إسرائيل اليوم: جنين كمثال: التحدي الامني لا يزال كما كان

إسرائيل اليوم 8-7-2023، بقلم أيال زيسر: جنين كمثال: التحدي الامني لا يزال كما كان
في الأسبوع الماضي عاد الجيش الإسرائيلي إلى مخيم اللاجئين في جنين، بعد عقدين من سيطرته عليه في معركة دموية في أثناء حملة “السور الواقي” في نيسان 2002.
في المعركة إياها قتل 23 من مقاتلي الجيش الإسرائيلي، وأصيب 57 آخرون، بعضهم بجروح خطيرة. التخوف من المس بحياة مدنيين جبا ثمناً باهظاً من الجنود الذين قاتلوا في المخيم، لكنه لم يعفِ إسرائيل من النقد الحاد لحد الاتهام بمذبحة مزعومة ارتكبها الجيش الإسرائيلي بحق سكان مخيم اللاجئين.
عملية “السور الواقي” لم تؤد إلى القضاء على التنظيمات، لكنها غيرت قواعد اللعب في الصراع ضده، إذ بدت إسرائيل في أعقابها تعمل داخل المجال الذي تسيطر عليه السلطة الفلسطينية والتي امتنعت حتى ذلك الحين من الدخول إليه. وهكذا تحطم سور الحصانة الذي سمح للمنظمات بجعل المناطق دفيئة العنف، سببت عمليات انتحارية فتاكة في أراضي إسرائيل.
في حملة “بيت وحديقة” فقد الجيش الإسرائيلي مقاتلاً، هو العريف أول دافيد يهودا إسحق، لكن قواتنا خرجت من جنين بعد أن سجلت إنجازات عملياتية ستضعف خلايا التنظيمات العاملة في المنطقة وتصعّب عليها مواصلة تنفيذ العمليات. استخدام حذر ومدروس للقوات منع إصابات بين السكان المدنيين، الأمر الذي سمح للجيش بحرية عمل شبه مطلقة دون ضغط ونقد في الساحة الدولية.
حتى العالم العربي وقف جانباً ينظر لما يجري. وباستثناء تصريحات تنديد من الضفة وخارجها، بقيت علاقات إسرائيل والدول العربية مستقرة كما كانت.
لكن السؤال بالطبع هو: ما الذي سيحصل في اليوم التالي؟ فالعنف يرتدي شكلاً وينزع شكلاً آخر. العمليات الانتحارية التي كانت قبل “السور الواقي” حل محلها اليوم منفذون أفراد أو عمليات إطلاق نار، صعبا منعها أكثر. الحملة التي جرت الأسبوع الماضي (بيت وحديقة) ستؤدي على أي حال إلى هدوء محلي ومؤقت، إذ توجد فيها وفي النشاط الجاري للجيش في “المناطق” [الضفة الغربية] ما ينزع قدرات ووسائل عن المنفذين للعمليات، يصفي خلايا التنظيمات وأولئك الذين يقفون على رأسها ويوجهون عملها، لكن ليس فيها ما يجفف مستنقع العنف أو يضعف الدوافع للمس بها.
تلقينا تذكيراً أليماً على ذلك حتى في أثناء العملية، عندما نفذ منفذ فرد، عديم الانتماء التنظيمي، عملية دهس في “رمات هحيال” في قلب تل أبيب.
في المنطقة نفسها نشهد أفول السلطة الفلسطينية التي يصعب عليها إقامة الحوكمة في الضفة الغربية، تنازلت عن غزة منذ زمن، ويخيل أنها سلمت بوجود دولة حماس في القطاع.
إن انهيار السلطة سيستوجب من إسرائيل تعميق عملها وسيطرتها في الميدان. وهكذا نجد أنفسنا أمام دائرة جولات عنف وحملات عسكرية كل بضعة أسابيع، بالضبط مثل وضعنا أمام قطاع غزة.
الحملات العسكرية كأقراص تخفيف الآلام أو الضمادة – تخفض الحرارة ومستوى العنف لزمن ما، لكن ليس فيها ما يعالج جذرياً مشكلة جوهرها سياسي؛ أي ذلك الغموض الذي تبثه إسرائيل فيما يتعلق بمستقبل الضفة الغربية ومستقبل سكانها.
هذا الغموض يولد واقعاً متعذراً، تتحول فيه السلطة الفلسطينية لتصبح جثة سائرة عديمة التأثير الحقيقي على الوضع في الميدان بينما تختار إسرائيل الوقوف جانباً.
الحقيقة أن هذا الغموض خدم إسرائيل على مدى السنين، إذ سمح لها بتثبيت سيطرتها في المنطقة دون أن توقظ شياطين من سباتها داخل إسرائيل، في العالم العربي وفي الساحة الدولية. ولكن لعل اللحظة حانت للتفكير في منطق الحفاظ على هذا الغموض، إذ إن حكومة إسرائيل الحالية لا تخفي نيتها للعمل على انهيار السلطة الفلسطينية وضم المنطقة لدولة إسرائيل.
يبدو أن العالم بات يسلم بحقيقة أن زمن حل الدولتين قد انقضى، وأن إسرائيل هي التي ستحكم المنطقة. ربما يقبل الفلسطينيون الذين يعيشون في هذه المنطقة وضعاً كهذا حتى وإن لم يكن بحماسة. ربما يكمن هدوء المنطقة باتخاذ قرار واضح في إسرائيل بالنسبة لمستقبل المنطقة وليس بحملة عسكرية أخرى مهما كانت ناجحة.