هآرتس: إسرائيل بحاجة إلى إستراتيجية أمنية

هآرتس 2023-07-05، بقلم: إسحق بريك: إسرائيل بحاجة إلى إستراتيجية أمنية
على خلفية الأحداث في جنين يمكن الفهم بأن الفلسطينيين يحسنون تفهمنا، ويستخلصون الدروس ويتطورون.
برز هذا أيضاً في عملية الاعتقالات التي نفذها مستعربو حرس الحدود ودورية المظليين في جنين قبل نحو أسبوعين، والتي تكبدنا فيها 7 مصابين وأصيبت سيارات عسكرية بعبوات جانبية، وقد أطلق أكثر من 100 فلسطيني النار من كل الاتجاهات ثماني ساعات إلى أن خرجت قواتنا من المهمة بشق الأنفس.
في وسائل الإعلام يجري نقاش حول كيفية الرد على العمليات “الإرهابية” الآخذة في الازدياد في “يهودا” و”السامرة”، وهناك عملية انطلقت حقاً. ولكن الحديث يدور عن استمرار النشاطات الجراحية التي اتخذها الجيش الإسرائيلي و”الشاباك” حتى الآن بنجاح كبير مع إضافة تغييرات معينة.
أيضاً في تقدير الوضع من قبل المستوى السياسي والأمني يركزون في الأساس على مسألة أي سياسة يجب فرضها في “يهودا” و”السامرة” بذريعة تعاظم “الإرهاب”.
في العشرين سنة الأخيرة لم ينشغل المستوى السياسي والأمني بسياسة إستراتيجية، أي إعداد الجيش والجبهة الداخلية لحرب إقليمية يمكن أن تندلع بسبب موجة تفجير تبدأ في “يهودا” و”السامرة” أو في أي ساحة أخرى.
هذه الموجة ستجر تدخل “حماس” و”الجهاد الإسلامي” في غزة وعرب وبدو “متطرفين” في دولة إسرائيل و”حزب الله” في لبنان والمليشيات الشيعية المؤيدة لإيران في اليمن والعراق وسورية والجيش السوري الذي سيتعزز في السنوات القادمة.
نحن مواطني الدولة سنجد أنفسنا في حرب إقليمية غير مستعدين لها بسبب عدم وجود سياسة إستراتيجية شاملة للحكومة.
يجب ألا تتناول سياسة الحكومة فقط مناطق “يهودا” و”السامرة”، بل يجب وضع سياسة إستراتيجية شاملة لجميع الساحات التي ستنضم إلى الحرب الإقليمية في المستقبل المنظور أو البعيد.
هدف هذه السياسة هو جعل الجيش والجبهة الداخلية في حالة استعداد للحرب الإقليمية القادمة مع إلزام المستوى الأمني بشكل متواصل بنقل المسؤولية من رئيس أركان إلى آخر ومن وزير دفاع إلى آخر.
يجب أن تحدد الاتجاه الذي نذهب إليه في مجال الأمن الوطني والشخصي، وشمل عناصر كثيرة. هاكم بعضها:
1- يجب تحديث الرؤية الأمنية لدولة إسرائيل التي لم يتم تحديثها منذ عهد بن غوريون. تحدث بن غوريون عن نقل الحرب إلى منطقة العدو والحفاظ على الهدوء في الجبهة بقدر الإمكان. ستحدث الحرب الإقليمية القادمة في الأساس في الجبهة الداخلية. فيها سيتم إطلاق آلاف الصواريخ والقذائف والمسيرات في كل يوم، والتي ستسبب الدمار لمئات المواقع. وحتى لو قمنا بنقل القوات إلى منطقة العدو فإن صواريخه ستستمر في الانفجار في الجبهة الداخلية في إسرائيل. ولأن سياسة الأمن لن تتغير فنحن لم نعدّ هذه الجبهة الداخلية للحرب.
2- سيناريو الحرب الإقليمية القادمة، أي التهديد المعقول، سيحدث في خمس ساحات في الوقت ذاته، وهي: لبنان وسورية وقطاع غزة وانتفاضة في “يهودا” و”السامرة” وأعمال “شغب” شديدة يقوم بها “المتطرفون” داخل دولة إسرائيل.
حسب هذا السيناريو يجب تحديد حجم الجيش وتركيبته والعلاقة بين أذرع الجيش والوسائل القتالية المطلوبة ومستوى التكنولوجيا فيها وحجم القوة البشرية في الجيش النظامي وفي الخدمة الدائمة ونوعيتها.
في ظل غياب سياسة للحكومة فإن كل هذه المواضيع لم تفحص، والجيش والجبهة الداخلية لم يتم إعدادهما لمواجهة التهديد الذي يقف أمامنا.
3- يجب الحفاظ على سلاح الجو كذراع إستراتيجية بدعم سلاح الصواريخ والليزر القوي، وبدمج سلاح البر، فالمطلوب تغيير ساحة الحرب إلى حرب بالصواريخ والمسيرات. سلاح الجو وحده لا يمكنه الانتصار في الحرب.
4- يجب تحديد حجم القوات على اليابسة ونوعيتها في الجيش النظامي وفي الاحتياط حسب سيناريو النسبية (حجم التهديد)، وتجنب بيع الدبابات للدول الأوروبية.
العكس هو الصحيح، يجب زيادة حجم قوات البر طبقاً للحاجة بعد التقليص الكبير وغير المسؤول في السنوات الأخيرة.
5- بسبب غياب السياسة لم يتم إجراء أي تدريبات واضحة في الجيش على حرب مشتركة يشارك فيها سلاح الجو وسلاح البر. تآكل هذا الموضوع بالكامل، وتقريباً لا توجد أي مناورات وتدريبات على سيناريو النسبية هذا. دون تعاون بين كل الأسلحة فلن يكون بالإمكان الدفاع عن الدولة أو حتى الانتصار في الحرب.
6- بسبب أن الجبهة الداخلية ستكون مركز الحرب الإقليمية القادمة، خلافاً لما عرفناه في كل حروب إسرائيل السابقة باستثناء “حرب التحرير”، فإن قيادة الجبهة الداخلية وحدها غير قادرة على إعداد السلطات المحلية للحرب، وأن تدير فيها الجبهة الداخلية المدنية.
يجب على الحكومة وضع سياسة واتخاذ قرارات بشأن مبنى تنظيمي آخر يشمل قيادة الجبهة الداخلية.
ستتخذ قيادة الجبهة الداخلية خطوات لإنقاذ الحياة، وتقليص الخسائر في الأرواح والبنى التحتية، والحفاظ على الشوارع مفتوحة، ومساعدة الجهات ذات العلاقة مثل الإطفائية والشرطة. أيضاً يجب اتخاذ قرار حول خضوع كل هذه العناصر لوزارة مدنية.
7- بسبب غياب سياسة للحكومة فلن يتم إنشاء حرس مدني يشمل عشرات آلاف المتطوعين الذين سيأتون من بين الـ 200 ألف جندي وقائد وضابط وشاويش تسرحوا من الاحتياط بسبب تقليص وحداتهم، وهم لن يتم تجنيدهم للحرب القادمة.
الحرس الوطني (على صيغة الولايات المتحدة) سيعطي رداً حقيقياً للمستوطنات والمدن في الحرب الإقليمية القادمة، في حالة حدوث “أعمال شغب” من قبل عشرات آلاف العرب والبدو “المتطرفين”.
ما يسمى حرساً وطنياً، يحاول الوزير إيتمار بن غفير تشكيله حتى الآن دون نجاح زائد، هو في الحقيقة ليس حرساً وطنياً، بل تجنيد قوة لمساعدة الشرطة.
القصد هو تجنيد 3 آلاف شرطي و7 آلاف جندي من حرس الحدود، ستكون مهمتهم الأساسية هي مساعدة الشرطة في الوضع العادي في تقليص عمليات القتل في الوسط العربي وجباية الخاوة وتقليل السرقة وعمليات إشعال النار.
الحرس الوطني في المقابل هو جسم شبه عسكري، مهمته إعطاء رد على الأحداث الداخلية في حالة الطوارئ في ارجاء الدولة.
8- يجب توزيع السلاح على سكان البلدات القريبة من الحدود الشمالية وإعدادهم للدفاع عن بلداتهم من خلال الإدراك بأن الجيش لن يفعل ذلك بدلاً منهم في الحرب الإقليمية القادمة.
في النهاية حان الوقت لأن تتوقف الحكومة عن الانشغال فقط بإشعال الحرائق في المنطقة التي تحدث فيها عمليات “إرهابية”، بل أن تبادر إلى سياسة شاملة متعددة السنين، تنطلق من الافتراض بأن الانفجار في قطاع واحد يمكن أن يؤدي إلى موجة انفجارات في قطاعات أخرى وإلى إشعال حرب إقليمية.
أؤمن بأنه توجد لدينا مجموعة نوعية، وزير الدفاع، ورئيس الأركان، والمدير العام في وزارة الدفاع، ونائب رئيس الأركان، الذين يمكنهم إخراج العربة من الوحل.
مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook