أقلام وأراء

علي حمادة: عام على حرب أوكرانيا: روسيا لم تربح ولم تخسر أوكرانيا لم تخسر ولم تربح

علي حمادة 20-2-2023: عام على حرب أوكرانيا: روسيا لم تربح ولم تخسر أوكرانيا لم تخسر ولم تربح

 بضعة أيام وينقضي العام الأول على الحرب التي شنتها روسيا على أوكرانيا صبيحة 24 شباط (فبراير) 2022. ومع مرور 12 شهراً على حرب سقط فيها مئات آلاف القتلى والجرحى وتسببت بنزوح ملايين المدنيين الأوكرانيين من مدنهم وقراهم الى مناطق أكثر أماناً في الداخل وخارج الحدود، فضلاً عن الخسائر الفادحة التي أصابت البنى التحتية للبلاد وأدت الى تدمير مئات البلدات ومدن بأكملها، فإنه لا يبدو  لغاية اليوم أن ثمة بوادر جدية لقرب انتهاء الصراع بين روسيا وأوكرانيا، ومن خلفها الغرب عموماً الذي يدعم كييف في حربها الدفاعية معتبراً أن انتصار روسيا في هذه الحرب سيمثل ضربة قاصمة توجه الى النظامين العالمي والأوروبي اللذين تم تثبيتهما، الأول عام 1945 غداة الحرب العالمية الثانية مع هزيمة ألمانيا النازية، والثاني عام 1989 غداة انهيار الاتحاد السوفياتي.
هذه الحرب وبعيداً عن الدخول في لعبة البروباغندا المتبادلة تقررت في موسكو من اجل “غسل كرامة” روسيا التي يرى العديد من المراقبين انها تعرضت اثر انهيار الاتحاد السوفياتي لاهانات متكررة من الغرب الذي تجاهل الحس الوطني والكبرياء الوطني الروسي الموروث عن تاريخها الامبراطوري القيصري، والإمبراطوري السوفياتي حيث كانت روسيا وريثة الإمبراطوريتين تعتبر أنها حتى بعد انهيار الاتحاد السوفياتي يجب أن تعامل كقوة عظمى، أقله لامتلاكها قدرات عسكرية هائلة، أولها الترسانة النووية التي يعتبر خبراء عسكريون أنها الاقوى في العالم. لكن بغض النظر عن ترتيب القوة النووية فإن موسكو بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ظلت قوة نووية عظمى قادرة على محو العالم بدقائق معدودة. لكنها في المقابل لم تردف هذه القوة الفائقة بتنمية اقتصادية وتكنولوجية موازية بحيث وصفت روسيا على مدى العقود التي تلت محطة 1989 بأنها مارد نووي وقزم اقتصادي بالكاد يعادل حجم اقتصادها حجم اقتصاد قوة اقتصادية أوروبية متوسطة مثل اسبانيا. 
ثمة مواقف في محطات مفصلية سيعتبر المؤرخون حين يحين وقت كتابة تاريخ حرب أوكرانيا انها مهدت للحرب. بين المواقف التي اتخذها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كانت الأول عام 2008، حين اعتبر أن بعض التصريحات الأوروبية والشمال أطلسية التي دعت الى قبول عضوية جورجيا، الجمهورية السوفياتية السابقة في حلف شمال الأطلسي بمثابة اعلان حرب على روسيا، فقام بدفع قوى انفصالية في جورجيا الى اعلان العصيان المسلح بما مهد لتدخله واجتياح جورجيا لايقاف هذا التوجه لتوسع حلف “الناتو” ومن خلفه الاتحاد الأوروبي الى حدود روسيا من جهة القوقاز.
وعام 2014 حصلت ثورة في أوكرانيا ضد الرئيس فيكتور يانوكوفيتش والحكومة التي كانت تدين بالولاء لروسيا وجرى إسقاطهما لصالح توجه أوكراني دعا الى انضمام أوكرانيا الى الاتحاد الأوروبي، فأشعلت موسكو حالة انفصالية في شرق البلاد في مناطق يغلب فيها المتحدثون بالروسية فواجهتها القوات النظامية الأوكرانية مما أفسح في المجال أمام بوتين للتدخل ودعم الانفصاليين ومدهم بالرجال والسلاح تحت تحت غطاء الميليشيات الانفصالية في منطقة الدونباس. سيطر الانفصاليون بدعم من موسكو على ما يوازي 17000 كلم مربع من الأراضي في الدونباس إضافة الى شبه جزيرة القرم التي احتلتها موسكو مباشرة ثم ضمتها زاعمة انها أرض روسية تاريخية. وعلى الأثر اشتعلت حرب استنزاف طويلة لمدة ثمانية أعوام متتالية. يومها اعتبر العديد من المراقبين الدوليين ان ثورة “يوروميدان” التي أقصت الحكم المقرب من موسكو في كييف هي التي دفعت الرئيس بوتين الى اتخاذ  قرار بخلق حالة انفصالية في شرقي البلاد واحتلال شبه جزيرة القرم في خطوة هدفت الى ايقاف تمدد الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي نحو المدى الحيوي لروسيا لجهة الشرق. 
قبل حوالي ستة أشهر من حرب 2022، نشر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مقالاً على موقع الكرملين الالكتروني في تموز (يوليو) 2021 جاء على شكل أطروحة تاريخية حاول فيها ان يقدم نظرية وحدة الشعبين الروسي والاوكراني على قاعدة أن أوكرانيا هي جزء من الأرض التاريخية لروسيا بما يعنى ان زعيم الكرملين قدم مبرراته العقائدية لفرض ضم أوكرانيا الى روسيا التاريخية وفق رؤيته. وقد قدر العديد من الخبراء في السياسة الروسية أن هذا النص المطول الذي وقعه بوتين ولا يزال منشوراً على موقع الكرملين شكل المقدمة المعلنة للحرب التي كان يعد لها لمطلع العام التالي. 
ومما يعزز وجهة النظر القائلة إن الرئيس الروسي هو من اتخذ قرار الحرب بناء على قراءته للتاريخ، ولمكانة روسيا كما يراها قول بوتين عام 2008 إن انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1989 كان اكبر كارثة جيوسياسية في العصر الحديث. يعد هذا القول لبوتين المهجوس بإعادة كتابة التاريخ وفق رؤية  روسية خاصة بأنه أساس كل ما تبعه من تخطيط وجهد لزعيم الكرملين في سبيل إعادة مجد الامبراطوريتين القيصرية والسوفياتية. 
لقد شكلت حرب أوكرانيا زلزالاً جيوسياسياً كبيراً في أوروبا والعالم. الحرب لم تنته بعد، وثمة من يعتبر أنها ستطول لأن الطرفين روسيا وأوكرانيا ومن خلفها الغرب، يعتبران أن خسارتها ليست خياراً. إنها، إضافة الى جانبها العسكري، حرب متعددة الأوجه، بينها وجه محاولة إعادة كتابة التاريخ، ووجه المحافظة على نظام عالمي وأوروبي كتبه منتصرو  الحرب على النازية وفي ما بعد على الاتحاد السوفياتي. لكن يمكن القول إن الحرب الدائرة حتى الآن لم تربحها روسيا ولم تخسرها أوكرانيا. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى