أقلام وأراء

محمد عايش يكتب – هذا هو أخطر ما في اتفاق التطبيع

محمد عايش *- 1/9/2020

أخطر ما في الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي هو أنه يُشكل قفزاً على الفلسطينيين وتجاهلاً لهم ولوجودهم، وهذا ما يعني أنه يصب في مصلحة المساعي الإسرائيلية الرامية إلى سحق أي وجود فلسطيني، أو تمثيل رسمي للفلسطينيين، بما في ذلك تجاهل وجود منظمة التحرير الفلسطينية.
اتفاق أبوظبي مع تل أبيب، اتفاق منفرد نتج عن مفاوضات سرية، لم يتم إطلاع الفلسطينيين عليها، ولا على مضمونها، وما حدث هو أن عرَّابي هذا الاتفاق استخدموا الفلسطينيين فقط كشماعة للمتاجرة بهم، عند الادعاء بأن إسرائيل تراجعت عن قرار ضم أراضٍ من الضفة الغربية، وهو ما كذّبه نتنياهو لاحقــــاً، وكشف أن الاتفاق لم يتطـــرق لقرار الضم أصلاً، وأن لا شيء تغير على القرار، وأن قرار التأجيل تم اتخاذه قبل التوصل للاتفاق التطبيعي مع الإمارات، كما أنه قرار تأجيل وليس إلغاء.

“لأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، تتصدر دولة عربية لإقرار وضع جديد يتعلق بالقدس المحتلة، والمسجد الأقصى “.

لكن ثمة ما هو أخطر بكثير من قصة القفز على الفلسطينيين، وتجاهل وجودهم والتحالف مع عدوهم على حسابهم، وهو أنه لأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، تتصدر دولة عربية لإقرار وضع جديد يتعلق بالقدس المحتلة، والمسجد الأقصى، من دون الرجوع إلى أي مرجع فلسطيني أو عربي أو إسلامي، وبغياب كامل لجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، ومن دون أن يكون لدى الفلسطينيين – أصحاب الأرض- أي علم بذلك. الاتفاق ولأول مرة يختصر حق المسلمين بالمسجد الأقصى وحده، وليس بالحرم الشريف، الذي يسميه الإسرائيليون «جبل الهيكل»، والذي تبلغ مساحته 144 دونماً.. هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها استخدام كلمة المسجد الأقصى، وليس الحرم الشريف، أي أن حق المسلمين يقتصر على مبنى واحد داخل الحرم وهو «الجامع القِبلي»، وهذا نص بالغ الخطورة، كما أن الاتفاق يعترف بحق أبناء كل الأديان بالصلاة داخل الحرم الشريف، وهذا هو أول إقرار في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي بحق المستوطنين الصهاينة، بأن ينفذوا اقتحامات يومية للأقصى، أي أن ما نسميه اليوم «اقتحام» سوف يُصبح بموجب الاتفاق الإماراتي «صلاة».

واقع الحال أن اسرائيل تريد بدائل عربية من أجل فرض ما تريد على الفلسطينيين، وهذا هو جوهر «صفقة القرن» التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ورتبها وهندسها مستشاره المقرب من الإسرائيليين جاريد كوشنر. حيث تقوم الصفقة على فكرة تجاوز الفلسطينيين والتعامل معهم على أنهم أقلية عرقية، داخل دولة تُسمى «اسرائيل» وعليه فإنه يتم منحهم حقوق الأقليات، من دون الحق في بناء دولتهم المستقلة. كما أنَّ مشروع كوشنر يقوم على «تعريب» قضية القدس والمسجد الأقصى، وهي في الحقيقة قضية عربية إسلامية، ولا خلاف على ذلك، لكن ما يريده كوشنر هو أن يتم تسليم أمر رعايتها لأنظمة عربية متحالفة مع إسرائيل، بما يجعل تل أبيب تجد طرفاً عربياً مقابلاً يقوم بالتوقيع على بياض، والموافقة على كل ما يريده الاسرائيليون في المدينة المقدسة.

الصيغــــة التي يريد الإسرائيليون والأمريكيون فرضها لا يمــــكن أن يوافق عليها أي طرف فلسطيني ولا أردني، وهي انتهاك واضح لكافة الاتفاقات السابقــة التي وقعتها إسرائيل مع العرب، بما في ذلك معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية، ولذلك تلجأ تل أبيب الى شركاء خليجيــين جـــدد وهـــم أنفســـهم سبق أن مارسوا ضغوطاً على السلطة، وعلى الأردن، وجوبهت هذه الضغوط بالرفض والمقاومة، والآن قررت هـــذه الدول الخليجية القفز نحو اسرائيل مباشرة والتــنازل للاسرائيليين عما لا يملكونه أصلاً.

٭ كاتب فلسطيني .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى