أقلام وأراء

مهند عبد الحميد: هل جدد القرضاوي فكر الإخوان المسلمين؟

مهند عبد الحميد 2022-10-04

الشيخ يوسف القرضاوي أشهر من النار على علم وهو مفكر ومنظر إسلامي وزعيم روحي للإخوان المسلمين، وأحد أهم المؤسسين للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين. ويعتبر من أهم  المنتجين والمروجين للفكر الإسلامي الإخواني والمواقف السياسية المرتبطة به منذ تسعينيات القرن الماضي وحتى السنوات الأخيرة من حياته، وقد ترك بصماته في نشر وتعزيز نفوذ ثقافة الإسلام السياسي وسط ملايين الناس، وذلك من خلال برنامج «الشريعة والحياة» في فضائية الجزيرة، وموقع «إسلام أون لاين»، وخطب الجمعة من المسجد القطري ومحاضراته في كلية الدراسات الإسلامية في جامعة حمد بن خليفة، فضلا عن مؤلفاته التي ناهزت 80 كتابا ودراسة.

هل ترك رحيل الشيخ القرضاوي يوم 27 أيلول الماضي فراغا كبيرا، وهل سيؤثر ذلك على مدرسته الفكرية ونفوذها السياسي والأيديولوجي الواسعين؟.

يمكن القول، إن دور وأداء الإخوان المسلمين في انتفاضات الربيع العربي وما بعدها، أحدث تراجعا كبيرا في نفوذهم السياسي وفي مستوى الثقة التي حازوا عليها منذ تسعينيات القرن الماضي، التراجع اقتصر على المستوى السياسي الأقل شأنا من المستوى الفكري والديني الذي بقي في موقع السؤال والتساؤل. وإذا كان من السهل هزيمة الفكر السياسي من خلال الترجمة الميدانية له، فقد هُزم الفكر القومي بعد هزيمة 67، وهُزم الفكر الشيوعي واليساري بعد الانهيار السوفييتي 91، وهُزم الإسلام السياسي بعد تجربته في حكم مصر وتونس وليبيا وغزة وتركيا أردوغان وسودان البشير وحكومة الإخوان في المغرب. مقابل ذلك، لم يهزم الفكر الديني للإسلام السياسي وذلك بعد أن تحول إلى أيديولوجيا «مقدسة» فوق النقد من وجهة نظر أصحابها، والأهم بسبب تغلغله في مؤسسات الدول وبخاصة في المؤسسات الدينية كمؤسسة الأزهر ووزارات الأوقاف العربية ومؤسسات التعليم العربية قاطبة. واقتصرت معركة النظام المصري والرباعية العربية على الجانب الأمني السياسي، ولم تقترب أو تمس الجانب الفكري.

يُعرف تنظيم الإخوان المسلمين الجماعة بأنه ينتمي إلى الفكر الوسطي المعتدل، والبعض يعتبر فكره امتدادا لفكر الإصلاح الديني الذي بدأه محمد عبده وجمال الدين الأفغاني. هذان الاعتقادان بحاجة إلى فحص وتدقيق للحيلولة دون الخلط بين فكر الإصلاح الذي قاده محمد عبده، والفكر المضاد للإصلاح الذي مثله رشيد رضا تلميذ محمد عبده المرتد عنه والمتبني للفكر الوهابي الذي استكمله حسن البنا مؤسس الإخوان المسلمين في مصر، بالتحالف مع الدولة السعودية. يقول احمد صبحي منصور في مقال بعنوان «الإخوان المسلمون في مصر صناعة وهابية»: قامت الدولة السعودية بقيادة عبد العزيز آل سعود الذي كان له رؤية واضحة في إرساء دعائم الدولة الثالثة حتى تستمر ولا تسقط مثل الدولتين السابقتين بمساهمة مصرية. وتتلخص هذه الرؤية في التمسك بالأيديولوجية الوهابية والتسلل بها إلى مصر لتكون مصر عمقاً استراتيجياً للدولة السعودية، وتستطيع من خلالها السيطرة على العالم الإسلامي. وكانت النتيجة نجاح عبد العزيز آل سعود في تحويل التدين المصري القائم على التسامح حتى في العصور الوسطى إلى تدين وهابي متشدد.

إن القول، إن فكر الإخوان المسلمين جاء ليقطع الطريق على الفكر التنويري الإصلاحي، قول صحيح تدعمه أية مقارنة بين الفكرين. ففكر محمد عبده يهدف إلى تأسيس مدرسة فكرية للاجتهاد الديني تقوم على الإصلاح وتسهم في تطور المجتمع، وتستند إلى قيام الإيمان على العقل والانحياز للعقل والاستدلال العلمي عند التعارض مع الفقه، وحظر التكفير، ومعارضة الدولة الدينية لمصلحة الدولة المدنية، واعتبار القتال في الإسلام فقط لرد الاعتداء وليس للإكراه الديني. أما فكر الإخوان فقد تأسس على الفقه الحنبلي التيمي – ابن تيمية – مع تعديلات في الشكل لا تمس المضمون. يستند فكر الإخوان إلى الحاكمية التي تعني البيعة للحاكم والسمع والطاعة له والذي لا يكون مسؤولا أمام الرعية، فقط يحاسب أمام الله يوم القيامة، وقد عبر سيد قطب في كتابيه «في ظلال القرآن» و»معالم على الطريق» عن فكر الإخوان التكفيري الذي بلغ حد تكفير المجتمع، لا يزال الكتابان مرجعية للتنظيمات الجهادية المتطرفة.

ولكن ثمة من يقول، إن القرضاوي جدد فكر الإخوان، بما في ذلك نقده لسيد قطب واتهامه له بأنه خرج عن أهل السنة والجماعة بوجه ما، في الوقت نفسه دافع القرضاوي عن الحاكمية، ودعا إلى تجاوزها في ليبيا وسورية بتكفير الحكام. ولم يكن نقد القرضاوي لسيد قطب ملزما لتنظيم الإخوان، فقد اعتبر مرشد الجماعة محمود عزت أن الخطأ فيمن قرأ سيد قطب وليس فيما كتبه. كما أن القرضاوي أشاد به كمفكر كبير. كان «تجديد» القرضاوي عرضة للتراجع في الجانب التطبيقي استنادا لسياسة الدولة المضيفة، ففي الحاكمية مارس الموقف ونقيضه، دعم حكاما في فترة ودعا إلى قتلهم في فترة أخرى، وبقي دعمه للرئيس التركي على حاله مستخدما مديحا مطلقا «الله وجبريل وملائكته يساندون أردوغان» باعتباره رئيسا «لأفضل نظام يتفق مع التعاليم الإسلامية» من وجهة نظر القرضاوي.

وفي القضايا الاجتماعية وهي العنصر الأهم في الحكم على تطور الفكر وتجديده أو في البقاء على حاله، نصبح أمام واقع التطور من عدمه. في قضايا المرأة المشروحة بإسهاب في كتاب «قضايا المرأة في فقه القرضاوي» تأليف عمرو عبد الكريم. لم تتجاوز إسهامات القرضاوي المدرسة الفكرية المحافظة وحتى المتشددة. فقد برر تمييز الذكور عن الإناث بالوظيفة التي خصصتها الفطرة السليمة لكل من الرجل والمرأة. مدافعا عن ولاية الرجل، ولا يغير تشديده على استئذان الفتاة عند الزواج من واقع صاحب الولاية أو صاحب القرار، متجاوزا حقيقة الهيمنة الذكورية على القرار إلى درجة لا تستطيع معها البنت الرفض أو القبول. ويبرر قوامة الرجل باعتبارها ضرورية، ولا بد من رئيس له الكلمة النافذة والرئيس هو الرجل، ويبرر القرضاوي ذلك، كون الرجل عنده الجهاز العقلي أقوى، فهو أبصر بالعواقب ويمكن أن يتحكم في عواطفه وينفق على الأسرة ويدفع مهرا ويؤسس بيتا فإذا انهدمت الأسرة انهدمت على أم رأسه. وعند حديثه عن حقوق الزوج يبدأ بحقه في الطاعة كسيد البيت، ويمنحه رخصة الضرب في حالة أوجبتها الضرورة كتمرد الزوجة وعصيانها وفي حالة إخفاق الوسائل الأخرى، وبرر القرضاوي حق الرجل بالطلاق المقيد بشروط أقل، وحق المرأة بالخلع المقيد بشروط أكثر. ودعم حق الرجل بتعدد الزوجات، وزواج المسيار، وأجاز ختان الإناث إذا كان أحفظ للبنات، وقيد الاختلاط بشروط مشددة، وحظر رئاسة المرأة للدولة الولاية الكبرى أو الإمامة العظمى.           

ما سبق يشير إلى أن القرضاوي جَمَّلَ فكر الإخوان شكلا، وأبقى على مضمونه المحافظ والمتشدد، ووضعه في خدمة توسيع نفوذ تنظيم الإخوان وصعوده إلى السلطة في إطار علاقات التبعية وإعادة بناء السيطرة الإمبريالية على المنطقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى