هآرتس: حديث بايدن عن حل الدولتين العبرة بالتنفيذ

هآرتس 2022-07-18، بقلم: جاكي خوري
لم يعكس التصريح، الذي أصدره الرئيس الأميركي، جو بايدن، يوم الجمعة، في بيت لحم أي موقف أميركي اختراقي في كل ما يتعلق بالنزاع بين إسرائيل والفلسطينيين. مقارنة مع الرئيسين الأميركيين السابقين فإن الرئيس بايدن وضع نفسه بين دونالد ترامب، الذي سعى إلى تحطيم الحلم الوطني الفلسطيني، وبين باراك أوباما، الذي دفع نحو اتفاق سلام، وحاول الدفع قدما بخطوات ملموسة ولكن دون نجاح، بالأساس أمام حكومة برئاسة بنيامين نتنياهو.
شاركت جهات فلسطينية رفيعة في اللقاء مع بايدن، وقالت في ختامه، إنها شعرت بتفاؤل حذر. “كان اللقاء مهما، سواء من ناحية التوقيت أم من ناحية الرسائل التي أسمعت فيه، وكانت هناك أهمية أيضا للفترة الزمنية التي خصصت له، والتي تضمنت محادثة ثنائية قصيرة مع الرئيس الفلسطيني، محمود عباس. من الآن فصاعدا الاختبار هو في التطبيق”، قالت جهة فلسطينية للصحيفة. وحسب قول هذه الجهة فإنه خلافا لرؤساء سابقين فإن بايدن أظهر معرفة جيدة بالتفاصيل وفهما لجميع بؤر النزاع، لكن من غير الواضح إلى أي درجة إدارته مستعدة وترغب في المبادرة إلى خطوات في هذا الشأن.
في الطرف الفلسطيني يدركون أن الإدارة الأميركية لا تنوي طرح خطوط موجهة لتسوية دائمة أو عقد مؤتمر سلام بين إسرائيل والفلسطينيين، حيث لا توجد أي احتمالية لخطوات بعيدة المدى في الفترة التي توجد فيها في إسرائيل حكومة انتقالية، وفي الولايات المتحدة أيضا تلوح الانتخابات في الأفق. مع ذلك، يتطلعون في رام الله إلى خطوات محددة يمكن أن تعطي الفلسطينيين الدعم، بدءاً من فتح مكاتب “م.ت.ف” في واشنطن ورفع المنظمة من قائمة المنظمات “الإرهابية”، وحتى فتح القنصلية الأميركية في شرقي القدس. في الإدارة الأميركية يعرفون جيدا توقعات الفلسطينيين، لكن من غير المعروف هل ومتى ستتم الموافقة عليها.
تحدث بايدن في الواقع عن حل الدولتين في حدود 1967 وإمكانية تبادل الأراضي، لكنه قفز عن مسألة التطبيق، ولم يتطرق إلى سؤال إلى أي درجة يشكل مشروع الاستيطان عقبة في نظره وبأي درجة ستوقف الإدارة الأميركية مخططات مهمة لتوسيعه. القدس ذكرها بأنها “مدينة لجميع سكانها”. وحول اعتبار شرقي القدس عاصمة للدولة الفلسطينية لم يكن هناك ما يتحدث عنه من ناحيته.
في المقابل، أكد بايدن في اللقاء مع عباس على الجزء المريح للإدارة، الذي لا يحرج إسرائيل، وذكر عدة مرات المساعدات الاقتصادية التي ستعطى للفلسطينيين، 316 مليون دولار، منها 201 مليون دولار ستحول إلى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين “الأونروا” و100 مليون دولار ستحول لمستشفيات شرقي القدس، شريطة أن يوافق الكونغرس على ذلك، و15 مليون دولار للمساعدة في الأمن الغذائي، والتي لا توجد فيها جميعا رسالة سياسية. سمع بايدن من مديري المستشفيات في شرقي القدس بأن الضائقة التي يمر فيها الفلسطينيون هي نتيجة الاحتلال الإسرائيلي وليست بسبب عامل خارجي.
مقابل بايدن، اختار عباس أن يذكر في اللقاء أي أمر يمكن أن يشوش على حل الدولتين، بدءاً من مظالم الاحتلال وتداعياته على حياة الفلسطينيين وحتى المستوطنات. وقد أشار عباس إلى أن خطوات التطبيع مع الدول العربية لا يمكن أن تساعد في الدفع قدما بحل سياسي، وقال، إن “الاستقرار والسلام في المنطقة يبدآن من هنا وليس العكس”. وذكر ثلاث مرات مبادرة السلام العربية المعروفة أيضا باسم المبادرة السعودية. يطمح عباس إلى صيغة لدولة فلسطينية على قاعدة خطوط 1967 مقابل تطبيع مع الدول العربية وليس العكس. ولكنه يدرك بأنه في هذه القضية لا يوجد ما يمكن التحدث حوله مع الإدارة الأميركية.
في القيادة الفلسطينية لم يفوتوا الفرصة للتحدث عن موت الصحافية شيرين أبو عاقلة، من خلال الإدراك بأن هذا الأمر يوجد في قلب الإجماع الفلسطيني. في مكتب عباس قلصوا التغطية الصحافية للقاء، لكنهم سمحوا بالاحتجاج داخل القاعة التي أُلقيت فيها البيانات. وقف مراسلون فلسطينيون في المكان وهم يرتدون القمصان السوداء وعليها صورة أبو عاقلة، ووضعوا كرسيا فارغا عليه صورتها في الصف الأول في القاعة، وقاموا بالبث وهم يذكرون اسمها تقريبا في كل جملة. في البيت الأبيض أرادوا تجنب الحرج، واعلنوا بأن الرئيس سيتطرق إلى قضية أبو عاقلة، لكنهم لن يسمحوا بطرح الأسئلة. “سنواصل التصميم على الحصول على تقرير كامل وشفاف حول موتها”، أوضح بايدن، لكنه لم يشر إلى كيف ومتى.
حتى لو كان مخزن الكلمات الذي استخدمه الرئيس يدل على روح إيجابية، سواء في التصريح الذي قدمه لوسائل الإعلام أم في اللقاء مع الرئيس الفلسطيني، فإن نجاح الزيارة في بيت لحم سيتم اختباره بالأفعال وليس الأقوال. في نهاية المطاف سيضطرون في الإدارة الأميركية إلى الحسم إذا كان الفلسطينيون هم متسولون يمكن أن يقتصر التعامل معهم على إعطاء رزم المساعدات أو إذا كانوا شعبا يطمح إلى الحرية وتقرير المصير.