#أقلام وأراءدراسات وتقارير خاصة بالمركز

السفير ملحم مسعود يكتب – الحكاية الأوروبية (2)

السفير ملحم مسعود – اليونان 24.7.2020

كان الطريق الذي سلكته أوروبا في عملية التوسيع والتمدد , سالكا إلى أن أصبحت على ماهي عليه اليوم كتلة عالمية حاضرة وفاعلة مكونة من 27 بلدا  تتمحور في القارة الأوروبية التي إتسم تاريخها بالصراع والتنافس على السيطرة وبسط النفوذ … بين الامم ومحاولة الهيمنة والتفوق , تُحرك التاريخ وتصنع المستقبل في أكثر الحالات , ويوضح المؤرخ البريطاني ” بريندان سيمز ” في كتابه ( أوروبا … الصراع من أجل الهيمنة من 1453م إلى الان ) وفي سرد الكاتب الطويل في تتبعه تاريخ القارة الأوروبية من الصراعات والحروب المتواصلة التي رسمت حاضرها اليوم …  بعدما تركت ندوبا غائرة في وعيها ما زالت آثارها مستمرة حتى وقتنا هذا … 

وليست المساعي الأوروبية للتكتل ضمن إتحاد إقتصادي وتجاري كبدايات (كما ذكرنا في مقالنا السابق ) سوى محاولات لمنع صعود قوة بعينها تهيمن على الآخرين … وبين القوى الأخرى المتوجسة والساعية  إلى صدها … ما زالت رواسبها  لا حصر لها لمن له عين وبصيرة … دون ان ننسى ونحن نتحدث عن أوروبا وما لها وما عليها لتفهم أكثر واقرب صعوبة (العبور … ) التي تم إنجازه في الأيام السابقة بعد (  مخاض ) طويل إستغرق أيام في إجتماع مارثوني   لم يخلوا من (لكمات … وإشارات … ودية  .. الخ ) أراد من أوروبا الموحدة إيداعها في كتب التاريخ . 

نعم هذه أوروبا التي  لا تتجاوز مساحتها 7 % من إجمال الكرة الأرضية , إستطاعت منذ عام 1800 السيطرة على 35% من إجمالي الأرض … وتوسعت هيمنتها في  1914 لتشمل  84% من الكرة الأرضية … لكن الصراع الدامي كان على أرضها … 

في إنجلترا …  بين الأسر المتنافسة على الحكم … وتوالي صعود الإمبرطوريات وسقوطها … وحصار العثمانيين لفينا مرتين , وإنقسام الدول وترسيم الحدود … وكانت حرب الثلاثين سنة بما تضمنته من صراع ديني وسياسي كان محركه الاول من يسيطر على القارة … وفي هذا السرد السريع  كيف ننسى حرب المائة عام بين فرنسا وبريطانيا وتداعياتها . 

 إن سمة هذه الحروب والصراعات المتواصلة ومسبباتها  الكامنة كما  نقراها في كتب التاريخ  , خوف الأوروبيين من محاولات توحيد  ” الدول  ” والهيمنة  تحت قبضة قوة واحدة تسيطر على أكبر وأكثر مايمكن . وإذا تركنا صفحات تاريخية قديمة والمخاوف المتنامية  التي سببتها عقب تشكيل الإمبراطورية الرومانية المقدسة بقيادة الملك تشارلز الخامس , وما قامت به من توسعات شملت الأراضي الناطقة بالألمانية والأراضي المنخفضة , بالإضافة إلى إسبانيا ومستعمراتها في أمريكا اللاتينية .

إمتدت محاولت الهيمنة أيضا إلى المساعي الفرنسية بقيادة الملك لويس الرابع عشر , ولاحقا بزعامة نابليون الذي سعى إلى غزو أوروبا , وليس إنتهاءً بالمحاولة الناجحة “لبيسمارك ” الذي وحًد الإقطاعيات الناطقة بالألمانية في عام 1860 في دولة قومية كانت إيذاناً بتعاظم المخاوف الأوروبية .فألمانيا الموحدة أثبت التاريخ ان طموحاتها يصعب لجمه , ليتحول التاريخ الاوروبي , منذ لحظة توحد ألمانيا إلى صراع لمنع صعود العملاق النائم , أوخلق مناطق عازلة على حوافها تحول دون تمددها , وأصبحت ألمانيا المسالة الأساسية في أوروبا يتصارع على ردعها الفرنسيون غربا في حربهم مع أسرة آل ” هابسبورج ” الحاكمة , وروسيا القيصرية شرقا .

يبدو أن المخاوف الأوروبية تأكدت مع توالي السنوات , عندما إنخرطت ألمانيا في الحربين العالميتين الأولى والثانية , ثم إنقسامها خلال الحرب الباردة … ولا يخفى أن الوضع الجديد الذي تمخضت عنه ألمانيا المنقسمة  كان قد أراح الأوروبيين كثيرا …  و رغم خلاف  ( لون ) الحكم في كليهما … ومهد الطريق لإعادة المانيا إلى المنظومة الأوروبية , وحتى بعد سقوط جدار برلين وتوحد الألمانيتين مجددا … سارع الفرنسيون لتقليل المخاوف من القوة الألمانية، عبر دمجها  في إتحاد أوروبي فيدرالي … ساعد على ذلك حكمة وتعقل القيادات الألمانية “أديناور … وخلفائه “  مما سهَل عملية الدمج داخل الهيكل الأوروبي , وتشكل مع فرنسا اليوم حجر الرحى في النظام الأوروبي .

اليوم نجد ان هذا النظام قطع اشواطا ً كبيرة على طريق  الوحدة … وإدماج الدول الاوروبية في كيان واحد , حيث بدا بإتفاق تجاري متواضع ضم ست دول عام 1975 . وبحلول عام 1982 توسع ليضم 12 دولة وإرتفع العدد بعد عقد واحد إلى 15 دولة … ثم فجاة إلى 25عضوا عندما إنضمت 10 دول جديدة أغلبها من أوروبا الشرقية إلى الإتحاد الأوروبي عام 2004 (إن هذا التوسع الجديد والمفاجئ  رغم السلالة التي رافقته , والآمال العريضة التي بعثها في نفوس الأوروبيين بتحقيق حلم أوروبا الموحدة … كان هذا الإنضمام … مصدر قلق وتخوف لدي دول وسط أوروبا مثل ألمانيا والنمسا التي تتجاور مع معظم هذه الدول المنضمة حديثا إلى الإتحاد). 

وبات من الواضح أن ” نضج ” مفاهيم الإندماج  الأوروبي  لا تعني المكاسب فقط وهي مؤكدة  … لكن على الدولة الجديدة أن تكون مجبرة على إدخال الإصلاح  الديموقراطي , وإحترام  حقوق الإنسان أي  تنسجم مع المعايير المعمول بها  داخل الإتحاد  (الأمر الذي لم يحدث تماما من قبل  هذه الدول)  كما تتخوف دول وسط اوروبا أيضا  من التاثيرات السلبية للعمالة المهاجرة على التوازنات الإجتماعية والإقتصادية الدقيقة  في الدول الغنية . لكن مع ذلك هناك من يقلل من شان تلك المخاوف … وأرجع احدهم ( عضو برلمان بريطاني سابق ) ان الخوف من التوسع الأوروبي , إنما هو راجع إلى تأثير العولمة … وليس التوسع في حد ذاته.

كل هذا جعل المسؤول  الأعلى في الإتحاد الأوروبي  “خوسي مانويل باروسو “ ان يصرح  حينذاك : أن الوقت ربما حان كي يلتقط الإتحاد الأوروبي أنفاسه قليلا موضحا ” نحن ” لسنا في وضع يسمح فيه الإتحاد الأوروبي لنا بإدماج المزيد من الدول الأوروبية دون إدخال إصلاحات مؤسسية على الإتحاد تساعد على الرفع من قدرته على إستيعاب دول أخرى …

هذا هو حال اوروبا  ” الحديثة ” …  اوروبا اليوم …  والتي يتكون هيكلها المعاصر من 27 دولة يحق لكل منها … حق الإعتراض … الفيتو  ( وهذه حكاية … أخرى )  تعمل وتتعاون فيما بينها في السرّاء والضرّاء. 

إجتمعوا قبل أيام في مواجهة اكبر وأخطر تحدي تواجهه أوروبا …

معركة  أن نكون او لا نكون ؟؟؟

وللحديث بقية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى