بكر أبوبكر يكتب – مصداقية التنظيم وصورته
بكر أبوبكر – 24/7/2020
مازالت التنظيمات السياسية والأحزاب تمثل حقيقة الربط بين المكوّنات والشرائح الشعبية المتنوعة في البلد، لذا فإن وجودها يعدُّ مدخلا هامًا للجذب، والتكتيل، وتشكيل الرأي العام أو التأثير فيه.
العمل السياسي هو عمل التنظيم السياسي، وهو يعني جذب الأعضاء واقناعهم بالقضية العامة وتثقيفهم وتدريبهم، وجعلهم جنودًا متطوعين ينخرطون في فعل النضال، لا سيما وتعدّد مجالاته هذه الأيام، فلم يعد مقتصرا كما كان الأمر بالثورة الفلسطينية قديمًا ما بين العمل العسكري والعمل السياسي الصرف (وبعض المجالات الأخرى) بحيث عنى حينها العمل السياسي العمل السلمي فقط -بعيدا عن التعريف الحقيقي لمفهوم السياسة- وفي مواجهة مفهوم العمل العسكري.
الأدوار المعتادة للتنظيم السياسي وخاصة الثوري منه أي التغييري والتقدمي هو التجميع والتكتيل والتحشيد نحو القضية أو الفكرة الأساس، ونحو الفعل المستند للهدف. وإن كانت النوازع العاطفية تلعب دورا هاما بعد النكبة عام 1948م لارتباط العديد من اللاجئين الفلسطينيين بأرضهم وممتلكاتهم وبلدهم، فأنها اليوم قد لاتكفي فيها مثل هذه الارتباطات العاطفية فقط، التي يتم تناقلها إلى الأحفاد، على أهميتها، ما يعني أن فكرة الاستناد للعاطفة الجيّاشة للجماهير، والشعور الوطني المفترض فقط، قد لا تمثل اليوم مبررًا قويّالاستقطاب الكثيرين في طوفان الأفكار وغزو الشابكة (انترنت) والتقاطعات ما يُلقي على التنظيم السياسي الثوري النضالي عبئا جديدًا يفترض اتباع أساليب وأصول عمل تضاف للأساليب القديمة من: جلسات وتقارير وتثقيف وتكليف ولقاءات وهو ما درجت عليه التنظيمات السياسية عامة.
عالم اليوم ونحن في العام ٢٠٢٠ أصبح عالمًا متراكبا، وليس بسيطا يتناثر ويتأثر فيه الإنسان بين شتى الفِكَر والمغريات والقضايا والمُلهيات، فلم يعد من السهل أن تصل لكل شخص بالوسائل القديمة فقط، وأصبحنا جميعا بحاجة لفهم جديد للعلاقات ثنائية الاتجاه، تفاعلية، وليس أحادية الصلة حيث كان يقف الناس بانتظار كلمة الزعيم أمام الرائي (التلفزة) أو ينتظرون النشرة أو التعميم ليقرأوه!
إنك بحاجة لعلاقات وصِلة جديدة تبادلية -حيث تسمع كثيرا وتتكلم قليلا وتعمل أكثر- مع الناس تأخذ بمباديء الكياسة واللباقة وحسن الوصول لكل فرد.
بناء علاقات وطيدة
السياسة حياة الناس، والسياسي هو من يصنع للناس أسس حياتهم وفق متطلباتهم واحتياجاتهم، والسياسة قدرة على التعامل مع الضغوط والمتغيرات، والسياسة فن إدارة المؤسسة أو الدولة، والسياسة تشكل أيضا أحد أركان العمل التنظيمي التي تحتاج لاستيعابها ونشرها ليس فقط للدعاية التنظيمية (الحزبية) وهي أحادية الاتجاه، وإنما تحتاج لبناء تنظيمي صلب يقوم بدوره في البناء الجماهيري بعلاقات غير موسمية، وأنما بعلاقات طويلة الأمد عبر التالي:
١- بناء العلاقات اليومية الدؤوبة(تبادلية الصِلة)غير منقطة الصِلة مع الأشخاص المستهدفين أو الأعضاء في التنظيم، ومع المجتمع.
٢-تحقيق التطوير الذاتي لكل عضو، والجماعي المنظم لكل خلية أو فريق عمل، و المستمر عبرالدورات والندوات والتكليف بالنشاطات، وبالنسبة للجمهور عبر التزاور والخدمة والحملات الواعية المستمرة.
٣-بناء علاقات صلبة مع أفراد أساسيين (مفاتيح أو دعاة، أوكوادر متقدمة، أو شخصيات مؤثرة) من خلال تكثيف الاتصالات والبرامج والدورات والدعم المستمرلهم بلا تقصير معهم، فهم الضمانة وهم الاستقرار وهم قناة الوصول للأخرين.
الجمهور والصورة والمصداقية
إن من أركان الوصول للجمهور التي يحتاجها التنظيم السياسي اليوم عليها أن تتبع مجموعة من القيم والمباديء الواجب التحصن بها مثل:
١-بناء السمعة أو الصورة التي يجب أن يظهر بها التنظيم. ومما لا شك فيه أن التنظيم يشكّل صورته الميدانية بنموذج مجمل تصرفات أعضائه ووحدة خطابهم وطريقة تعاملهم مع الناس.
٢-تكريس المصداقية مع الأعضاء وحتي مع الخصوم، وهي تأتي من خلال الموضوعية بالطرح، دون إنكار للفعل المخالف أو الفاسد في حدوده وموضعه، ودون تقديم وعودات لا تستطيع الإيفاء بها، أو الانخراط فيما لا تعلم، أو الدفاع عما لا تفهم، والمصداقية بتناغم الخطوات التي تقوم بها بين القول والفعل فتكون قدوة تُضاف لآخرين.
٣-السرد الناعم –وهو مصطلح مستخدم في الدبلوماسية العامة- فلم يعد للجبر والقسر قدرة على الوصول لقلوب الناس،كما في التنظيمات الأيديولوجية الاستبدادية المغلقة ، كما لم يعد للاتكاء على قوّة الفكرة لوحدها، أو على العواطف الجيّاشة، خاصة في ظل المنظمات والدول الديمقراطية ما تحتاج معه للطرح الكيّس والفطِن واللطيف والناعم، وبالطبع ذو المصداقية والموضوعية.
٤-تثبيت الرواية: تمثل الرواية طرح المنظمة (أو البلد) للواقع أو للأحداث، والقرارات، وحيث تعتمد في طريقة البناء على تفهّم عقول الآخرين، وتخوفاتهم، وعلى تنوعهم، واستيعاب مفاهيمهم واختلافاتهم، ومخاطبتها.
٥-التنوع للطرح سواء من حيث طرق التناول أو تغيّر شخوصه المتناولين للطرح، أوأدواته،التي تتكامل بين اللقاءات المباشرة الضرورية وبين التواصل الالكتروني الاجتماعي.
٦-الصلابة والمرونة: في مقابل صلابة التوجّه نحو تحقيق الهدف، فإن المرونة مطلوبة، والمرونة المقصودة هي في الرسائل المبثوثة (طريقة طرح الأفكار) وبناء العلاقات مع الجميع ضمن دوائر متعددة (الأصدقاء والأنصار والجماهير)، وطرق تنظيم الحملات وبناء الشبكات مع الجميع ومع الجهات الفاعلة في المجتمع المدني.
7-فتح الباب: يجب ألا يكون الباب مغلقا بين التنظيم السياسي وأعضائه مع الناس، على الأرض وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، بل مفتوحا وتبادلي الصلة من أخذ ورد واستماع وإصغاء أكثر من الكلام، بعيدا عن الوعظية والفوقية والاستعراضية، اواستصغار الجماهير واتهامها، بل بعقلية الفهم والتقبل والرحابة.
إن بناء العضو والكادر وتثقيفه وتدريبه والاهتمام بعقله وروحه وجسده وتنمية مفاهيم الأخلاق والقيم بالتطبيق والقدوة، هو في حقيقته يمثل الواجب الأبرز للتنظيم السياسي اليوم، ليكون قادرًا على رسم الصورة المشرقة للتنظيم أمام الجمهور مباشرة او من خلال الوسائل الاتصالية الجديدة، والا فإنه لا قيمة لشعارات جميلة غير قابلة للتطبيق، أو شعارات هي بالحقيقة تتعارض مع القدرة أو تتجاوز الطاقة، أو تستخدم للتعمية والتموية أوالاستغلال غير الواقعي للعاطفة الوطنية أو الدينية.