أقلام وأراء

د أماني القرم – نورد ستريم (2) سلاح الغاز بيد روسيا في أوروبا ‏

د أماني القرم ٣٠-١-٢٠٢٢م

مع اشتعال الخلافات الروسية الاوكرانية مجدّداً بسبب رغبة موسكو في ابقاء أوكرانيا تحت التأثير الروسي، ‏تتصدر أخبار خط الغاز الشمالي (نورد ستريم 2 ) عناوين الأزمة التي تشابكت فيها مصالح الدول الكبرى ‏‏. نورد ستريم (2) هو أحد خطين بحريّين ضمن مشروع لنقل الغاز الطبيعي من روسيا عبر بحر ‏البلطيق الى المانيا /أكبر اقتصادات أوروبا/ ومنها الى دول اخرى مثل فرنسا .. كان الخط الأول نورد ‏ستريم ( 1) بدأ في العمل عام 2011 لتتجاوز كمية الغاز الروسي المصدرة عبره، ما يقارب من 40% من ‏الاحتياجات الاوروبية للطاقة. من المقرر مع بدء تشغيل الخط الثاني نورد ستريم (2) ستتضاعف هذه ‏الكمية لتصبح روسيا المتحكم الأول في امدادات الطاقة لأوروبا . ونورد ستريم شركة نقل غاز مملوكة ‏بالكامل لشركة الطاقة الروسية المملوكة بدورها للدولة الروسية . ‏
وبالطبع أبرز المعارضين لمحاولات تشغيل المشروع هما الحليفان الولايات المتحدة وأوكرانيا: ‏
اوكرانيا احدى دول الاتحاد السوفييتي السابق التي ورثت عنه ثالث اكبر ترسانة نووية في العالم موجهة ضد ‏الولايات المتحدة تخلّت عنها لأجل بناء مسار تحالفي ومساعدات اقتصادية وعسكرية ودعم سياسي ممتد مع ‏واشنطن . أيضاً ، من ضمن تركة الاتحاد السوفيتي في اوكرانيا شبكات نقل الغاز الروسي التي تمر عبر ‏الاراضي الاوكرانية، وتنقل الغاز من روسيا الى اوروبا، وتوفر بالتالي لأوكرانيا /كونها دولة عبور/ عائدات ‏سنوية تبلغ مليارات الدولارات ستحرم منها “كييف” مع تشغيل الخط الثاني البحري نورد ستريم (2). ‏
أما الولايات المتحدة فهي المعارض رقم (1) لتشغيل هذا الخط منذ سنوات، ليس حرصاً الدولة الاوكرانية ‏لكن خوفاً من زيادة النفوذ الروسي في القارة المتعطشة للطاقة، فزيادة الاعتماد الأوروبي على الغاز الروسي ‏سيمنح موسكو ورقة رابحة في التحكم بالأسعار وحركة العرض والطلب، ناهيك عن المكاسب السياسية التي ‏يمكن تحقيقها بفضل نفوذ الغاز . ولا تخفى الرغبة الأمريكية الدفينة في زيادة الصادرات الامريكية من الغاز ‏المسال الى الحلفاء الأوربيين لجني المكاسب الاقتصادية والسياسية بديلاً عن الدب الروسي وغازه رغم كون ‏هذا الأخير أقل تكلفة بنسبة 25% مما يشكّل خسارة للسوق الأوروبية. حاولت الولايات المتحدة عرقلة ‏التشغيل منذ بدء الشروع في بناء الخط . وكانت قضية نورد ستريم (2) أبرز مسائل الخلاف بين ‏الحكومتين الامريكية والالمانية في عهد دونالد ترامب الذي فرض عقوبات اقتصادية على روسيا عام 2017 ‏شملت كل من يساعد “سواء أفراد أو كيانات أو مساهمين” في تكملة انشاء الخط البحري ضمن قانون يعرف ‏باسم “مكافحة النفوذ الروسي في اوروبا”. وبعد تولي بايدن الحكم وعودة الهدوء للدبلوماسية الامريكية ‏وسياسته الساعية لترميم العلاقات مع الحلفاء الاوروبيين وخاصة ألمانيا، رفعت ادارة بايدن العقوبات على ‏خط الغاز البحري، وطمأنت ألمانيا التي تسعى الى ضمانة أمنها الطاقوي ، أنها ستواجه ‏مخططات روسيا إذا تم استخدام الغاز كسلاح جيوسياسي من قبل الروس، وهو الأمر الذي شكّك به عدد لا ‏بأس به من أعضاء الكونجرس . ‏
لسنوات قادمة ، ستبقى مسألة (نورد ستريم 2) أحد ابرز القضايا التي يتشابك فيها الاقتصاد مع السياسة ‏والجغرافيا بين الكبار.‏

 

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى