هآرتس: الجيش الإسرائيلي قدم للحكومة صور نصر ولكنها مشغولة بالهجوم في ايران
هآرتس 25/10/2024، عاموس هرئيل: الجيش الإسرائيلي قدم للحكومة صور نصر ولكنها مشغولة بالهجوم في ايران
سلسلة النجاحات العملياتية الأخيرة والتي سجلتها إسرائيل كان يمكن أن تمكنها من عرضها كسلسلة صور نصر، وتمهيد الأرض لاستراتيجية خروج من الحرب الإقليمية. المس الممنهج بحزب الله، قتل معظم قادة حزب الله وحماس وتدمير البنى التحتية العسكرية في جنوب لبنان، والاضرار العسكري بحماس في قطاع غزة – كل ذلك يعكس ترجيح الكفة لصالح إسرائيل بعد سنة واكثر على حرب قاسية وباهظة الثمن.
عمليا، يبدو أن العكس بالضبط هو الذي يحدث، إسرائيل تصمم على مواصلة الغرق في وحل غزة ولا تعمل حقا من اجل الدفع قدما بصفقة التبادل رغم التقديرات التي سمعت بعد موت زعيم حماس يحيى السنوار. في لبنان رغم أن الجيش يسعى الى انهاء العمليات إلا أن الحكومة لا تظهر أي إشارة على أنها تنوي تبني في القريب أي تسوية سياسية. عشية العيد قتل أربعة جنود من لواء المشاة في الاحتياط في مواجهة مع رجال حزب الله قرب الحدود، وأمس قتل جندي آخر. في صليات الصواريخ على الشمال أصيب مواطن بإصابة بالغة وصفارات الإنذار وصلت خلال العيد أيضا الى مركز البلاد. ونحن بعد لم نتحدث عن جولة اللكمات البالستية المتوقعة بين إسرائيل وايران في الأيام القريبة القادمة. الورطة تستمر بدرجة كبيرة بسبب حلف غير مقدس للمصالح التي بدايتها كانت في الخطأ الأول، وهو تشكيل الحكومة الحالية في كانون الأول 2022. التحقيقات ضد بنيامين نتنياهو بدأت في 2017.
بعد خمس سنوات من ذلك كان وضعه بائس الى درجة أن يراهن على شراكة اعطى فيها لرؤساء الحزبين من اليمين المتطرف، قوة يهودية والصهيونية الدينية، مكانة حاسمة في الائتلاف ومناصب رفيعة في الحكومة والكابنت. أيضا الأحزاب الحريدية عرفت أنه يمكنها الحصول منه على كل ما تريد.
مصير الـ 101 مخطوف، المحتجزين في ظروف فظيعة في انفاق غزة، موضوع على كفة الميزان، ولكن بالنسبة للائتلاف هناك أمور ملحة اكثر، كل واحد ومصالحه. نتنياهو وعائلته غارقون في الحاجة الى تعديل الفترينا في بيتهم في قيصاريا التي تضررت بسبب المسيرة التي اطلقها حزب الله. اليمين المتطرف يدفع قدما بإعادة الاستيطان في القطاع. الحريديون مهم بالنسبة لهم تمرير قانون الاعفاء من الخدمة – ومهم للجميع السيطرة على ميزانيات ضخمة على حساب احتياجات الجمهور الواسع. كل الاحتياجات الحزبية هذه تدفع الى اسفل سلم الأولويات الأمور الملحة حقا – انقاذ المخطوفين وإعادة سكان الشمال الى بيوتهم وترميم غلاف غزة وتخفيف العبء على الجنود في الخدمة النظامية وفي الاحتياط.
الائتلاف بكل مكوناته يرد على هذه الطلبات باستخفاف كبير. بعد المذبحة في 7 أكتوبر من السنة الماضية كان يبدو أن الأرض ستهتز، وأن كل ما اتفقنا بشكل ما على تحمله لا يمكن تحمله بعد الآن. لقد مرت سنة وبضعة أسابيع والحكومة عادت لتركز على شؤونها، البعض بالدفع قدما بالانقلاب النظامي، والبعض برحلات مشكوك فيها الى الخارج. عن لجنة تحقيق رسمية – الخطوة الوحيدة المطلوبة اذا تم اخذ في الحسبان حجم الكارثة – من المعروف أنه لا يوجد أي شيء نتحدث عنه.
بالنسبة لهيئة الأركان مشكوك فيه اذا كان يمكن التوصل الى موقف تفوق اكثر وضوحا في الحرب. ربما من هنا يمكن فقط أن نهبط. اللقطة االقريبة لجثة السنوار بين انقاض المنزل في رفح واللقطة البعيدة للرافعة التي تخرج جثة حسن نصر الله من بين انقاض المخبأ تحت الأرض في بيروت، قدمت صور رمزية للنصر. ولها أيضا معنى واهمية معينة. ولكن صور النصر الحقيقية، اذا تحققت، لن تتحقق إلا عندما يعود المخطوفون والجثث الى البيت، وعندما يتمكن سكان البلدات على الحدود الشمالية من العودة الى بيوتهم، وتتم إعادة اعمار حقيقية للبيوت في كيبوتسات بئيري ونير عوز وكفار عزة.
في الشمال وفي الجنوبى يجد رئيس الأركان هرتسي هليفي ووزير الدفاع يوآف غالنت انفسهما في موقف متدني في الخلاف مع نتنياهو. عندما يشير رئيس الحكومة بأنه ينوي الاستمرار حتى النهاية فما الذي يعنيه ذلك في الواقع؟ هل يقصد إعادة احتلال جنوب لبنان حتى نهر الليطاني؟ هل سيستمر في الضغط العسكري في القطاع الى حين موت آخر المخطوفين؟. مصر اقترحت في هذا الأسبوع حل وسط، فرصته لا تبدو كبيرة، بشأن اطلاق سراح عدد من المخطوفين مقابل وقف اطلاق النار لمدة أسبوعين. من بقوا في قيادة حماس في القطاع، الذين ما زالوا مقيدين بشرط المفاوضات التي املاها السنوار، لا يسارعون الى تبني هذا الاقتراح. في يوم الاحد سيتم في قطر استئناف المحادثات بعد توقف لمدة شهرين مع دول الوساطة حول صفقة التبادل. فرصة التقدم ما زالت ضئيلة.
في الطرف الإسرائيلي الصورة لا تختلف كثيرا عما هي في غزة، حيث أن الوزراء ايتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش أيضا غير مستعدين لاعادة أي سجين فلسطيني مقابل المخطوفين. بالنسبة لهما الحرب ستستمر مع الوعد العبثي بتحرير جميع المخطوفين بالقوة. بالفعل، بهذه الشروط أيضا نحو نصف المخطوفين الذين ما زالوا على قيد الحياة سيموتون في الانفاق وفي عمليات القصف الإسرائيلية، أو أن يقتلوا على يد آسريهم. وربما هذا هو القصد. هكذا بالتدريج، سيتم حل المشكلة من تلقاء نفسها دون أن يطلب من حكومة اليمين المتفاخرة تقديم أي تنازلات أخرى.
بدون وقف اطلاق النار وبدون تحرير المخطوفين مقابل السجناء لن تكون هناك أي تسوية دولية تحدد جوهر اليوم التالي في غزة. الشركاء المحتملون، الامارات والسعودية ومحمد دحلان ورجاله والسلطة الفلسطينية، لن يكونوا في غزة بدون اتفاق يدفع حماس الى الزاوية ويشمل اعتراف رمزي بحلم الدولتين. ولأن نتنياهو لا يريد أن يعطي أي موطيء قدم للسلطة أو حتى لمحمد دحلان، الذي يحظى برعاية دولة الامارات، هذا ليس السناريو المقلق بشكل خاص من ناحيته. الخسارة الوحيدة بالنسبة له تكمن في فقدان احتمالية عقد صفقة التطبيع مع السعودية، لكن يبدو أنه في الأصل يأمل فوز دونالد ترامب في الانتخابات الامريكية بعد أسبوع ونصف على أمل أن يستأنف المحادثات مع الرياض.
صفقة التبادل ستكون جزء من خطة النهاية، حتى لو بشكل مؤقت، للقتال في الجنوب، وستؤثر أيضا على تهدئة القتال في الشمال. ولكن رئيس الحكومة كالعادة هو شخص مجرور اكثر منه شخص مبادر. تنتظرنا حرب استنزاف طويلة فيها الجنود سيقتلون كل يوم في لبنان وفي قطاع غزة. أيضا على الجبهة الدولية سيحدث تدهور اذا هددت الدول الغربية إسرائيل بفرض عقوبات في مجلس الامن وفرضت اتفاق احادي الجانب الذي سيمنع إسرائيل من استخدام أي من الإنجازات العملياتية. شركاء نتنياهو في اليمين المتطرف توجد لهم خطط اكبر مثل طرد الفلسطينيين من شمال القطاع، إقامة مستوطنات في المنطقة التي سيتم اخلاءها، وربما بعد ذلك طرد المزيد من الفلسطينيين في جنوب القطاع. وكل ذلك لا يمكن تحقيقه بواسطة إعادة المخطوفين وانهاء الحرب.
في القطاع تحقيق أحلام اليمين المتطرف يمر في العملية الأخيرة للجيش الإسرائيلي في مخيم جباليا. ما يعرضه الجيش كجهد لاجتثاث البنى التحتية لحماس التي نمت في هذا المخيم من جديد، يشمل آخر جانب مظلم أكثر، دفع المدنيين نحو الخارج. الهدف النهائي، طبقا لـ “خطة الجنرالات” التي ينفي الجيش تبنيها، هو اخلاء السكان بالقوة نحو جنوب القطاع، الى خلف ممر نتساريم الذي احتله الجيش الإسرائيلي في بداية الحرب. حتى الآن السكان الفلسطينيين يرفضون التعاون مع هذه التهديدات.
نتنياهو، في لقائه في هذا الأسبوع مع وزير الخارجية الأمريكي، وعد الضيف بأنه لا توجد أي عملية كهذه. عمليا، بما عرض كأمر بالصدفة، شوشت إسرائيل خلال أيام طويلة ادخال أي مساعدات إنسانية الى المنطقة من اجل جعل السكان الفلسطينيين يخرجون. وفقط بضغط كبير من أمريكا تم استئناف ادخال المساعدات بشكل جزئي.
قبل 14 سنة حاولت مجموعة من المتطرفين في الجيش الإسرائيلي القاء على يوآف غالنت، الذي كان في حينه مرشح لرئاسة الأركان، ارتدادات الوثيقة المزورة في قضية هرباز، التي شلت القيادة العليا في جهاز الامن لبضع سنوات. الآن من اجل المفارقة فان بعض المشاركين في هذه القضية يدفعون في قيادة الجنوب خطوات لتطبيق خطة الجنرالات. الفوضى التي هم و”غيرهم” يمكن أن يجروا اليها الدولة والجيش ستكون اكثر خطورة بدرجة لا تقدر من هذه القضية التي نسيت. غالنت، الذي يتولى الآن منصب وزير الدفاع، يمكن أن يجد نفسه متورط بشكل اكبر في لاهاي بسببها. بالمناسبة، الإجراءات القانونية في المحاكم الدولية تقترب من إعادة التحريك، وربما حتى قبل الانتخابات للرئاسة في الولايات المتحدة.
مع نتنياهو في دور العراب فان الحرب في قطاع غزة تحصل على غطاء ايماني أكثر مما هو استراتيجي. الاحاديث عن النصر المطلق والحرب الخالدة، والآن تغيير حدود القطاع كعقاب للفلسطينيين على مذبحة 7 أكتوبر، ليست احاديث فارغة. يوجد هنا مضمون ديني – أيديولوجي عميق، يستند الى ابعاد زمنية مختلفة وعالم قيم بديل للمنظار الذي رأت إسرائيل الرسمية من خلاله الحروب السابقة.
هرتسي قال
الشهادة الأخيرة على الحروب الثقافية التي تجري على هامش المعارك العسكرية تم تقديمها عشية العيد، عندما احتج الجيش بشكل رسمي على فيلم دعاية للقناة 14، الذي استهزأ برئيس الأركان. هرتسي هليفي، في صالحه، يصمم على إزالة شعارات تحمل كتابات “مسيحانية” لطائفة حباد، حول الزي العسكري للجنود الذين التقى معهم في جولاته الميدانية. قناة بيبي التي تتفاخر بطرح نفسها بأنها قناة وطنية تجري منذ سنوات معركة لاضعاف الجيش. وهذه المعركة اشتدت بعد المذبحة في الغلاف واضيف اليها هدف هام جديد وهو القاء كل المسؤولية عن المذبحة على جهاز الامن (الذي ذنبه معروف) بهدف تطهير رئيس الحكومة من المسؤولية. هذه هي نفس القناة التي تقوم بتسويق، بلا توقف، لجمهور مشاهديها صورة نصر متخيلة، مع طمس غير مريح للحقائق حول الحرب، وحتى إخفاء الانباء السيئة عن موت الجنود.
تصميم رئيس الأركان هو حالة نادرة نسبيا، فيها هرتسي هليفي يستخدم صلاحياته مع مرؤوسيه في القطاع. عمليا، كما كتب هنا قبل بضعة اشهر، فان هيئة الأركان وقيادة المنطقة الجنوبية يجدون صعوبة في السيطرة على الانضباط العملياتي لدى الجنود. الحديث لا يدور عن حالة شاذة بل عن سياسة، التي في مرات كثيرة تنمو من اسفل – أوامر متساهلة في فتح النار وقتل المدنيين وتدمير البنى التحتية والبيوت، حتى في حالات لا تكون فيها حاجة الى ذلك. انشغال الجيش والشرطة المتردد في قضية التنكيل بالاسرى، وفي اعقاب ذلك اقتحام زعران اليمين المتطرف لقواعد الجيش الإسرائيلي، يعكس التدهور السريع لسلطة القانون والنظام على خلفية الحرب. في بعض الحالات ظهر وكأن الجيش حتى لا يدرك دوره الناشط في هذه الحيونة. بعد موت السنوار علق القادة في رفح لافتة قرب البيت الذي قتل فيه، موجهة لشعب إسرائيل وكتب فيها بأن “كل الجيش الإسرائيلي يتفاخر باعطائكم هدية في العيد رأس الفأر، السنوار”.
هذا السلوك الغريب لوسائل الاعلام المؤيدة لبيبي يندمج مع ظواهر أخرى تثبت لنا أنه بالتأكيد يمكن أن يكون لدينا الامرين: حرب أبدية وأيضا تآكل مستمر للديمقراطية. هذا ما حدث أيضا بعد محاولة اغتيال نتنياهو من قبل حزب الله بواسطة مسيرة ضربت نافذة غرفة نومه في بيته في قيصاريا. اقوال الوزيرة ميري ريغف في جلسة الكابنت وكأن المتظاهرين من كابلان “جاءوا لفعل ما لم ينجح حزب الله في فعله”. اقوال الوزيرة ليست صدفية. من المرجح أنها جاءت بتوقيت مسبق. عائلة نتنياهو ستحاول الحصول من هذه الحادثة ليس فقط على تعويضات مبالغ فيها وبسرعة، بل ستحصل أيضا على طبقة حماية أخرى لمنازلها الكثيرة، وعلى القيود التي سيفرضها الشباك والشرطة على المظاهرات قرب هذه المنازل. اكثر فأكثر إسرائيل تتصرف وكأنها جمهورية موز. لم يكن غائب أيضا مكان عامل آخر في نظام كهذا – عبء كبير على الاقتصاد، الذي سيكون له تأثير سلبي بعيد المدى على الوضع الاقتصادي.



