ترجمات عبرية

هآرتس: هل يتجه العراق إلى حرب أهلية ؟

هآرتس 2/9/2022، بقلم: تسفي برئيل

الزعيم الشيعي غير المتوقع، مقتدى الصدر، ظهر في هذا الأسبوع كمخرج محترف يتحكم بطاقم لاعبيه والعاملين بدرجة كبيرة على خشبة المسرح. بدعوة دراماتيكية، هددهم بأنهم إذا لم يوقفوا الهياج الذي يجري في المباني الحكومية والبرلمان في المنطقة الخضراء، وإلقاء سلاحهم والعودة إلى بيوتهم في غضون ساعة، فإنه سيتبرأ منهم، وأنه إذا لم يعد النظام فسيغلق مكبر الصوت؛ فهو يدير حساباً نشطاً على تويتر يفعّل عن طريقه مئات الآلاف من أتباعه وملايين من مؤيديه ويملي بواسطتهم البنية السياسية للعراق ومستقبله أيضاً.

تعليمات الصدر لرجاله صدرت الثلاثاء الماضي بعد أن تم إحصاء، مساء اليوم السابق، نحو 30 قتيلاً في المواجهات بين قوات الشرطة والمليشيات الشيعية المؤيدة لإيران، ورجال الصدر. في هذه الأثناء، يبدو أنه تم وقف إطلاق النار، ولكنه ينتظر الشرارة القادمة التي لن تتأخر. العراق غارق اليوم في أحد صراعات القوى الصعبة والطويلة التي عرفها منذ الغزو الأمريكي في 2003. بعد عشرة أشهر على الانتخابات في العراق في تشرين الأول الماضي، لم تنجح القوى السياسية في التوصل إلى اتفاق على انتخاب رئيس أو رئيس للحكومة.

حسب الدستور، يقف على رأس الدولة مجلس رئاسي يتكون من رئيس كردي ونائب سني ونائب شيعي. الرئيس نفسه ينتخبه البرلمان، وهو الذي يلقي مهمة رئيس الحكومة على مرشح شيعي متفق عليه، في حين أن رئيس البرلمان مسلم سني. وهذه تركيبة تشبه التركيبة في لبنان.

أساس الصعوبة في تعيين الرئيس يكمن في عدم الاتفاق بين الأحزاب الكردية الكبيرة: حزب عائلة برازاني الذي يتولى رئاسة الإقليم الكردي في العراق، وحزب عائلة طالباني الذي يأتي منه الرئيس بشكل تقليدي، وهو منصب يتولاه الآن برهم صالح.

في هذه السنة قررت عائلة برزاني تخريب عملية تعيين الرئيس من خلال المطالبة بأن يأتي رئيس الدولة القادم من صفوفها. في ظل عدم وجود رئيس متفق عليه، لا يوجد أيضاً رئيس حكومة ولا حكومة، وتدير الدولة الآن حكومة انتقالية يترأسها مصطفى الكاظمي، وهو شخص فعال، وصحافي سابق وقف على رأس المخابرات العراقية، وله علاقات وثيقة مع الإدارة الأمريكية والسعودية وإيران، وقد نجح حتى الآن في شق طريقه بين القوات المتعادية لنجاح غير قليل، بل ويشكل الوسيط في جولات الحوار التي جرت هذه السنة بين السعودية وإيران حول استئناف العلاقات بينهما. ولكن الخلافات بين الفصائل الكردية مشهد هامشي في منافسة لي الأذرع الرئيسية التي تجري في العراق.

للوهلة الأولى، هذه معركة شيعية – شيعية، بين ائتلاف الأحزاب الشيعية المؤيدة لإيران والذي يحمل اسم “إطار التنسيق”، الذي يشارك فيه الحزب الوطني الكردي لطالباني، وبين الائتلاف الذي شكله مقتدى الصدر وفاز بـ 73 مقعداً في البرلمان من بين الـ 329 مقعداً، وبذلك تحول إلى الكتلة السياسية الأكبر في الدولة التي انضمت إليها الحركة السنية الكبيرة والحزب الكردي لبرزاني.

أداة ضغط سياسية

الصدر (48 سنة) يستند إلى سلالة دينية وعائلية محترمة جداً، وهو ابن آية الله الكبير محمد محمد صادق الصدر، الزعيم الذي يقدره الشباب وأبناء الطبقات الفقيرة في العراق، الذي قتل على يد رجال صدام حسين هو وابناه. وهو أيضاً ابن شقيق الفيلسوف الشيعي والفقيه الكبير في الشريعة محمد باقر الصدر، الذي قتل هو أيضاً على يد عملاء صدام حسين في 1980.

مقتدى الصدر يعتبر نفسه زعيماً طبيعياً، وطنياً ودينياً، “للمضطهدين” الشيعة في العراق، وكمن يطبق نظرية والده وفلسفة عمه. ولكن هذا الانتماء السامي لم يمنحه الصلاحية الدينية العليا المطلوبة لزعيم ديني بمستوى آية الله. الفترة التي درس فيها الشريعة في إيران لم تكن كافية من أجل تأهيله للمكانة التي يتوق إليها. بالأحرى، الهدف المأمول أن يحل محل الزعيم الروحي الشيعي الكبير، علي السيستاني (92 سنة). ولكن ما ينقصه في الثقافة واللقب الديني الرسمي أكمله الصدر بالقيادة السياسية من خلال استخدام المليشيات الخاصة له التي يرعاها منذ احتلال العراق.

بنى أجندته السياسية حول معارضته للاحتلال الأمريكي، من خلال استناده إلى إيران كداعم أساسي. بعد ذلك، بدل ولاءه ووضع نفسه كرأس حربة ضد أي وجود أجنبي، بما في ذلك إيران التي تحدت قواته بالمليشيات التي مولتها ودربتها وتحولت إلى جيش مواز لقوات الجيش العراقي. قوات الصدر المسلحة اصطدمت أكثر من مرة مع المليشيات الشيعية، بالأساس عندما جرت مواجهات عنيفة بين متظاهرين عراقيين في جنوب البلاد الذين احتجوا على نقص المياه والكهرباء. هؤلاء اتهموا ليس فقط الحكومة العراقية بالإدارة الفاشلة للتزويد بالطاقة، بل أيضاً إيران التي تزود العراق 40 في المئة من استهلاكه للغاز والكهرباء. وهي حسب أقوالهم، تستخدمهم كأداة ضغط سياسية على حكومة العراق.

عرف الصدر كيف يجند وينمي المشاعر المناهضة لإيران، وقد تبناها هو نفسه كأداة مناكفة ضد الأحزاب الشيعية في العراق المؤيدة لإيران. فوزه الساحق في الانتخابات الأخيرة أوضح لإيران بأنها يمكن أن تفقد السيطرة على المعقل الأهم بالنسبة لها إذا سمحت للصدر بتجسيد رغبته وتعيين رئيس الحكومة من قبله. الصدر الذي لم ينجح في التغلب على معارضة خصومه أو التوصل معهم إلى اتفاق على رئاسة الحكومة، طور استراتيجية بديلة، في البداية طلب حل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة. ولكن بعد أن رفضت المحكمة العليا العراقية هذا الطلب وحكمت بأن البرلمان منتخب حسب القانون، وأنه لا توجد أي ذريعة لحله، أمر الصدر أعضاء البرلمان من حركته بتقديم استقالتهم ومغادرة مكاتبهم، في حين اقتحم مئات من اتباعه المنطقة الخضراء وسيطروا على مبنى البرلمان وعلى المكاتب الحكومية وأقاموا فيها اعتصاماً، في الوقت الذي كانوا يواجهون فيه قوات الشرطة والمليشيات الشيعية المناوئة.

بعد بضعة أيام، أمر الصدر رجاله بمغادرة مبنى البرلمان للتمكن من مناقشة المصادقة على قانون ضمان الغذاء والتطوير، وأنه لم يرغب في الظهور كمن يفشل قانون استهدف مساعدة الشعب، ولا يقل عن ذلك مساعدته ومساعدة حركته.

بدون ميزانية مصادق عليها للعام 2022 – 2023 فإن الحكومة العراقية التي يتوقع أن تكسب نحو 115 مليار دولار من بيع النفط في هذه السنة، لن تستطيع المس بهذه المداخيل. وهي حسب الدستور، مخولة بإنفاق 1/12 شهرياً من حجم ميزانيتها، التي تمت المصادقة عليها في السنة الماضية. القانون الجديد استهدف المصادقة على ميزانية خاصة لتمويل النفقات غير المتوقعة لارتفاع أسعار المواد الغذائية في أعقاب الحرب في أوكرانيا، ودفع فوري لدين إيران الذي يبلغ 1.6 مليار دولار تقريباً مقابل الكهرباء والغاز التي اشتراها العراق، ولم يدفع الثمن في الموعد.

كان الضغط كبيراً بشكل خاص لأن إيران هددت بقطع الكهرباء وتزويد الغاز، وحتى أنها بدأت بنشاطات تقنية لتنفيذ تهديدها. صادق أعضاء البرلمان في الواقع على 17 مليار دولار كميزانية خاصة، لكن نصفها فقط تم تخصيصه لأهداف حددت في قانون، وستحول الأموال المتبقية إلى الأقاليم من أجل تمويل التشغيل الجاري، لكن فعلياً سيستخدمها حكام الأقاليم وأجهزتهم لزيادة ثراء المخلصين لهم وتمويل مليشياتهم الخاصة. الصدر، الذي يستفيد هو أيضاً من هذا القانون، سمح لأعضاء البرلمان من جهته بالتصويت وتأييد القانون، وبعد المصادقة على القانون في 13 حزيران الماضي، استقال 73 عضو برلمان من حركته من مناصبهم.

انتخابات جديدة

بدون كتلة الصدر ستزول شرعية البرلمان. ومع ذلك، إذا قرر اتخاذ قرارات وسن قوانين بدون أتباع الصدر، فقد يتدهور العراق إلى حرب أهلية. وهذا التنبؤ يهدد العراق ومواطنيه، بل ويقوض قدرة إيران على إملاء خطواتها. هنا ينكشف ضعف إيران السياسي، التي وجدت نفسها في وضع جديد وغير متوقع. في سعيها لفرض التراجع على الصدر، قررت طهران التوجه إلى القناة الدينية. ففي يوم الجمعة الماضي، أعلن آية الله الأعلى، كاظم الحائري، عن استقالته من منصب “مصدر الصلاحيات” الديني. مصدر الصلاحيات منصب أعلى قد يصل إليه مفتي شريعة شيعي. هو يسمح له بإقامة حوزة من التلاميذ الذين يسيرون خلفه، والتأثير على الآلاف وأحياناً على الملايين من المؤمنين، ليس في مكان إقامته الجغرافي فقط، بل أيضاً في تجمعات للشيعة في أرجاء العالم.

الحائري، الذي يعيش في مدينة قم في إيران، كان مقرباً جداً من والد مقتدى الصدر. وعندما قتل الأب في 1999 “ورث” الحائري حوزة الصدر الأب، وأصبح الزعيم الروحي لأتباع الصدر، وهو من منح صلاحيات دينية لنشاطات وسياسة الصدر الابن. ولأنه تنقصه مكانة دينية رسمية، في الوقت الذي يدير فيه صراعاً على السيطرة على الطائفة الشيعية، فإن رعاية الحائري كانت حيوية جداً لمقتدى الصدر. فقهاء الشريعة، الذين هم “مصدر الصلاحية” لا يستقيلون من مناصبهم مثل كبار الحاخامات الذين يبقون في المناصب حتى موتهم. استقالة الحائري الاستثنائية، وخصوصاً دعوته لأتباعه بأن يحولوا ولاءهم للزعيم الأعلى لإيران علي خامنئي، سحبت العباءة الدينية للحائري عن مقتدى الصدر، وتركته بدون سند ديني.

هناك موافقة مبدئية على إجراء انتخابات جديدة بين الصدر ومكونات كتلته، وخصومه الذين يشكلون “الإطار التنسيقي”. الخلاف بينهم خلاف على مراحل التنفيذ. يطالب مقتدى الصدر بإجراء الانتخابات في البداية، وبعد ذلك تشكيل حكومة حسب نتائجها. في حين أن خصومه وبدعم من إيران، يطالبون في البداية بتشكيل الحكومة بناء على نتائج الانتخابات السابقة، وهي التي ستجري الانتخابات الجديدة من موقع سيطرة وقوة.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى