أقلام وأراء

ناجى صادق شراب – تغييرات جيوسيساية عالمية

د. ناجى صادق شراب ٩-٣-٢٠٢٢م

الجيوسياسة مرادف للعلاقات الدولية وما يلحق بها نتيجة تغيرات مكانيه أو جغرافية تلحق التحول والتغير في هيكلية وبنية النظام الدولى ، ففي النهاية النظام الدولى جغرافيا وتفاعلت دولية متفاوته في قوتها تحاول كل منها السيطرة على الحيز الجغرافى الذى تعيش فيه .

ولقد شهد النظام الدولى لما بعد إنتهاء الحرب الباردة تحولات جيوسياسية كبيره انعكست على بنية النظام الدولى بإنهيار الإتحاد السوفيتى ومعه إنتهاء نظام القطبية الثنائية وبروز بنية القوة الأحادية وخصوصا في جانبها العسكرى ،

وكان لها تداعياتها على النظام الدولى الذى تأسس فى ويستفاليا عام 1648والذى قام على مفهوم الدولة الأمة ،مرورا بنظام فرساى وسيادة القوة ألأوروبية على النظام الدولى ، وصولا إلى مؤتمر يالطا بعد الحرب الثانية أو قبل نهايتها والذى أسس للثنائية القطبية والذى أستمر حتى عام 1991 وإنهيار الإتحاد السوفيتى ، واليوم نشهد ومن قبل الحرب الروسية على أوكرانيا التنافس الصينى الأمريكى على تقاسم النظام الدولى وبدايات لحرب باردة جديدة ، لتأتى هذه الحرب وتعلن رسميا بداية الحرب الباردة ودخول روسيا كمنافس قوى لتغيير قمة النظام الدولى.فهى حرب على إعادة إقتسام القوة الدولية ووضع قوانين جديده بدلا من السابقة.وليصبح العالم اليوم أمام ثلاثة كتل قطبية الولايات المتحد والصين وروسيا. المحلل السياسى في الواشنطن بوست روبرت كانمان يتوقع تغيرات جيوسياسية واسعة حول العالم وتشمل أوروبا وحلف الناتو والنظام الدولى القائم.إنتصار روسيا سيفتح الطريق أمام الصين لتستعيد تايوان وتغير ملامح خارطة شرق آسيا التي تعتبر اليوم من اهم مناطق الصراع العالمى.

إنتصار روسيا يعنى إمتداد القوات الروسية وإنتشارها على مناطق حدودية ممتده في أوكرانيا وبيلاروسيا وبولندا الشرقية.ومحاولة تفكيك دول البلطيق من حلف الناتو مما يعنى إعادة تعريف حلف الناتو ودوره.هذا وقد أكد المعلق ديفيد إغناطوس إن هجوم روسيا أنهى فترة ما بعد الحرب البارده وسيشكل النظام العالمى الجديد.ويضيف أن بنيانا جديدا للعلاقات الدولية سينشأ معتمدا على نجاح أو فشل بوتين.

والنزاع كما يصفه بعض المحلليين حالة تشبه المشى مثل النائمين نحو الحرب كما وصف الزحف الأعمى نحو الحرب العالمية ألأولى عام 1914، فهى أشبه بما قام به الزعيم ألألمانى على الجارة تشيكوسلو فاكيا عام 1939 ولم يصل إلى درجة هتلر.وكما تقول الكاتبة ألأمريكية كلارا فيريرا ماركيز في تقرير لها نشر في وكالة بلومبيرغ أن التهديد هذه المرة قادم من الشرق، من قلب المنطقة وليس من خارجها.

وتتناقض مع ما قاله بوتين بأنه يحرر أوكرانيا من النازية إشارة إلى ما حدث عندما كانت كييف الهدف ألأول للنازيين. وقال بوتين لن نسمح بإرتكاب هذا الخطأ مرة ثانية.والهدف تحرير أوكرانيا وليس إحتلالها ، وإستبدال زيلنسكى رئيس أوكرانيا بحاكم موال يحتاج إلى وجود دائم . والسؤال هنا هل تتحول أوكرانيا إلى دولة جاره مواليه؟ ولعل الفارق كبير هنا بين ضم جزيرة القرم عام 2014 كما وصفته البى. بى .سى. بأنه أسلس عملية ضم تمت في التاريخ إذا إنتهت قبل أن يدرك العالم أنها قد بدأت.أوكرانيا حالة مختلفة ، فاهداف روسيا تتجاوز حدود الحرب المعلنة أبرزها إجلاء القوات ألأوكرانية من دونيتسك ولوهانسك، وبعدها ضمها بإستفتاء، وتغيير نظام الحكم، وتحويل أوكرانيا لدولة تابعة ونزع سلاحها .

المعنى تغيير في الجيوسياسه للمنطقة ليس فقط على مستوى العلاقة مع أوكرانيا بل على مستوى القارة ألأوروبية كلها.

ففي العام 2005 وبعد مرور خمس سنوات على إنتخابه رئيسا لروسيا قال بوتين في خطابه للأمة بأن تفكك الإتحاد السوفيتى في العام 1991 كان دراما حقيقية أبقت عشرات ملايين الروس خارج حدود روسيا. وقال إن مكاننا في العالم الحديث سيتحدد طبقا لنجاحنا وقوتنا.وهذا يعنى أن روسيا وبعد أن حققت قوتها الداخلية لن تسمح للناتو والولايات المتحده ان تقترب من حدودها الشرقية وتتحول أوكرانيا إلى قاعدة عسكرية للولايات المتحده، وهنا الجيوسياسة هي التي تقرر السياسة الروسية ، وبصرف النظر عن الإتفاقات الموقعة مع أوكرانيا ومع الغر، ففي كل الأحوال روسيا لن تسمح بإنضمام أوكرانيا للناتو ، وهذا الدافع ألأمنى هو الذى كان وراء القرار الروسى ، وبتعبير آخر الجيوسياسة هي التي حسمت وقررت الحرب ، وكما يقال الجيوسياسة تصنع التاريخ والإقتصاد يصنع السياسه.

وهذا ما تفعله روسيا اليوم في حربها والتي هي بمثابة إعلان رسمي لولادة نظام عالمى جديد تحكمة ثلاثية القوة ألأمريكية والصين وروسيا, ولعل هذه الرغبة جسدها البيان الختامي لزيارة الرئيس بوتين للصين في الرابع من فبراير الماضى والذى أعلنت فيه الدولتان ضرورة إصلاح النظام العالم القائم لكنها رساله لم تستوعبها الولايات المتحده وأوروبا. ولم تتفهم ماذا تعنى الجيوسياسة بالنسبة لروسيا الطامحة لإستعادة قوتها السوفيتيىه السابقه. ويبقى أن العالم قد دخل مرحلة التحول الإنتقاليه وبقدر إطالة الحرب بقدر التغير في بنية النظام الدولى وصولا لحافة الهاويةومنها للشروع في النظام العالمى الجديد.

 

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى