#أقلام وأراء

د. يوسف يونس: هدنة طويلة الامد أو الاستعداد للجولة القادمة: غزة على مفترق طرق

د. يوسف يونس 13-6-2023: هدنة طويلة الامد أو الاستعداد للجولة القادمة: غزة على مفترق طرق

الخلاصة:

  • بدأت اسرائيل العملية العسكرية في قطاع غزة وهي تضع اهدافا تكتيكية، نجحت في تحقيقها، الا انها وعلى المستوى الاستراتيجي، يبدو ان هدف تغيير الوضع في قطاع غزة، لازال غير مطروحا على أولويات اسرائيل، ولذلك اعتبرت بعض التقديرات ان الإنجاز الذي حققته العملية العسكرية كان متواضعاً، فالعملية لن تضع حداً لنشاطات الجهاد الإسلامي، وستتواصل جولات الصراع، وهو الامر الذي يفرض على اسرائيل التفكير في استراتيجية مغايرة. 
  • عدم إدخال حماس إلى جولة القتال سواء على المستوى التكتيكي او الاستراتيجي؛ استهدف تجزئة كتلة المقاومة في قطاع غزة، من خلال الفصل بين حماس والجهاد، وهو ما يعني في “المستوى التكتيكي” تحييد حركة حماس عن المواجهة، وعلى “المستوى الاستراتيجي” يتم ترحيل مجموعة من المواضيع الاشكالية التي تتعلق بمستقبل الصراع والعلاقة بين التنظيمات الفلسطينية، ورؤيتها نحو ادارة الصراع، الى الجانب الفلسطيني في المستقبل، وهو الامر الذي سيؤدي الى احداث “خلخلة” في الموقف الفلسطيني الموحد على الرغم من الحديث اعلاميا عن وحدة الموقف ووحدة الساحات التي تتحدث عنها التنظيمات الفلسطينية. ووفق التقديرات فإن تحييد حركة حماس عن المعركة سيكون له انعكاسات مستقبلية خطيرة على مستوى اضعاف الحركة التي ستكون في حالة مقايضة من قبل الاحتلال على الكثير من المواضيع.
  • تدفع المخططات الاسرائيلية باتجاه ضرورة ترتيب الاوضاع في الساحة الفلسطينية استباقا لصراعات محتملة على السلطة في مرحلة ما بعد الرئيس عباس، ومن الواضح ان اسرائيل ستستخدم ورقة الانقسام الفلسطيني لاضعاف موقف السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية ، وتحييد حركة حماس في قطاع غزة ، مقابل تهدئة طويلة او مؤقتة، وذلك بما يسمح بتمرير تصورات اليمين الاسرائيلي لفرض شكلا من اشكال الادارة الذاتية، بعيدا عن الجسم والكيان السياسي الذي تمثله السلطة الفلسطينية، التي سيعملون بكل قوتهم على ازاحتها من المشهد السياسي في المستقبل القريب.
  • تتمسك اسرائيل بخيار “ادارة النزاع” في قطاع غزة، والذي اصبح يتعرض لانتقادات الخبراء، والذين يطالبون بضرورة اعادة تقييم تلك السياسات، خاصة وان الجولات الثلاث الاخيرة كانت بمثابة عمليات ردع بلا هدف سياسي، ولم تغير الوضع الأمني الاستراتيجي في قطاع غزة، ما يجعل تأثير العمليات قصير المدى، ويجعل إسرائيل تواجه صعوبة في ترجمة النجاح العسكري إلى إنجاز سياسي، باستثناء “الهدوء مقابل الهدوء” بصورة مؤقتة و”مخادعة”، وسيظل الوضع في قطاع غزة قابل للاشتعال في ضوء تطورات الاوضاع في القدس والضفة الغربية، ولذلك تدفع اوساط اسرائيلية باتجاه تنفيذ عملية عسكرية واسعة أكثر تعقيدًا، للقضاء على القدرات العسكرية للتنظيمات الفلسطينية في قطاع غزة، وهو ما يفرض اعادة احتلال قطاع غزة بعملية عسكرية واسعة تكلفتها باهظة على الصعيد العسكري والاقتصادي، وهو الامر الذي تواجهه العديد من التعقيدات، ما يجعل هذا الخيار يبدو مستبعدا في المرحلة الحالية على الاقل.
  • لم يعد مرغوباً استمرار المواجهات العسكرية في قطاع غزة، وفي ضوء الصعوبات التي يواجها خيار العملية العسكرية الشاملة، والحديث عن العديد من الجولات القادمة، ولذلك فقد بدأت اوساط اسرائيلية تطرح خيارا اخر يتعلق بإمكانية التوصل إلى حل مع “حماس”، لا يُعدّ اتفاق سلام، لكنه نوع من أنواع وقف إطلاق النار، يتم بموجبه تنمية قطاع غزة اقتصادياً بدعم من الدول العربية والمجتمع الدولي، مع الكثير من الاستثمارات والحوافز. وترى تلك الاوساط بامكانية ربط هذا الخيار باستدعاء تدخلاً دولياً ومرابطة قوات دولية على حدود غزة وترسيم حدود غزة مع اسرائيل تمهيداً لإعلان دولة الفلسطينيين في إطار حل الدولتين الذي يطالب به المجتمع الدولي وبهذا يصل مخطط الانقسام وصناعة دولة غزة إلى مرحلته النهائية. خصوصا وان اسرائيل لازالت تتمسك بالخط الاستراتيجي العام المتمثل في الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة ما يؤدي الى انهاء حل الدولتين بصورة نهائية ويمهد الطريق امام امكانية اقامة الدولة الفلسطينية في قطاع غزة وترسيخ حل الادارات المدنية في الضفة الغربية.
  • ممارسات قوات الاحتلال في الضفة الغربية، تطرح تساؤلات حول امكانية أن ترضى التنظيمات في قطاع غزة بهدنة مؤقتة طويلة الأمد، في ظل ممارسات حكومة إسرائيلية تتبنى خطة حسم الصراع مع الفلسطينيين، وما يعنيه ذلك من استيطان وتهويد أكبر، واغتيالات، وهدم منازل، واعتقالات، وضم مناطق (ج)، ومن المؤكد ان الاحتلال لن يسمح للمقاومة في غزة أن تدعم المقاومة في الضفة، وتتمتع بمزايا الهدنة طويلة الأمد. ولذلك يخشى أن تؤدي الهدنة طويلة الامد الى ترسيم حدود بين غزة وإسرائيل وبالتالي إخراج قطاع غزة من ساحة العمل الوطني، خاصة وانها لن تكون في إطار استراتيجية وطنية شمولية ولن تشمل الضفة وغزة، وتضمن التزام فصائل المقاومة بالهدنة دون التزام اسرائيل بوقف الاستيطان في الضفة والقدس ووقف الاعتداءات على المسجد الأقصى مع وجود أفق لحل سياسي عادل، وعدم ضمان قيام دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة في قطاع غزة، ولكن الأمر يتعلق فقط بسلطة ناقصة السيادة ومحاصرة تحكمها حركة حماس، أما أن يصل الأمر لدولة أو دويلة ذات سيادة تتحكم في البحر والجو وفي المعابر فهذا ما لن تقدمه إسرائيل لحماس أو لغيرها إلا بأثمان ستكون أكبر وأخطر مما تم تقديمه حتى الآن وسيؤخذ الثمن من القدس والأقصى والضفة.
  • ما يجري في قطاع غزة مخطط يخدم مصلحة إسرائيل يريد اختزال فلسطين بغزة وإنهاء الحالة الوطنية النضالية في الضفة الغربية وغزة، ويخشى أن تؤدي الهدنة طويلة الامد الى ترسيم حدود بين غزة وإسرائيل وبالتالي إخراج قطاع غزة من ساحة العمل الوطني، خاصة وانها لن تكون في إطار استراتيجية وطنية شمولية ولن تشمل الضفة وغزة، وتضمن التزام فصائل المقاومة بالهدنة دون التزام اسرائيل بوقف الاستيطان في الضفة والقدس ووقف الاعتداءات على المسجد الأقصى مع وجود أفق لحل سياسي عادل، وعدم ضمان قيام دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة في قطاع غزة، ولكن الأمر يتعلق فقط بسلطة ناقصة السيادة ومحاصرة تحكمها حركة حماس، أما أن يصل الأمر لدولة أو دويلة ذات سيادة تتحكم في البحر والجو وفي المعابر فهذا ما لن تقدمه إسرائيل لحماس أو لغيرها إلا بأثمان ستكون أكبر وأخطر مما تم تقديمه حتى الآن وسيؤخذ الثمن من القدس والأقصى والضفة.
  • خلاصة الامر، يبدو ان الجانب الاسرائيلي يسعى في صراعه مع الشعب الفلسطيني، الى استغلال بيئة الانقسام التي تغلغلت بصورة اكثر عمقا واكثر خطورة في المشهد الفلسطيني، وانعكست في حالة الفوضى في القرارات والاستراتيجيات التي باتت غائبة عن الكثيرين من قيادات الشعب الفلسطيني، وستعمل اسرائيل على تعزيز هذا الانقسام، في داخل قطاع غزة، وتحديدا داخل التنظيمات الفلسطينية، وخصوصاً حركتي حماس والجهاد الاسلامي، اعتمادا على تكتيك السماح بمراكمة القوة في قطاع غزة، دون السماح باستخدامها، لالتزام التنظيمات بالتهدئة طويلة الامد، التي يجري التفاوض بشأنها، وهو ما سيؤدي الى تآكل عناصر القوة واحتمالات انفجارها ذاتياً. ما يساعده الاحتلال على تمرير مخططاته في الضفة الغربية، في مرحلة ما بعد الرئيس عباس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى