هآرتس: بالنسبة لإسرائيل فإن الاتفاقية الناشئة مع لبنان هي أيضًا رهان على منطق نصر الله

هآرتس 30/9/2022، بقلم: عاموس هرئيل
الجدول الزمني لاتفاق محتمل بين إسرائيل ولبنان حول الحدود البحرية بين الدولتين آخذ في القصر. “انيرجيان”، الشركة البريطانية التي لها حق امتياز التنقيب في حقل الغاز الإسرائيلي “كاريش”، تريد البدء بالحفر في منتصف تشرين الأول (هي الآن مستعدة لإجراء تجارب تدفق عكسي للغاز. من الشاطئ إلى الطوافة، قبل أن يتم البدء بالضخ إلى الشاطئ). الوسيط الأمريكي عاموس هوكشتاين قد يعرض على الطرفين اقتراحاً نهائياً مكتوباً في الأيام القريبة القادمة، بعد أن عرضت عليهم أفكاره الأخيرة شفوياً قبل بضعة أسابيع.
يتوقع أن ينعقد الكابنت الخميس القادم لمناقشة أولى في القضية المعروضة (ربما يتم تقديم هذا الاجتماع إلى ما قبل عيد الغفران). تبث الأجواء العامة الآن تفاؤلاً حذراً خلافاً للقلق الظاهر الذي تم التعبير عنه في الصيف، عندما أسقطت إسرائيل أربع طائرات مسيرة أطلقها “حزب الله” على “كاريش”. السكرتير العام لـ“حزب الله”، حسن نصر الله، ما زال يهدد ولكن بدرجة أقل. هناك من يجدون في أقواله إشارات مشجعة على الاستعداد للموافقة على الحل الوسط، إذا تم التوصل إليه، لكن من قبيل أن ينسب لنفسه إنجازات لبنان في المفاوضات.
كما نشر في “هآرتس”، سيرتكز الاقتراح الأمريكي على الخط 23 الموجود شمال الخط الأقصى الذي طرحه اللبنانيون قبل بضع سنوات. كاريش موجود في جنوب – غرب الخط، أي أنه سيبقى تحت سيطرة إسرائيل المطلقة. الحقل الشمال الشرقي كان سيعطى للبنانيين. قد تحصل إسرائيل على التعويض مقابل استخدام لبنان لجزء صغير من الحقل الموجود في أراضيها.
مؤخراً، طرح الأمريكيون اقتراحاً آخر، تقبله إسرائيل: لأن عقبة كأداء رئيسية مرتبطة بترسيم دقيق للحدود في خط الشاطئ نفسه، فهو أمر لن يحسم الاتفاق، بل سيبقي القضية مفتوحة. عملياً، سيبدأ رسم الخط على بعد بضع عشرات من الأمتار غرب الشاطئ. ستقدم إسرائيل هنا تنازلاً تكتيكياً محسوباً من خلال التوصل إلى مكاسب استراتيجية: التقسيم سيمكن لبنان من البدء أخيراً في استغلال الإمكانية الكامنة في غازه، والاقتصاد اللبناني بحاجة إلى حقنة الدعم هذه، فيما تأمل إسرائيل بأن وضع طوافتين مقابل بعضهما سيشكل عنصراً كابحاً في الساحة الشمالية طوال سنين.
هذا الرهان غير خال من المخاطرة لسببين: الأول، إبقاء الشاطئ بدون حسم واضح قد يمكن “حزب الله” من استغلال الخلاف لتصعيد مستقبلي (مثلما يستطيع أن يفعل أيضاً بخصوص الـ 13 نقطة خلاف التي بقيت على طول الحدود البرية، هذا إضافة إلى النقاش حول السيطرة على منطقة “مزارع شبعا”). الثاني، أن نظرية الردع المتبادلة تستند إلى الافتراض بأن لبنان، بما في ذلك “حزب الله”، سيصدق جدية أن إسرائيل سترد بتدمير طوافته إذا حاول “حزب الله” المس بأحد خزاناتها. ولكن الدولة لا توازي منظمة إرهابية، وربما ستضطر إسرائيل أخذ موقف المجتمع الدولي بالحسبان. بكلمات أخرى، يجب أن يكون “حزب الله” على قناعة بأن إسرائيل مستعدة للعمل على طريقة “صاحب البيت أصيب بالجنون” ليكون الردع موثوقاً.
في محادثات مع الأمريكيين طرح مؤخراً سؤال آخر يتعلق بمنظومة الكوابح التي قد تعزز الاتفاق: الضمانات الأمريكية. الوسيط الرئيسي بين الطرفين هو الإدارة الأمريكية. ولكن إذا كان بالإمكان تجنيد المزيد من الدول وجهات دولية كضامنين للاتفاق فربما يزيد هذا الأمر احتمالية تجاوزه لفترة التصعيد والتوتر الذي قد يحدث.
تدرك الإدارة الأمريكية أيضاً محاولة المعارضة التشويش على المصادقة على الاتفاق. رئيس الليكود، بنيامين نتنياهو، سبق وهاجم رئيس الحكومة يائير لبيد على التنازلات غير المسؤولة التي ينوي لبيد تقديمها لـ”حزب الله” في قضية الغاز. في محيط البيبية بدأوا بالتحدث من الآن عن إجراء وقفات احتجاج بهذا الشأن قرب بيت لبيد في تل أبيب. من المعقول أيضاً أن سيتم لاحقاً تقديم التماسات للمحكمة في محاولة ضئيلة للمطالبة بطرح الاتفاق للاستفتاء العام.
علاقات عامة قاتلة
مع افتتاح نشرات الأخبار المسائية في التلفزيون أول أمس، نشر المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي فيلماً فيه مقطع من خلال تقدير الوضع الذي أجراه رئيس الأركان افيف كوخافي في نفس اليوم مع ضباط كبار في نهاية زيارته في المنطقة الوسطى. شوهد رئيس الأركان وهو يقول للضباط بأنه مستعد لتوظيف كل ما هو مطلوب لوقف موجة الإرهاب في الضفة الغربية. وإذا اقتضى الأمر فسيرسل إلى هناك كتيبتين نظاميتين أخريين، وكذلك المزيد من كتائب الاحتياط، وسيتم تقليص التدريب في الوحدات البرية. مهما كلف ذلك.
يبذل الجيش الإسرائيلي في هذه الفترة جهوداً كبيرة ناجحة في معظمها لمنع تنفيذ عمليات على شوارع الضفة وداخل الخط الأخضر. ولكن نشر الفيلم هو جزء من أسلوب تحول إلى أمر مقبول مؤخراً وانزلق إلى الجيش من الساحة السياسية. المصورون، في هذه الحالة عسكريون، يتم إدخالهم إلى غرفة، ثم يلقي كبير الحضور خطاباً قصيراً أمام العدسات. يتم استخدام الشخصيات الرفيعة الأقل درجة كزينة، الرسالة الموجهة للجمهور بسيطة: حتى في فترة أمنية عاصفة، فإن يداً واثقة تمسك بالدفة، وهناك من يمكن الوثوق به. بهذا المعنى، لا تختلف أفلام كوخافي عن التي ينشرها لبيد ونتنياهو أو وزير الدفاع بني غانتس.
إلى جانب الفيلم القصير اهتم شخص ما بتقديم إحاطة لمراسلي التلفزيون. رئيس الأركان، كما نشر، أعطى ضباط القيادة الوسطى “الضوء الأخضر” لتنفيذ تصفيات مركزة في الضفة. في حالة وجود حاجة عملياتية يصادق كوخافي للمرة الأولى على استخدام المسيرات الهجومية لقتل مطلوبين فلسطينيين في الضفة من خلال إطلاق النار عليهم من بعيد. في قسم المتحدث بلسان الجيش، قالوا بأن الإحاطة لم تأت منهم، وأن المعلومات غير دقيقة: استخدام المسيرات محتمل في حالة وجود حاجة فورية “لإزالة تهديد”، أي لإسكات مصدر للنيران. لا توجد سياسة جديدة للتصفيات.
تحول استخدام المسيرات مؤخراً إلى قضية سياسية ساخنة نسبياً، بعد حالتين قتل فيهما ضابط إسرائيلي وجندي من وحدة “يمام” في تبادل لإطلاق النار مع خلايا فلسطينية. اعتبر اليمين ذلك أرضاً خصبة لنقاش شعبوي يمكن من المس الناجع بأهداف سهلة – الحكومة التي يبدو أنها تتنازل عن أمن الجنود، والمستوى العسكري الكبير الذي كما يبدو لا يصمم على موقفه أمام إملاءات السياسيين. عملياً، توقف الجيش الإسرائيلي عن الهجمات من الجو في الضفة حتى أثناء الانتفاضة الثانية. استخدموا المروحيات الحربية وحتى طائرات حربية، في محاولات تصفية مطلوبين، إلى أن دخلت المسيرات الهجومية إلى ترسانة الأدوات في المناطق [الضفة الغربية] التي تم استخدامها بالأساس في قطاع غزة.
المنطق العملي الذي يقف وراء هذه السياسة بسيط: الاعتقال أفضل من الاغتيال، لأن المشبوه يمكن التحقيق معه وأخذ معلومات منه عن عمليات مستقبلية. الاغتيال من بعيد مفضل في مناطق لا يستطيع فيها الجيش العمل بحرية ويضطر إلى أن يعرض قوات كبيرة للخطر بصورة جوهرية من أجل اعتقال مشبوهين.
ما تغير في الآونة الأخيرة يبدو أنه مرتبط بمنظور رئيس الأركان أكثر من ارتباطه بالوضع على الأرض. سينهي كوخافي ولايته بعد ثلاثة أشهر، في 1 كانون الثاني. ويعمل الآن على تحديد إرثه، ويقوم في هذه الظروف بخطوات ذات طابع سياسي، مثل سفرته الأخيرة إلى بولندا وفرنسا التي أكد فيها الحاجة إلى محاربة إيران و”حزب الله”. هذه التسريبات، التي يُجهل مصدرها، قد تعتبر تطويقاً للحكومة من اليمين. المراسلون لا يقولون الأمور بشكل صريح، لكن المشاهدين والقراء سيدركون ما بين السطور: رئيس الأركان مناضل، والمستوى السياسي أقل من ذلك. ثمة أمر مشابه حدث قبل بضعة أشهر عندما نشر في “أخبار 13” بأن كوخافي طلب في فترة ولاية نتنياهو الأخيرة ميزانية لتعزيز الخيار العسكري ضد إيران، لكنه أجيب عليه سلباً. الوصف الوقائعي صحيح لكنه جزئي. طلب رئيس الأركان من رئيس الحكومة السابق “صندوقاً خارجياً”، أي إضافة خاصة تبلغ بضع مليارات من الشواقل إلى جانب ميزانية الدفاع. رفض نتنياهو، وفي الحقيقة لم يحافظ على احتمالية الهجوم (خلافاً لأقواله العلنية)، لكن كانت على رأسه مشكلات في حينه، أولها الأزمة الاقتصادية التي جلبتها كورونا.
إدخال المسيرات إلى الضفة أمر مختلف عليه في الجيش الإسرائيلي. هناك ضباط لا يرون وجود حاجة إلى الهجمات من الجو. وآخرون يشعرون بأنها ستحقق نتيجة معاكسة: ستتردد إسرائيل بالتدريج في استخدام قوات في عمق الضفة، وأي دخول إلى مخيم لاجئين سيتحول إلى عملية استخبارية خاصة، أي بصورة متناقضة، وستكسب التنظيمات الفلسطينية حرية عمل مضاعفة.
ثمة مسألة صلاحيات؛ وهناك شك في ما إذا كان رئيس الأركان مخولاً باتخاذ القرار وحده بشأن استخدام المسيرات في الضفة. هذه مسألة سياسية في يد الحكومة. لو جلس في مكتب وزير الدفاع وزير لطيف أكثر من غانتس وشخص يحب كوخافي ويقدره، لربما استمع إليه رئيس الأركان. لا أعرف من أين وصلت المعلومات، لكن النشر عن المسيرات، على الأقل بالصورة التي نشرت بها في قنوات التلفاز، ظهر كإعلان بدون تغطية وبدون صلاحيات. في بداية ولايته، وعد كوخافي بتوضيح ما اعتبره فتك الجيش الإسرائيلي، لكن يبدو أن الأمر يتعلق بعلاقات عامة قاتلة.
تصويت مشروط
أقوال رئيس الأركان قيلت على خلفية واقع يغلي في الضفة، سُجل فيه رقم قياسي مؤقت كما يبدو، عندما قتل أربعة مسلحين فلسطينيين في معركة مع قوات الجيش الإسرائيلي وحرس الحدود في مخيم جنين للاجئين. يواصل الجيش الإسرائيلي العمليات العنيفة في شمال الضفة، والدخول إلى المدن ومخيمات اللاجئين هناك يتدحرج أكثر من مرة إلى تبادل واسع لإطلاق النار. لا تسعى الحكومة وراء عملية عسكرية كبيرة في منطقة جنين قبل الانتخابات، لكن استمرار الأحداث قد يوصلها إلى هناك. في الخلفية، يجدر الانتباه إلى التوتر المتزايد في القدس في فترة الأعياد وحج اليهود إلى الحرم. حماس تصب من غزة بالزيت على النار على أمل أن تشتعل وتورط إسرائيل والسلطة.
من شأن تطورات كهذه أن يكون لها تداعيات سياسية في إسرائيل. واضح أن مواجهة عسكرية كثيفة أكثر في الضفة مع زيادة في عدد القتلى الفلسطينيين ربما تقلل نسبة تصويت العرب في إسرائيل. هذه حقيقة معروفة لكل من يتابع ما يحدث في إسرائيل و”المناطق” [الضفة الغربية]، بدءاً بحماس والسلطة ومروراً بالليكود وانتهاء بحزب “يوجد مستقبل” والمعسكر الرسمي.