شوؤن عربية

د. ماجد بن عبدالعزيز التركي يكتب – التّحولات العربيّة القادمة : قراءة في مشاريع إقليميّة

د. ماجد بن عبدالعزيز التركي*  – 9/3/2021

يعيش العالم العربي حالة من الخيانات، المتواطئة مع أجندات أعجمية، قد تنتهي إلى تغيرات ديموغرافية “طائفية/دينية” تفضي إلى إعادة تشكلات “جيوسياسية” يصاحبها:

تضليل معلوماتي، إرهاب إعلامي، شذوذ فكري،‏ ورعاية أممية .

وبعد مراجعة العديد من المعطيات المتعلقة بهذه المسألة، برزت أهمية تحرير الموضوع تحريراً مفصلاً ينتهي إلى بعض التقديرات التي يحسُن تدبرها للتعامل مع التغيرات المُحتملة، على غرار ما سبق لي نشره عن العالم العربي، قبل الثورات، تحت عنوان: “مستقبل الاعتماد على الذات العربية”، والمقالة المنشورة تحت عنوان: “الحالة العربية الراهنة ومآلات المستقبل”.

ويمكن قراءة المشهد العربي تحت ما يمكن تسميته، “مهددات الأمن العربي”، وهذا نابع من كون المهددات أعجمية تخترق العمق العربي، وحينما أقول الأمن العربي فأنا أعني هذا المصطلح بتفاصيله الموضوعية (العربي: من حيث العرق، والعربي من حيث الوعي، والعربي من حيث الديانة (الإسلام السني)، والعربي من حيث الجغرافيا).

وتتأكد خطورة المهددات، بالنظر في اعتبارات :

1. التخادم الدولي ـ الإقليمي؛ لتحقيق هذه المهددات المنتهية إلى المشروع المستهدف.

2. انشغال الذهن العربي، في إطاره الشعبي والرسمي، بالخلافات البينية.

3. إشغال العقل العربي بزوايا خلاف مبنية على التحزيب، مغلفة بالتجريم والتخوين.

4. غياب الفاعلية للمكونات المؤسسية العربية “الجمعية” الراعية للشأن العربي.

5. صناعة مغذيات “ناعمة” لخدمة هذا المشروع، والتسويغ لخطواته التمهيدية.

المشهد العربي الحالي، (مهددات الأمن العربي): المشهد العربي، مؤلم في كل تفاصيله، يفتقد الاستقرار السياسي، والرؤية المستقبلية، وبرامج التنمية المستدامة، والثقة الوطنية بين الشعوب وقياداتها السياسية، وتحرك هذه البؤر السيئة، ولاءات خارجية لرموز عربية على المستوى الجمعي العربي، وعلى مستويات وطنية متفاوتة بحسب كل دول عربية، وبين هذا وذاك محركات إعلامية (بخاصة محطات البث التلفزيوني)، غير مفهومة في برامجها بالنظر في مخرجاتها ومقارنتها بما تعانيه الأمة العربية من أزمات، ويزيد من تأزيم المشهد العربي، متناقضات الطرح في وسائل التواصل الاجتماعي وتأثيراتها السلبية في المزاج الشعبي.

وفي نظرة موجهة مباشرةً، نجد أن العراق وسوريا يتصدران المشهد العربي، من حيث عمق الأزمة، وانعكاساتها المستقبلية، فهاتان الدولتان تعيشان حالة متماثلة، فوضى سياسية، وسيطرة إيرانية على الأرض، بمظلة دولية <أميركية روسية) وعمل مواز على الأرض لكل من تركيا وإسرائيل، في سباق مخطط له للسيطرة على أجزاء من المشروع المرسوم للمشهد الجيوسياسي القادم (العراقي والسوري)، وفق قراءاتي ستكون مساحة مفتوحة (من الشرق إلى الغرب) لإعادة توزيع النفوذ السياسي، ورسم المحددات “الجيوسياسية الجديدة” وفق تحقيق مصالح الحاضنات الإقليمية الثلاث: إيران ـ إسرائيل ـ تركيا:

إيران: تعمل على إكمال وشرعنة السيطرة على جنوب العراق، ودمشق القديمة، في ربط أفقي لمساحة ممتدة إلى إيران على نمط “المستطيل الشيعي”.

إسرائيل: تعمل على إقرار سيطرتها ووجودها العلني “الرسمي” في كل من: الجولان وما جاورها، ومناطق من شمال العراق، وأجزاء من الموصل بدعاوى تاريخية يهودية.

تركيا: تعمل على تأكيد استعادة مناطق الشمال “العراقي السوري” كجزء من الحدود التركية الجنوبية، حتى تضمن اتصالها بأجزاء من العالم العربي.

– القوى الدولية متماهية جداً مع هذه التوزيعات، بل ترى أبعد من ذلك تحت مفهوم (أن الحدود في شمال الجزيرة العربية رسمت بقلم الرصاص، وليسهناك ما يمنع من إعادة رسمها من جديد)، ويتوازى مع هذا اعتراض مجلس الأمن القومي الأميركي ـ NSC، على رأي الخارجية الأميركية بإمكان إنشاء ثلاثة مكوّنات في العراق (جنوب شيعي إيراني ـ وشمال كردي/ إسرائيلي ـ ووسط عربي يلتقي مع بقايا سوريا) حيث يرى المجلس الاكتفاء بمكوّنين فقط، بدعوى أنه ليس هناك أي مقوّمات لكيان عربي في وسط العراق.

ـ أما الموقف الروسي، فهو غير معني بالتدقيق في هذه التفاصيل، في ظل سيطرة روسيا على المنافذ السورية في المتوسط وإدارة مصالحها من خلال القاعدة البحرية الروسية في طرطوس.

أما كيف سيكون التوزيع “الجيو سياسي/العراقي السوري”، فهو غير محدد وغير متفق عليه بدقة، لكنه لن يخرج من حدود تحقيق مصالح الحاضنات الإقليمية الثلاث، من دون أي اعتبار للواقع العربي، الذي يجب أن يندمج مع هذه المتغيرات الملزمة، وبكل تأكيد لن يخرج الأردن من هذه المعادلة وقد تكون له الريادة السياسية التي بمثابة الغطاء لهذه التحولات، لا أكثر.

ـ المشهد العربي الأفريقي، مسار آخر مختلف إلى حد كبير، تعمل القوى الدولية على حل توافقي موقت لملفاته (ليبيا ـ السودان ـ ودول القرن الأفريقي)، وقد شاهدنا انسحاب القوى الإقليمية التي حاولت لعب أدوار على الأرض، والاستعداد التركي للانسحاب من ليبيا، وهذا عائد لاعتبار رئيسي ومهم، أن التحديات الذاتية أقل بكثير مما هي في شمال الجزيرة العربية، إلى جانب التداخل المباشر لمصالح القوى الدولية: أميركا ـ روسيا ـ إيطاليا ـ فرنسا ـ بريطانيا، والتي تحتاج إلى تفاهم وتنسيق وتوزيع للأدوار، وفقاً للحضور التاريخي لها في أفريقيا، ومناطق النفوذ ومكامن الموارد.

فالمشهد العربي في هاتين الزاويتين، يقوده ما يمكن تسميته، بالتخادم الدولي ـ الإقليمي، على حساب المصلحة العربية ومستقبلها السياسي، وتدعم نجاح هذا التوجه المأزوم، عوامل عربية عدة منها:

o انشغال الذهن العربي على المستوى الرسمي والشعبي، بمجموعة من التحديات المختلقة التي قد لا تخلو من حقيقة ولكنها مضخمة إلى درجة أنه يصعب هضمها ذهنياً، وأبرزها ما يمكن تسميته بالخلافات العربية البينية، إلى درجة التصادم في إطار الحزبيات، وما يقابلها من المنهجيات الفكرية (الأصولية أو المتحررة).

o غياب المؤسسات القومية العربية “الجمعية”، سواء في إطارها الشامل (جامعة الدول العربية)، أو الإقليمي (مجلس التعاون الخليجي)، وتحييدها عن لعب أي دور فاعل في الملفات العربية، (الملف السوري ـ العراقي ـ اللبناني ـ اليمني ـ الليبي)، بل وتغييب دورها في أن يكون لها مرشحون أو ممثلون في المبعوثين الأمميين لهذه الملفات، فضلاً عن أن يفتح لها المجال لأداء دور عربي فاعل.

o المغذيات “الناعمة” لخدمة هذا المشروع: هذه المغذيات فاعلة كثيراً في المؤسسات الإعلامية (التلفزيونية  والصحافية) العربية وبخاصة وليدة المؤسسات الإعلامية الدولية، فهي تتظاهر بولاءاتها الوطنية العربية، ولكنها عملياً تخدم المشروع الأممي في المنطقة العربية، ويستثنى من هذا المؤسسات الإعلامية المحلية بمعنى المؤسسات التي تعمل من داخل الدول العربية والتي تتبع وزارات الإعلام في دولها. إلى جانب هذا، تبرز المحركات الفاعلة في وسائل التواصل الاجتماعي (تويتر، فايسبوك) والتي تديرها منظومات عمل مجهولة، بما يمكن تسميته “خفافيش وسائل التواصل”.

ـ ولإيضاح الصورة في سياق “المغذيات الناعمة ـ والتخادم الإقليمي” أعرض هنا خلاصة لدراسة سبق لنا عملها من خلال تحليل تقني للتعاطي مع (هاشتاغ/ وسم) في موضوع محلي في إحدى الدول العربية، في وسائل التواصل المفتوحة (تويتر ـ فايسبوك ـ سناب شات)، خلال فترة زمنية محددة، وخلاصة النتائج:

* قرابة/ 650 ألف مادة صادرة من داخل هذه الدولة.

* أكثر من مليون وأربعمئة ألف مادة صادرة من بريطانيا.

* أكثر من مليونين ومئتي ألف مادة صادرة من أميركا.

* 73 في المئة من النشطاء المحليين المشتركين في الحملة الإعلامية موضع البحث على اتصال بالدول الأجنبية أو المنظمات الدولية.

* 32 في المئة من الناشطين هم شخصيات “خارجية” تؤثر بصورة مباشرة أو غير مباشرة في تفعيل الموضوع.

* المنظمات المساهمة في حملة الهاشتاغ 80% مؤسسات أجنبية ـ 20% مؤسسات إقليمية ـ خلاصة المشهد العربي القادم :

هذه المؤشرات التي عُرضت “موجزة” للحالة العربية التي دُرست، تبرز دور المغذيات الناعمة، والتي تتوازى مع التخادم الإقليمي والدولي، للدفع باتجاه تحقيق المشاريع الدولية في العمق العربي، بما لا يخدم الأمن القومي العربي، وخلاصة المشهد العربي:

1. دخول العالم العربي (في كثير من أجزائه) في حالة من فقدان الهوية والكيان إلى مرحلة تابعة لمكونات (عرقية ـ دينية ـ طائفية/أعجمية).

2. تعميق دور (الأقليات العرقية والدينية) مقابل الأكثرية العربية في عدد من الدول، لتكون بمثابة المحركات والموجهات للخيارات السياسية القادمة في أجزاء متعددة من العالم العربي.

3. إعادة تنظيم شمال الجزيرة العربية (العراق وسوريا) وفق مكوّنات “جيوسياسية” جديدة ملحقة بالحضانات الإقليمية الثلاث “إيران ـ إسرائيل ـ تركيا”.

ـ هذه الفرضيات المحتملة مبنية على قراءة للوقائع الحالية، وقد تظهر متغيرات جديدة (وهي محتملة كثيراً)، تغيّر من المعادلة أو تعطلها، ومنها:

1. تحرك صيني ـ روسي تحت مفهوم “محور الشرق” القائم على مصالح واستراتيجيات “منظمة شنغهاي وذراعها/طريق الحرير” فتقف في مواجهة الإرادة الأميركية الأوروبية، من زاوية تقاطع المصالح في المنطقة.

2. ظهور أزمات دولية موازية (أقربها اقتصادية) بسبب الانعكاسات السلبية لكورونا، وقد تكون منظمة لتعميق الأزمات الأميركية والأوروبية، وإعادة ترتيب القوى الفاعلة.

3. ظهور تحالفات (عربية ـ روسية)، (عربية ـ صينية) جديدة، تحفظ توازن القوى الدولية في المنطقة العربية.

4. تفعيل التوجه الروسي القوي نحو أفريقيا (منتدى روسيا وأفريقيا) وما أطلقت عليه سابقاً مصطلح “الأفرو ـ روسية” وهو مسار جديد متعدّد الاتجاهات، ليس في مواجهة أميركا فقط، بل والدول الأوروبية التي تراهن على حضورها التاريخي (الاستعمار الغربي) للدول العربية والأفريقية.

ـ هذه القراءة، وإن كنت أرى أنها واقعية، وفقاً للمعطيات، إلا أني أسوقها هنا في سياق تحفيز الإرادة العربية في مختلف المستويات من خلال استحضار مهددات الأمن العربي للعمل الحقيقي للحفاظ على ما تبقى من الكرامة العربية، وإعادة النظر في مسارات الروابط والعلاقات العربية، وترتيب الأولويات، وبناء الشراكات (البينية والدولية)، وتحييد المغذيات السلبية.

‏(والله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون).

*رئيس مركز الإعلام والدراسات العربية ـ الروسية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى