورية. ومنها الى اوروبا.
لذلك، اقتضى قلب المعادلة، وتغيير خرائط النفوذ
* تحالف تركي اوروبي للإحلال و الإبدال ..
ولأن سورية تعتبر بحكم الموقع الجغرافي، أرض انابيب النفط والغاز، ولأن نظام الأسد لم يسمح بمرور أي انابيب عبر اراضي الدولة السورية وموانئها، باستثناء الغاز الروسي، وأخيراً طريق الحزام الصيني الأكثر رعباً للغرب ودولة الاحتلال، و لأن تركيا الصناعية والفقيرة للطاقة، تتزايد حاجتها للطاقة باضطراد ، كان لابد من إسقاط نظام بشار الأسد (الحليف الشرقي)، وإحلال نظاماً جديداً من صناعة الغرب وتحت الادارة التركية (هيئة تحرير الشام بقيادة ” الارهابي ابو محمد الجولاني ” سابقاً ، ورجل الدولة محمد الشرع حالياً)، ثم هندسة مصالح تلك الدول عبر إدارة الادارة السورية الجديدة !!
ومسألة إحلال (إدارة الجولاني) مكان نظام بشار الأسد، كانت مسألة سهلة وسريعة، ذلك لان الشعب السوري في غالبيته يرغب بالتغيير (التغيير الذي أصبح هدفاً بعينه بالنسبة للسوريين، بعد أن كان وسيلة)، وبالتالي، فإن الترحيب بالقادم الجديد سيكون نتيجة طبيعية لدى الشعب المظلوم، لأن الهدف هو رحيل النظام القمعي، دون الانتباه لأجندات وارتباطات القادم…!
* لا شيء بلا مقابل …
العنوان العريض للإحلال والإبدال، برعاية غربية عبر الوكيل التركي، وأداته (هيئة تحرير الشام / وكيل تركيا)، هو (إعادة رسم خرائط النفوذ)، في منطقة الشرق الاوسط، التي رسمتها سابقاً سايكس – بيكو عام 1917، ثم جاء مؤتمر سان ريمو ليرسم خرائط الحدود عام 1920، الذي حوّل الأمم إلى دول، والآن، ووفق خرائط برنارد لويس، سيتم تحويل الدول إلى أمم..
وبالتالي، فإن الهدف المرحلي من الإبدال والإحلال في سوريا هو:
– اخراج سوريا من عباءة الاتحاد الروسي ، و مشاريع التنين الصيني ، لصالح النفوذ الغربي.
– مَد أنابيب الغاز و النفط من دول الخليج عبر الأراضي السورية و التركية ، و صولاً إلى موانئهما في المياه الدافئة ، و منها إلى اوروبا
– إعادة هندسة التواجد الغربي في الأراضي السورية ، على أساس المصلحة!
* بلينكن و الديكتاتور.
قال وزير الخارجية الامريكي السابق ” أنطوني بلينكن ” بعد سيطرة مليشيات الجولاني على دمشق، في تصريح يحمل الكثير في باطنه: (شهدنا كثيراً فيما مضى، مجيء ديكتاتور مكان ديكتاتور، ولكن علينا الآن أن نسارع في التدخل المبكر مع الديكتاتور الجديد في سوريا).
وعلى الفور، بدأت الدول الاوروبية تتوافد باكراً إلى دمشق، وتُملي شروطها على الإدارة الجديدة، تحت عنوان: (مقابل ان نعترف بكم، ونمنحكم الشرعية، ونضمن لكم الاستقرار، مطلوب منكم تنفيذ …… ؟؟!)
وقال الرئيس الفرنسي: عليكم ان تُخرجوا الروس من بلادكم!
وقالت وزيرة الخارجية الالمانية: لن نقوم بتمويل أي كيان سياسي إسلامي..
وتبدوا الرسائل واضحة جداً في تلك التصريحات
وتوافدت الوفود إلى دمشق، لهندسة مصالحها مع الإدارة الجديدة، على الجغرافيا والمقدرات السورية..
بينما قامت أمريكا بوضع اليد على منابع الطاقة، وتركيا على منابع الماء والعمل على ضم أراضي الشمال السوري بصفقة مع الادارة الامريكية، قوامها (النفط السوري مقابل صمت أمريكا عن الوجود التركي في الشمال السوري، ورفع يد أمريكا عن جماعة قصد)
إضافة إلى ترتيب توقيع عقود إعادة الإعمار، ومد أنابيب الطاقة عبر سوريا وتركيا.
ولكن الأهم من كل ذلك، كان توغل الاحتلال الاسرائيلي، والسيطرة على جبل الشيخ والقنيطرة، وحوض اليرموك، والتقدم التدريجي باتجاه درعا..
فضلاً عن تقديم أكبر هدية إسرائيلية لإدارة الجولاني، تمثلت بإبادة القوات الإسرائيلية للجيش السوري، وتدمير أسلحته ومعداته القتالية بالكامل، بما يضمن تمكين حكم الجولاني، عن طريق إزالة أي محاولة انقلابية أو ثورة مضادة ضده!!
يضاف إلى ذلك مقايضة الدعم المالي الاوروبي للإدارة الجديدة المفلسة، على شاكلة موازنات رواتب، وهبات، واستثمارات، وترميم بنى تحتية، وإعادة الاعمار، وترميم الاقتصاد، وتوفير الطاقة والكهرباء (بعد إبعاد الدعم الايراني عن المشهد)، مقابل تنفيذ مطالب الغرب الاقتصادية والسياسية ((إعادة توزيع مناطق النفوذ))!
بينما دولة الاحتلال التي توسعت في الجنوب السوري ، و دمرت قواته المسلحة و أزاحت أي قوة قد تهدد إدارة الجولاني ، فهذا ثمنه سيكون باهظاً جداً ، خاصة بعد أن أقرّ كنيست الاحتلال ، بأن إحلال مليشيات إسلامية سُنية بإدارة تركية على حدودنا، مكان مليشيات شيعية بإدارة ايرانية ، يمثل خطراً اكبر على الدولة ، ما يعني التلويح بالسياسة الرمادية ( ضمان استقرار نظام الجولاني ، أو التوغل في سوريا بحجة محاربة الإرهاب الجولاني ) ، و على الجولاني أن يقرر ، ( بين التوغل الإسرائيلي لمحاربته بصفته مليشيا إرهابية تهدد أمن إسرائيل القومي ، او تمرير الإملاءات الإسرائيلية ) ..
من هنا تصبح المطالب الصهيوأمريكية من إدارة الجولاني واضحة جداً، وتتمثل في:
- الاعتراف بدولة إسرائيل
- الالتحاق باتفاقيات إبراهيم
- الاعتراف بضم الكيان للأراضي التي احتلها في الجنوب والغرب السوري
- ثم المطلب الأهم المتمثل بِ (استقبال وتوطين الفلسطينيين المُهجرين من الضفة الغربية، في سوريا، ومنحهم الجنسية السورية)، وحل كافة الفصائل الفلسطينية الموجودة في الداخل السوري!!
وقد استمع اغلبنا إلى تصريح الجولاني عندما قال:
– (لا مكان للمقاومة الفلسطينية في سوريا)! ، بما يعني رسالة تطمين للحليف الإسرائيل ، على تمرير المطالب.!
حيث أبلغ الفصائل الفلسطينية الموجودة في سوريا بضرورة حل نفسها وتسليم سلاحها، وأكد لهم انه مستقبلاً لن يكون هناك أي وجود لمعسكرات تدريب او مقرات او أي نشاط مسلح ضد إسرائيل من الاراضي السورية.
كما قال على الملأ: نحن غير قادرين على إخراج القوات الإسرائيلية من المناطق التي توغلت وشرعت باقامة قواعد لها فيها…
الأمر الذي يفضح الاتفاق والمخطط كاملاً، بين الجولاني والغرب!!