ترجمات عبرية

هآرتس – “حزب الله ألزمنا السير على البيض داخل لبنان”

هآرتس ٢٠-٢-٢٠٢٢م – بقلم: ينيف كوفوفيتش

اختراق الطائرة بدون طيار من لبنان إلى أعماق أراضي إسرائيل يضع مشكلة تدركها الجهات الأمنية والسياسية الرفيعة، لكنها لا تتطرق إليها علناً. فالإنجازات المحدودة لسياسة المعركة بين حربين، بالتحديد في الساحة التي فيها احتمالية مرتفعة للتدهور إلى حرب. حسب مصادر أمنية رفيعة، فإن مئات آلاف الصواريخ والقذائف التي في حوزة “حزب الله” تخلق ميزان ردع يصعب على إسرائيل العمل ضد هذه المنظمة.

في العام 2018 حدد الجيش الإسرائيلي خمسة أهداف للمعركة بين حربين، وهي: تقليص تهديد قائم يتشكل ضد إسرائيل؛ وإبعاد الحرب وخلق ظروف أفضل للانتصار فيها؛ والحفاظ على الردع وصيانته؛ وزيادة “قيمة” إسرائيل في نظر شركائها والحفاظ على حرية عمل الجيش الإسرائيلي مع تقليص حرية عمل العدو. في السنوات الأخيرة، حققت هذه السياسة أهدافها بدرجة كبيرة، وساعدت في صد تمركز إيران في المنطقة بواسطة هجمات في سوريا والعراق واليمن ودول أخرى.

لكن حسب أقوال مصادر أمنية، بدا الوضع أمام “حزب الله” مختلفاً؛ لأن هذه المنظمة وضعت “ثمناً” لمس إسرائيل بها وبرجالها، خاصة في الأراضي اللبنانية، ونشأ بين الطرفين ردع متبادل. المصادر التي تحدثت مع “هآرتس” قالت إنه في حين يمكن القيام بمواجهة محدودة في ساحات أخرى، بحيث لا يتجاوز فيها الطرفان عتبة الحرب، بقي الوضع في الساحة اللبنانية متفجراً بدرجة أكبر وزاد خطر التدهور إلى مواجهة شاملة. بسبب قوة “حزب الله” فإن مواجهة كهذه قد تشل الاقتصاد الإسرائيلي لفترة طويلة وتتسبب بضرر كبير للجبهة الداخلية.

“نجد صعوبة في خلق صيغة صحيحة لكيفية العمل بشكل صحيح في لبنان دون الوصول إلى حرب”، اعترف مصدر رفيع في جهاز الأمن، وأوضح بأنه يقصد عمليات علنية و”صاخبة”، خلافاً للعمليات الخفية. “نبحث دائماً عن طريقة نكبح بها قوة “حزب الله” في لبنان. لا شك أن الوضع في هذه المرحلة يفيد “حزب الله”، لكنه لن يستمر طويلاً”. مصدر رفيع آخر شارك مؤخراً في مناقشة التهديدات في الجبهة الشمالية، صاغ ذلك كالآتي: ” نحن في لبنان مرتدعون. نسير على البيض”.

لذلك، يتجنب الجيش الإسرائيلي قدر الإمكان المس برجال “حزب الله” أو أهداف استراتيجية له في لبنان. وردود إسرائيل على عمليات “حزب الله” الهجومية محسوبة نسبياً، ومعدة لنقل الرسائل. هكذا، حلقت طائرات سلاح الجو في سماء بيروت رداً على اختراق طائرة بدون طيار، وتم الرد على إطلاق صاروخ مضاد للطائرات على سيارة عسكرية على الحدود، بإطلاق قذائف الدخان من المدافع. بالإجمال، نسبت لإسرائيل عشرات الهجمات الجوية في سوريا وعشرات غيرها على أهداف أبعد، في حين تم القيام بنشاطات معدودة في لبنان، كانت أغلبيتها رداً على عمليات “حزب الله”. يتمثل التغيير أيضاً بالطريقة التي يتحمل فيها “حزب الله” المسؤولية عن عملياته، وهي خطوة كان يميل في السابق إلى تجنبها. هكذا سارع “حزب الله” إلى الإعلان بأن رجاله هم الذين أطلقوا الطائرة بدون طيار إلى إسرائيل رداً على إسقاط طائرة أخرى له قبل يوم من ذلك.

في النقاش الذي جرى مؤخراً بمشاركة رئيس الأركان وشخصيات رفيعة في جهاز الأمن، تم عرض العمليات في إطار “المعركة بين حربين” في 2021، وتمت مناقشة طريقة تطبيق هذه السياسة في السنة التالية. وحسب أقوال المشاركين في النقاش، ما زالت إسرائيل تتمتع بحرية عمل جوي في المنطقة. ولكن أحدهم حذر بأنه “في لبنان القصة مختلفة قليلاً، لسنا في مكان جيد”. وحسب قوله، فإن القدرة على الحفاظ على حرية العمل في هذه الدولة يرتبط بامتلاك قدرة تكنولوجية ليست بحوزة إسرائيل الآن.

“اعتبرت إسرائيل المجال الجوي، على مدى سنوات، أمراً مفهوماً ضمناً”، قال للصحيفة ضابط رفيع متقاعد مطلع على الساحة اللبنانية. “نجح حزب الله، بوسائل غير متقدمة وبتصميم، في تحدي حرية النشاط الجوي لها. لم ينشئ سلاح جو، ولم يبن منظومة دفاع جوي متطورة، لكنه نجح في خلق منظومة من الطائرات المسيرة ووسائل مختلفة، التي ربما لن تسقط طائرات، ولكنها ستهدد طائراتنا المسيرة، وربما ستسمح له باعتراض طائرات مسيرة مسلحة. هذا أمر مقلق”.

في الأسبوع الماضي، ألقى الأمين العام لـ”حزب الله”، حسن نصر الله، خطاباً مطولاً تركز على تناسب القوة مع إسرائيل. وأعلن أن منظمته نجحت في هز حرية النشاط الجوي التي تتمتع بها إسرائيل منذ حرب لبنان الثانية. وقال إن الطائرات المسيرة الإسرائيلية التي حلقت سابقاً في سماء لبنان بدون إزعاج، أصبحت لا تعمل بالوتيرة نفسها. وتطرق نصر الله أيضاً إلى خطة زيادة دقة الصواريخ التي بحوزة “حزب الله”، والتي تعتبرها إسرائيل التهديد الثاني في خطورته بعد المشروع النووي الإيراني. وحسب قوله، لم تنجح إسرائيل في المس بهذا المشروع بسبب خوفها من اندلاع حرب. وإحباط جهود إيران لتسليح “حزب الله”، قاد إلى أن هذا الحزب طور قدرات مستقلة خاصة به. وقال نصر الله إنه ليس بالإمكان المس بمنظومة الصواريخ والقذائف لـ”حزب الله” إلا بحرب بين الطرفين، لا في “عملية جراحية”.

“نصر الله محق”، قال للصحيفة مصدر أمني رفيع. “مخزونه الآن بحجم لا يمكن المس به بواسطة عملية محددة، بل عن طريق حرب فقط”. وحسب قول هذا المصدر الرفيع، “إذا كان أحد أسباب شن الحرب هو بناء “حزب الله” لمنظومة لا تحملها إسرائيل على حدودها، فهو الآن موجود في هذا المكان”. يؤمن جهاز الأمن بأن “حزب الله”، إلى جانب المس ببرنامج زيادة الدقة بدعم من إيران، نجح في إنشاء منظومة لإنتاج الصواريخ الدقيقة في لبنان، حتى لو لم يكن بكمية كبيرة، التي ينوي إطلاقها في حالة اندلاع حرب على مواقع استراتيجية في إسرائيل. وقال مصدر رفيع إن إسرائيل في الحقيقة تقدر أن لدى “حزب الله” منظومة مقلصة من الصواريخ الدقيقة، “لكن لا أحد يعرف عدد الصواريخ التي يمتلكها نصر الله أمام إسرائيل”.

وثمة صدى لهذه الأقوال أيضاً في مقال نشره رئيس قسم الأبحاث في شعبة الاستخبارات مؤخراً، العميد احتياط السابق درور شالوم، في إطار معهد بحوث الأمن القومي، يقول: “إن حزب الله يتمسك، بمساعدة إيران، بالسعي لتطوير قدرة مستقلة لإنتاج وتحويل صواريخ دقيقة في لبنان، رغم جهود الإحباط التي تبذلها إسرائيل. وتقدمه في هذا المجال سيضع أمام إسرائيل تهديداً استراتيجياً خطيراً يزيد من حدة المعضلة في مجال القيام بعملية وقائية”. وحذر شالوم أيضاً: “هناك جهد لتقليل تفوق إسرائيل في المجال الجوي بواسطة جهود لإدخال منظومات مضادة للطائرات متطورة إلى هذا الفضاء”.

حسب أقوال باحث رفيع في مجال الأمن، فإن “إسرائيل ليس بوسعها رؤية تطور مشروع زيادة دقة الصواريخ، في حين أن الوسائل القتالية المتطورة المخصصة لحزب الله قد تضررت في الهجمات في سوريا أو في أماكن بعيدة. ليس في لبنان معركة بين حربين؛ لأسباب مختلفة، جزء منها صحيح. ولكن لا يوجد نقاش حول كيفية المواصلة بشكل صحيح. لا أحد يعرف ماذا يوجد في لبنان. ولا أحد يعرف مدى المفاجأة. الفشل الأكبر هو إخفاق إسرائيل في العمل داخل لبنان، في وضع يتعرض فيه “حزب الله” لانتقاد شديد من الداخل، ودولة تنهار اقتصادياً. لم تنجح إسرائيل في العثور على صيغة ناجحة تمكن من إضعاف “حزب الله” في الفضاء العام اللبناني دون الدخول إلى حرب”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى