أقلام وأراء

هل نشهد أفولاً للإسلام السياسي ..؟

محمد فوزي *- 17/9/2021

كانت حركات “الإسلام السياسي” هي الرابح الأكبر والمستفيد من تداعيات الانتفاضات العربية في 2011 أو ما عُرف بـ”الربيع العربي” إلى الحد الذي جعل بعض الدوائر تصفه بـ “الربيع الإسلامي”. وهذه نتيجة لها أسبابها ابتداءً من القدرات التنظيمية الكبيرة لهذه التيارات أو كونها الفصائل الأكثر تنظيماً عقب هذه الانتفاضات ما زاد من قدرتها على الحشد وملء الفراغ الذي أحدثه إسقاط العديد من الأنظمة العربية بفعل الحراك، ومروراً بالسياق المجتمعي المهترئ وعدم قدرة البسطاء والعديد من القطاعات المجتمعية على الفصل بين “الدين نفسه” وبين تيارات لديها مشروع سياسي توظف الدين من أجل تحقيقه.

 وقد ساعد تركيز تيارات الإسلام السياسي على العمل المجتمعي والخدماتي على كسبها لدعم المزيد من هذه الفئات، ووصولاً إلى ضعف “البديل المدني” في العالم العربي، بفعل أزمات التيار المدني البنيوية، والسياقات السياسية والقانونية والمجتمعية التي قلصت من قدرته على المبادرة والحراك، وأخيراً رهان بعض القوى الإقليمية والدولية في تلك الفترة على خيار الإسلام السياسي أو “الإسلام الديموقراطي” كما كانت تصفه بعض الدوائر الغربية.

 لكن وبعد تولي هذه التيارات مقاليد الحكم في بعض الدول، وتشاركها في الحكم مع تيارات أخرى في دول أخرى، مُنيت تيارات الإسلام السياسي بفشل ذريع حتى اليوم، في كل هذه البلدان مثل: مصر – ليبيا – اليمن – الجزائر – السودان، وأخيراً، سقوط “حركة النهضة” في تونس وحزب “العدالة والتنمية” في المغرب، وهو الفشل الذي تصاعد معه الحديث عن “أفول الإسلام السياسي” أو “ما بعد الإسلام السياسي”. وبعيداً من محاولة “الإسلاميين” تصوير هذه الهزائم على أنها نتاج مؤامرات خارجية وداخلية، وهي فرضية تم فضحها في حالتي تونس والمغرب على وجه الخصوص، إلا أن هذا الصعود والأفول السريع يعكس جملة من الدلالات المهمة التي يجب الوقوف عندها:

 1- وصول تيارات الإسلام السياسي إلى الحكم أو اختيارها من بعض القطاعات المجتمعية لم يكن انعكاساً لوجود قناعات فكرية وإيديولوجية وسياسية بهذه التيارات، بقدر ما كان قراراً محكوماً برغبة المجتمعات في التغيير، ونظرتها “المثالية” تجاه التيارات الإسلامية، على أنها تيارات ذات مبادئ سامية، وأنها بعيدة من منظومة الفساد والاستبداد، لكن وبعد استفاقة الجماهير وانخراط “الإسلام السياسي” في منظومة الحكم، نجد أن مآلات الأمور تذهب باتجاه حدوث انتفاضة جماهيرية كما حدث في 30 حزيران (يونيو) 2013 في الحالة المصرية، أو تأييد حراك مؤسسات الدولة المناهض لتغول وفوضى الإسلام السياسي كما في الحالة التونسية والتأييد الشعبي لقرارات الرئيس التونسي في 25 تموز (يوليو)، أو “التصويت العقابي” ضد الإسلاميين كما في حالة المغرب.

 2- أدى انخراط الإسلاميين في منظومة الحكم والمجال العام، في شكل شرعي، عقب 2011، إلى تبنيهم رؤى تجمع بين “الواقعية” و”البراغماتية”، بمعنى تقديمهم بعض التنازلات، وعقدهم بعض الصفقات السياسية، تحت شعار “الضرورات تبيح المحظورات”، وهو ما أدى تدريجياً إلى تراجع تأثير خطاب “المثالية” و”المرجعية الدينية” الذي كانوا يوظفونه، وهو أمر قلل من أسهمهم لدى الفئات التي تأثرت بهذا الخطاب، فمثلاً تحول الإسلاميون في المغرب من تبني شعار “صوتك فرصتك لمحاربة الفساد والاستبداد”، إلى تبني شعار “عفا الله عما مضى”، وذلك لتمرير تعاونهم وتحالفهم مع العديد من الشخصيات السياسية المتهمة بقوة في قضايا فساد، كذلك تحوّلت العديد من التيارات السلفية من اعتبار العمل الحزبي “كفراً مناقضاً للإيمان” إلى الانخراط بقوة في هذا العمل، بل واستخدام أقذر الأساليب في سبيل تحصيل بعض المكاسب السياسية.

 3- الجماعات الإسلامية، تيارات تقوم على “فقه الجماعة”، ولا تملك أي رؤى أو مشروع سياسي حقيقي يستوعب الدولة بمكوناتها ومفهومها الحديث، أو يضمن إدارة شؤون هذه الدولة بتنوعاتها وتحدياتها المختلفة، وهو أمر تجسّد في عدم قدرة تيارات الإسلام السياسي على ترجمة “شعاراتها الشعبوية والمثالية” في صورة برامج سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، بل على العكس تبنت رؤى ضيقة متشددة، وسياسات عنصرية، عززت من حالة الاحتقان الشعبي، والانقسامات المجتمعية، بما أدى إلى الإفلاس السياسي للتيارات الإسلامية، وهو ما انعكس بطبيعة الحال على الموقف الشعبي من هذه التيارات.

لا يمكن الجزم بـ”أفول التيارات الإسلامية”، خصوصاً في ظل مجتمعات تؤدي فيها العاطفة الدينية دوراً محورياً في تحديد اتجاهات تعاطيها ومواقفها من القضايا المختلفة، لكن المؤكد أن هذه التيارات تجد البيئة الخصبة للحضور والاستثمار السياسي، كلما غابت مفاهيم “الحكم الرشيد” عن منظومة الحكم، وهو ما يعني أن أولى الخطوات الجادة لمواجهة التطرف والإرهاب وتعزيز مركزية “الدولة الوطنية”، تتمثل في تبنّي سياسات رشيدة تراعي أولويات بناء الإنسان، وتضمن حقوقه السياسية والمدنية والاجتماعية والاقتصادية.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى