السفير ملحم مسعود يكتب – حروب المياه …1

السفير ملحم مسعود – 9/4/2020
كَتبت عن كورونا القليل … وكُتب عنها أكثر وما زالوا يكتبون , وتصدرت أخبارها وتطوراتها كل الأخبار … والكل يرقب وينتظر بين القلق والخوف على ما هو قادم … من تدهور الإقتصاد , ودخول مرحلة الإنكماش و الكساد , كذلك التحولات في العلاقات الإنسانية , كذلك نظم وتنظيمات دولية ,ومراجعة للعولمة , لتكون في حالة وحلة جديدة وأنا هنا في الإنتظارمعكم و الملايين في حالة الحجر … وغيرها , أتابع كل ما يكتب ويسمع في إنتظار خبر الإنحسار وبدأ عالم ما بعد …الكورونا . وتحت رغبة التغيير …لا الفرار في الكتابة في نفس الموضوع والذي يحمل كل يوم الجديد وسيبقى في صدارة الأخبار ووسائل الإعلام وحتى العودة للكتابة مرة أخرى… وهو بالتاكيد سيكون … إخترت هذه المرة الكتابة في موضوع :
” حروب المياه “
دفعني للكتابة في هذا الموضوع إهتماماتي بقضايا المياه والتي جاءت مبكرة , بعد ما سمعت مقولة ” حروب المياه ” لأول مرة وبقت لي علاقة خاصة في هذا الموضوع وتطورت الإهتمامات لا سيما خلال سنوات الدراسة الجامعية... في مطلع الستينيات.
لا أدعي اليوم أنني خبيرا أو مستشارا او متخصصا في هذا الشأن , خصوصا بعد تعدد المنظمات والهيئات الدولية والإقليمية في هذا المجال , وتزايد الندوات واللقاءات والمؤتمرات بشكل لا ينتهي … وتمحور إهتمامي في ابعاد الجانب السياسي خصوصا تداعيات الأزمات حين يندلع الصراع حول المياه , ساعدني في ذلك سنوات الدراسة الجامعية وظروف المناخ السياسي السائد واجواء الفرح العارم في البلاد في ذلك الوقت على بناء السد العالي… وسأعودلها.
إن المتابع لمشاكل المياه والجهود التي تقوم بها الدول و المنظمات والهيئات والمؤتمرات يدرك حجم التحديات التي يواجهها عالمنا , في ظل التغيرات المناخية والنمو السكاني , وإستنزاف المياه الجوفية , وتلوث المياه …الخ . تشير التقارير المهتمة بالمياه والبيئة إلى ان ثلثي سكان الأرض سيعيشون تحت اوضاع شح المياه بحلول عام 2025 , وعلى هامش التركيز على هذه الهواجس , وما تعنيه من ضرورة نشر الوعي بخطورة المشاكل المتعلقة بازمة المياه خصوصا مع تنامي الطلب على المياه بإزدياد , ونتائجها المؤذية… وطالما حذرت المنظمات الدولية من تفاقم أزمات المياه راسمة صورة قاتمة عن شح موارد المياه العذبة , في ظل ضعف الإستثمارات وسوء ادارة , وعدم الإهتمام السياسي بمشاكل المياه ومواجهتها … ومن الواضح إن الشعوب العربية اليوم في حاجة الى معلومات اكثر شفافية تجنبا لمخاطر الجهل بأهمية المياه والبيئة .
وإذا حاولنا رسم خارطة للمياه على كوكبنا هناك أكثر من 215 نهرا كبيرا مشتركا , إضافة إلى 300 بحيرة وأحواض للمياه الجوفية المشتركة مع دولة أودول مجاورة …. رغم كل هذا الكم المتوافر يمكن أن يتسبب بشاأن ملكية هذه المصادر وشرعية إستخدامها إندلاع النزاع والصدامات .
وتشير الأرقام إل أن 79 في المئة من مياه الأمطار تتساقط في المحيطات و2 في المئة في البحيرات و19 في المئة فقط على اليابسة من مياه كوكبنا .و تمثل المياه المالحة 97.5 في المئة . كما تكون المياه المالحة 79.5 في المئة على كوكبنا . ويخطئ الناس بالقول أن المحيطات تحتوي على كمية كبيرة من المياه , لكن الإستفادة منها للشرب (على الأقل ) فإن تكاليف التحلية باهظة جدا . أما القطاعات المستخدمة للزراعة فإن نسبة إستهلاكها الإجمالي تصل أحياناإلى 70 في المئة مقابل 10 في المئة للإستخدامات المنزلية , وهو رقم متواضع.
وإذا تركنا نهر النيل ومشاكل بناء سد النهضة في أثيوبيا جانبا ولو إلى حين , هناكبعض الأمثلة على بعض مناطق التوتر في العالم واهمية ” ضبط ” الصراع حول المياه , كما هو حال تركيا وجيرانها وأنهارها … ودولة إسرائيل والسطو على المياه العربية التي سنعود إليه حتما ... كذلك أيضا إنفجار الصراع بين أنغولا وبتسوانا وناميبيا حول عملية إستثمار مياه حوض ( أوكافانغو ) … وعندما حاولت الصين تحويل مجرى نهر ( براهما بوترا ) إعترضت الهند وهددت بالتدخل العسكري … وخلافات تشيكوسلافيا والمجر على نهر الدانوب … أما عن منطقة كشمير( الهندية الباكستانية ) والنزاع الدائر بين الجانبين وما تخفيه الأنهار الجارية في المنطقةوتداخلاتها الحدودية من الصراع الدائر لتأمين مصالحها … حدٍث ولا حرج …والخلافات بين كوريا الشمالية والجنوبية … ورغم العلاقات المتميزة بين كندا وجارتها أمريكا فإن تلوث البحيرات الحدودية المشتركة خلق أزمة عام 2006 كادت تستدعي تدخل القوات المسلحة .…الخ . يحدث هذا على الرغم من الإتفاقيات ألأممية والإقليمية الملزمة , مثل ” قواعد هلسنكي “ وغيرها التي تساعد في تفسير حقوق المياه بين البلدان , إلا أن هناك صراعات مريرة تتعلق بالبقاء وحقوق جر المياه , في الوقت الذي يزداد الطلب على النظام النهري الذي تجاوز الحد.
وصفت مجلة ” إكونمست ” في أحد تقاريرها منذ سنوات ازمة شح المياه في العالم بأنها أخطر من ازمة النفط لأن المياه ستصبح قريبا انذر من النفط وأغلى , وأوضحت المجلة أن عدد الصراعات على المياه في الشرق الأوسط أقل من الصراعات التي اندلعت بسبب موارد طبيعية أخرى مثل النفط … وهو ما يتحدى توقع الدبلوماسي والسياسيالمصري أمين عام الأمم المتحدة الأسبق رحمه الله بطرس بطرس غالي سنة 1985 بأن الحرب القادمة في الشرق الأوسط ستُخاض بسبب المياه وليس لدواع سياسية .
كما سبق ان قال الامير” خالد بن سلطان ” أثناء مخاطبته المؤتمر الدولي الثاني عشر لتكنولوجيا المياه الذي إنعقد في الإسكندرية ( 2008 ) مجددا تحذيره لضرورة وضع إسترتيجية تحول دون إندلاع حروب المياه ... و عن الشرق الأوسط أشار الرئيس التشيكي السابق ” فاتسلاف هافيل ” إلى أن إمدادات المياه النقية أساسي لتحقيق السلام في المنطقة .
أخيرا كانت دراستي الجامعية في العلوم الزراعية , التي لم تجذبني ابدا … لكن كانت قضايا الري … والصرف من المواضيع الدراسية التي جذبتني حقا , في جامعة أسيوط الحديثة نسبيا المدينة التي يحتضنها نهر النيل حيث كنت أرى من بيتي هذا المشهد ,والقناطر المقامة عليه ( بمثابة سد صغير ) ومن الجهة الأخرى وعلى أطراف الجامعة ترعة الإبراهيمية , وكنت مبهورا في هذه ألأجواء … تدفق مياه النهر منذ ملايين السنين لتصنع حضارة ظلت قائمة على ضفاف هذا النهر العظيم . والتي تعتبر احدة من أهم وأقدم الحضارات فى التاريخ البشرى … صحيح أن البشر هم من يبنون الحضارة، ولكن الطبيعة هي التي توفر شروط الحياة لهذه الحضارة , ولا نعنى هنا استعادة الجدل حول ما إذا كانت مصر هبة النيل أم هبة المصريين.
عرف هيرودوت اليوناني المولود 450 قبل الميلاد باسم “أبو التاريخ” لكتابة أول سرد كبير للتاريخ , ومن تسعة كتب المعلومات المختلفة عن بلاد الفرس والبابليين وغيرها لا يزال عمله مصدرا قيما للمعلومات عن تلك الفترة , وقد خصص كتابه الثاني للحديث عن مصر وفيه أورد مقولته الشهيرة :
” مصر هبة النيل “
وللحديث بقية …



