اسرائيل اليوم: شرق أوسط آخر

اسرائيل اليوم 9/12/2024، عوديد غرانوت: شرق أوسط آخر
ما كان يمكن لاي سيناريو خيالي أن يتوقع سقوط نظام الأسد في غضون بضعة أيام. ما لم ينجح الثوار في تحقيقه على مدى 13 سنة مع مئات الاف المواطنين القتلى وملايين اللاجئين نجحت ميليشيات إسلامية بقيادة مسؤول القاعدة السابق تحقيقه في خطوة مجنونة، في اقل من أسبوع، مع قليل جدا من الدم المسفوك.
من ناحية المفاجأة يوجد وجه شبه بين 7 أكتوبر إسرائيل و 7 ديسمبر الأسد. فقد استغلت حماس الشرخ والضعف الداخلي في إسرائيل كي تختار التوقيت للهجوم. واستغل الثوار في سوريا ضعف داعمي الأسد الأساسيين – ايران، حزب الله – بسبب المواجهة مع إسرائيل، ومع روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا كي يندفعوا الى الامام. وللاسد أيضا مثلما لإسرائيل كانت مؤشرات مسبقة. الرئيس التركي اردوغان – الذي اعطى “ضوء اخضر” لعملية الثوار، مول وساعد في اعداد، بعث اليه في السنة والنصف الأخيرتين رسائل لا تحصى في أن “هذا لن ينتهي بالخير”، اذا لم يتحدثا عن إقامة نظام جديد في المنطقة. اما الأسد فقد اعتقد بان الثوار “مردوعون” لم يرغب في السماح ورفض كل عرض للقاء.
في ساحات دمشق لعب امس الثوار كرة القدم بتمثال رأس حافظ الأسد، ابي بشار، مثلما تسلى العراقيون في حينه بتمثال رأس صدام حسين. سقوط نظام الأسد على اجياله بعد 53 سنة قمع وحشي وزج المعارضين في السجن، يذكر بسقوط صدام بعد 23 سنة حكم مركزي. في الحالتين أعاد اسقاط حاكم طاغية ينتمي الى الأقلية –الأسد ابن الطائفة العلوية، وصدام ابن الطائفة السُنية –الحكم عمليا الى ايدي الأغلبية في الدولة: السُنة في سوريا، الشيعة في العراق.
صحيح أن هذا لن يكون شرق أوسط جديد من هنا لاحقا، لكن بلا شك شرق أوسط آخر يختلف عما عرفناه. فالى جانب التطورات السلبية يوجد فيه على الأقل عنصران ايجابيان لإسرائيل: الأول، مجرد انهيار النظام في دمشق. لعل الأسد كان حاكما معروفا للاستخبارات الإسرائيلية، لكن كان هو أيضا من فتح بلاده لعبور السلاح والذخيرة الى حزب الله، بدخول ميليشيات مؤيدة لإيران الى نطاقه ولنفوذ متزايد من طهران.
الثاني، الأهم، هو تحطيم طوق النار الذي حاولت ايران ملفه حول رقبة إسرائيل. من مشهد الثوار الذين يصبون جام غضبهم بسفارة ايران في دمشق او يمزقون صور خامينئي يمكن أن نفهم بان سوريا لن تكون بعد اليوم مرجل عمل للايرانيين ولا أيضا أنبوب عبور حر للسلاح الى حزب الله المضروب.
بالمقابل، لا توجد أي بشرى طيبة لإسرائيل من استيلاء عناصر الإسلام المتطرف على الحكم في سوريا. زعيمهم أبو محمد الجولاني الذي أعلنته الولايات المتحدة إرهابيا دوليا، دعا مؤخرا بانه لم يعد معاديا للغرب لكنه لم يذكر إسرائيل بكلمة. مهما يكن من أمر فانه سيحتاج الى الكثير من الوقت كي يثبت حكمه في سوريا، يفقد سيطرته على الميلشيات الأخرى، يرضي اردوغان او يصطدم بالاكرادويقرر كيف سيترف مع العلويين، أبناء طائفة الأسد، الذين يرتعدون خوفا.
الواضح هو أن الإيرانيين، وليس الثوار السورين هم التهديد الأساس على إسرائيل في المدى الفوري. إحساس العزلة والهشاشة للنظام في طهران ازداد بلا قياس مع تآكل حزب الله، معقله المتقدم، وسقوط الأسد. المخرج الوحيد الذي من شأنهم ان يسارعوا اليه الان هو تطوير قنبلة نووية، وهذا يجب إيقافه منذ الان.