السفير ملحم مسعود يكتب – لٍمن قرع النواقيسُ

السفير ملحم مسعود – اليونان 19.4.2020
مساء اليوم … سبت النور .. وهو آخر يوم في أسبوع الآلام عند المسيحيين …. في اليونان … وفي كل مكان حيث يستعد فيه المسيحيون لعيد الفصح , أو “عيد القيامة ” الذي يوافق الأحد، ويرمز إلى ” قيام ” المسيح عليه السلام حيث تبدأ الإحتفالات قرابة الساعة الحادية عشر مساءا بتجمع القوم في ساحة الكنيسة التي تكون قد إمتلأتبالمؤمنين مبكرا … حيث يقام قداس عيد القيامة مع منتصف الليل … وتختم مع الساعات الأولى من صباح يوم الأحد .
في هذه الأجواء الروحية تكون فرصة إجتماعية للتواصل وتبادل التهاني والتمنيات الطيبة …
الليلة لن تكون هناك إحتفالات بهذه المناسبة في أنحاء اليونان و أماكن أخرى كثيرة ,رغم إقامة الصلوات لكنها جرت من راعي الكنيسة واركانها بلا حضور او مشاركةالمؤمنين , وعلى أصوات دق نواقيس الكنائس التي لم تتوقف … معلنة عن قيام المسيح عليه السلام .
مساء اليوم تكون ” شعلنة النور ” قد وصلت أو في طريقها إلى البلاد التي تجلبها الدولة من القدس الشريف عل متن طائرة خاصة يرافقها وفد عال المستوى من الكنيسة اليونانية … (وصلت فعلا قبل ساعات ) ولكن لن تتوزع فور وصولها كالمعتاد في عموم الكنائس في البلاد هذه المرة … بسبب ظروف الحجر الصحي على أن يتم توزيعها لاحقا , وهي حسب معلوماتي ستبقى مضيئة في مقر كنيسة ( بطيركية القدس ) في العاصمة اثيتا …
أكتب في هذه اللحظات … من قرية يونانية صغيرة أعيش فيها منذ زمن … وأجتر ذكريات … على صوت قرع أجراس الكنيسة , الخالية الوفاض من المؤمنين … و اهلها وسكانها الذين يشكلون بضع مئات من المزارعين والمتقاعدين السعداء في قريتهم وفي وطنهم .
أكتب وما زلت أسمع … وأنا في الحجر … وفي أشد الحاجة للقرب في زمن التباعد الإجتماعي قرع الأجراس … وانظر نحو السماء واتساءل لمن تقرع النواقيس .
وكل عام وانت بخير
أردت ان أترك الكتابة في موضوع الكورونا … لكن لم تتركني الكورونا … واعني الكتابة … والحمد لله , و العودة لكم لإستكمال مسلسل ” حروب المياه ” وخصوصا امام التشجيع الذي لاقيته من أصدقاء وأعزاء وقراء طالبين من الموقع المزيد من الدراسات والتحليلات على موقعنا … لكن هناك ما يقال وخصوصا بعدما عرًى فيروس كورونا منظمات دولية وغيرها :
الشئ المفرح ما يدور في أروقة المعامل والمختبرات في بلاد عديدة وكانهم في صراع مع الزمن للوصول إلى لقاحات وعلاجات لهذا الوباء … والكل متفائل . كذلك إعادة ( صناعة ) المؤسسات الدولية , وخصوصا الأمم المتحدة , ومنظمة الصجة العالمية .
بعيدا عن تهريج الرئيس الأمريكي وتوجيه الإتهامات مبكرا إلى الصين وإستبعاد نظرية المؤامرة… يبدو أن شئ حدث في الصين !!!
ولا أريد أن أدلو بدلوي حول تفاصيل علمية في ذلك الموضوع المعقد … لكن تصرفات ” الاصدقاء ” في بكين جعلتهم موضع شبهة … ويبدو أن هناك إهمال بالتأكيد في التعاطي إعلاميا عند بدأ الأزمة التي لم ُيقدر حجمها وخطورتها ( دون أن ننسى غياب منظمة الصحة العالمية ) التي لم تتفاعل بالسرعة الكاملة وإعلان الإستنفار العالمي … وإتخاذ الإجراءات الإحترازية الضرورية في مثل هذه الحالات في الوقت الضائع . بل على العكس من ذلك جاءت التغريدة الكارثية لمنظمة الصحة العالمية … التي جاء فيها بأن هذا الفيروس لا ينتقل بين البشر . وكان الرئيس الأميركي قد اتهم منظمة الصحة العالمية بالفشل في القيام “بواجبها الأساسي” إزاء وباء كوفيد و وقرر تعليق المعونات عنها … في الوقت الخطا .
ثمة حكمة قديمة ومجربة هي عصارة التجربة الإنسانية في أسوأ اختراع أنجزته البشرية، أي الحرب، تقول: “لا يجوز تغيير الخيول خلال المعركة“. ومن تاريخنا نتذكر أن خالد بن الوليد طبق هذه الحكمة حين أخفى قرار الخليفة الفاروق القاضي بعزله من قيادة جيوش الفتح العربي الإسلامي خلال معركة اليرموك ثم نفذ القرار فور انتهاء المعركة بانتصار جيشه وهزيمة الرومان وسلم القيادة للصحابي القائد أبي عبيدة بن الجراح.
من جهة أخرى لن يصدق عاقل أنها حرب بيولوجية من قبل الصين , والأسباب الداحضة كثيرة … لسنا بصددها في هذا المكان والزمان . وكل المعلومات تشير إلى أن ضحايا الكورونا في الصين أكبر بكثير مما ذكرتها وسائل الإعلام هناك .
وهناك فرضية تتردد في مراكز الأبحاث والمؤسسات العلمية أن فيروس الكورونا ( فَلت … ) من زمام المختبرات وخرج بالخطأ من خلال الأبحاث … وإنعدام الإحتياطات الصحية اللازمة .
كذلك شهدت العلاقات الصينية الفرنسية في الأيام الماضية توترا ملحوظا , لم تتردد القيادات الفرنسية بتوجيه إنتقادات لاذعة للصين , الموقف الذي يصب ضمنا فيالتوجهات الأمريكية والبريطانية . . وجاءت انتقادات إيمانويل ماكرون في إطار حديث لصحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية . واهم ما جاء فيها أن هناك ( مناطق غامضة ) في الشفافية في الإفراج عن المعلومات الخاصة بوباء «كورونا فيروس» ويقول: “بوضوح أن أشياء حصلت ونحن نجهلها” … والإبتعاد عن ” السذاجة ” و الإعتقاد أن «إدارة الصين لأزمة كورونا كانت أفضل» مما قامت به الدول الغربية . وزاد الطين بلة نشر مقال خلافي على الموقع الرسمي للسفارة الصينية في باريس بداية الإسبوع الحالي تحت عنوان : “إعادة تصويب الحقائق المزورة”.
وأصبح الحديث الآن عن ضرورة مراجعة وتطوير منظمة الصحة العالمية و دورها الفعال, لتكون قادرة وفاعلة وحاضرة لمواجهة الازمات في مثل الحالة التي يعيشها عالمنا اليوم , وبدلا من ان تكون مشغولة بالدفاع عن نفسها وتاكيد حيادها , والتي تواجه مأزقا بعد تعليق المساعدات الأمريكية لهذه المنظمة العالمية , إحتجاجا على أدائها وإنحياوها إلى الصين الأمر الذي لاقى إنقساما أمريكيا وعالميا .
مع التذكير ببعض نشاطات وإنجازات المنظمة الهامة في القضاء على شلل الأطفال ومكافحة مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) والملاريا والأمراض المعدية الأخرىلعمليات المنظمة في أفريقيا، أفقر قارات العالم التي تشهد أعلى معدلات وفيات للأطفال دون سن الخامسة بسبب أمراض يمكن الوقاية منها عبر التطعيم , كما تقود المنظمة حاليا جهود مكافحة جائحة كورونا ( ولو متأخرة ) وتقدم للدول النصح بشأن كيفية احتواء انتشار المرض. كما تنسق جهود البحث عالميا للوصول إلى عقاقير ولقاحات محتملة ضد كوفيد-
أخيرا : يأتي تمويل منظمة الصحة العالمية عبر طريقين :
١ – الاشتراكات المقدرة من الدول الأعضاء وتخصص لاستمرار الوظائف الأساسية للمنظمة.
٢ – والمساهمات الطوعية التي تقدم لبرامج محددة مثل القضاء على شلل الأطفال ومكافحة مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) والملاريا والأمراض المعدية الأخرى.
وحتى الآن لم يتضح ما إذا كانت الولايات المتحدة ستوقف مساهماتها الطوعية أم اشتراكاتها المقدرة أم الاثنتين معا.
تصل ميزانية المنظمة لعامي 2020-2021 التي أقرها وزراء الصحة في مايو الماضي إلى نحو 4.85 مليار دولار في المجمل، بزيادة تسعة في المئة عن الميزانية السابقة.
– وكانت من المسائل التي ناقشها الدبلوماسيون، عندما اجتمعوا لتشكيل الأمم المتحدة في عام 1945، إنشاء منظمة صحية عالمية , ودخل دستور المنظمة حيّز النفاذ في 7 نيسان/أبريل 1948- وهو التاريخ الذي أصبح يُعرف بيوم الصحة العالمي ويُحتفل به كل عام . و يعمل أكثر من 7000 شخص في مكاتب المنظمة المنتشرة في 150 دولة وستة مكاتب إقليمية إلى جانب مقرها الرئيسي في جنيف. وقد جاء في دستور المنظمة : “الصحة هي حالة من اكتمال السلامة بدنيا وعقليا واجتماعيا, لا مجرد انعدام المرض أو العجز “.