هآرتس – بقلم عاموس هرئيل وينيف كوفوفيتش – ببراعة وحشية واسقاط الانترنت : هكذا تنجح ايران في التغلب على موجة الاحتجاج
هآرتس – بقلم عاموس هرئيل وينيف كوفوفيتش – 27/11/2019
بعد أقل من اسبوعين على بداية موجة الاحتجاج الاخيرة في ايران فان اجهزة الاستخبارات في الغرب وفي اسرائيل تقدر بأن السلطات في طهران تغلبت على الاضطرابات. موجة الاحتجاج التي تسببت حسب تقديرات مختلفة بجبي ارواح 300 شخص تقريبا اعتبرت الانتفاضة الاقوى ضد النظام في ايران منذ الثورة الاسلامية التي في اعقابها استولى النظام على الحكم في العام 1979. مع ذلك، رجال المخابرات يشعرون بأن السلطات اظهرت وحشية وبراعة ونجحت في هذه المرحلة في كبح انتشار الاحتجاج.
الاضطرابات في ايران بدأت في نهاية الاسبوع في 15 تشرين الثاني على خلفية قرار الحكومة رفع اسعار الوقود بشكل كبير. هذا القرار اتخذ على خلفية الازمة الاقتصادية الشديدة التي ألمت بايران، في اعقاب العقوبات الشديدة التي تفرضها الولايات المتحدة. الاضطرابات اتسعت لتصل الى معظم مناطق الدولة وشملت المظاهرات والتجمعات والمواجهات مع قوات الامن في مئات المدن والقرى في ارجاء ايران. خلالها، اضافة الى القتلى (الذين من بينهم كان عدد من رجال الامن الذين اصيبوا في المواجهات مع المتظاهرين) اصيب كما يبدو اكثر من اربعة آلاف شخص وتم احراق مئات فروع البنوك ومحطات الوقود في ارجاء الدولة.
النظام في ايران ينسب هذه الاضطرابات لمؤامرة خارجية ويتهم اجهزة الاستخبارات الامريكية والبريطانية والاسرائيلية بالتحريض الذي أدى الى المظاهرات. وحسب تقدير الاستخبارات الغربية، ايران تعتقد أنه تجري ضدها حملة متعددة الابعاد بقيادة الولايات المتحدة كجزء من خطة مركزية هدفها اسقاط النظام. بالنسبة لهم، العقوبات الامريكية هي جزء من هذه العملية مثل الهجمات الاسرائيلية المتعمدة ضد تمركز ايران العسكري في سوريا.
القيادة في ايران قلقة، الى جانب التأثير المتزايد للعقوبات الاقتصادية، ايضا من ابتعاد معظم الجمهور عن قيم الثورة الاسلامية ومن هبوط شرعية النظام بالنسبة للمواطنين بسبب الاتهامات التي تقول بأن جهات رفيعة في قيادة الدولة فاسدة وابناء عائلاتها يعيشون في ترف.
في المظاهرات الاخيرة سمعت هتافات مثل “الثورة كانت خطأ”. في شهر شباط القادم يتوقع اجراء انتخابات للمجلس، البرلمان الايراني، وهناك تخوف في طهران من مقاطعة الجمهور للمشاركة في الانتخابات التي ستهز اكثر شرعية الانتخابات وشرعية النظام.
في المظاهرات الدورية، في ايام “الثورة الخضراء” الفاشلة في حزيران 2009 والسنوات التي تلتها، تناولت معظم الشعارات طلبات اقتصادية (بصيغة “خبز وعمل”)، والتذمر من وجود فساد واتهامات بشأن تزوير نتائج الانتخابات. منذ العام 2017 تنتشر في المظاهرات شعارات اكثر عدائية وفيها تصريح بأن الثورة الاسلامية كانت خطأ، ودعوة “الموت للديكتاتور”. الرد الشديد والسريع والعنيف للنظام على المظاهرات هو جزء من الدروس التي استخلصها من الاضطرابات في 2009 حول الحاجة الى قمع الاحتجاج في أسرع وقت قبل انتشاره.
على الرغم من غضب الجمهور في ايران في اعقاب اشتداد الوضع الاقتصادي ورغم الاضطرابات الشديدة التي واجهتها في الشهر الماضي، حكومتان صديقتان لايران، العراق ولبنان، يبدو أن النظام في طهران نجح في المواجهة مع الاحتجاج الواسع. في اجهزة الاستخبارات الغربية يصفون الاحداث الاخيرة في ايران كنتيجة للقمع العنيف: اضافة الى اعتقالات كثيرة وعنف شديد استخدم ضد المتظاهرين نجح النظام في ان يفصل بسرعة تقريبا كل مناطق الدولة والسكان عن الانترنت.
الفصل الذي خطط مسبقا كما يبدو كي يتم تنفيذه في زمن حدوث ازمة وتم تنفيذه بسرعة، فصل الجمهور في ايران بشكل كامل تقريبا عن العالم الخارجي خلال اقل من يوم. هذا الامر منع نشر الافلام القصيرة في الشبكات الاجتماعية التي فيها توثيق للعنف، الامر الذي صعب على المتظاهرين ومن يعارضون النظام تنسيق خطواتهم.
ايضا كان للفصل عن الانترنت تداعيات اقتصادية شديدة على النظام نفسه، تقدر بمليار ونصف دولار. في بداية الاسبوع عاد الانترنت للعمل في ايران بالتدريج. وفي يوم الاثنين وصل الى مستوى ربط يقدر بنحو 80 في المئة من المتوسط في يوم عادي. يبدو أن القيادة في ايران اتخذت القرار بسبب الضرر الاقتصادي الذي تسبب به الفصل، ومن خلال الشعور بأنها تسيطر تقريبا على الوضع ويمكنها مواجهة الاضطرابات. حسب معرفتنا، الولايات المتحدة ودول غربية اخرى لم تقم خلال الاحتجاج بخطوات لاعادة التقاط جزئي للانترنت في ارجاء ايران، رغم أن هذه الخطوات كان يمكن أن تساعد معارضي النظام.
رغم النجاح النسبي في القمع يمكن التخمين بأن غضب الجمهور الايراني للنظام ازداد وأن الاحتجاج سيتجدد مستقبلا بحجم اكبر. في المرة القادمة عندما تكون هناك ذريعة لاشتعال الاحتجاج. الوضع الاقتصادي في ايران يواصل كونه صعب. وقبل السنة المالية القادمة التوقعات تتحدث عن معطيات غير مسبوقة: نمو سلبي بنسبة 9.5 في المئة في السنة.
صحيح أن طهران نجحت في تجاوز جزء من العقوبات المفروضة عليها بواسطة صفقات سرية لبيع غير مباشر للنفط، لكن هذا غير كاف من اجل اعادة اصلاح اقتصادها. السلطات تقلص رواتب موظفي الخدمة المدنية على نطاق واسع وتضطر الى انفاق اموال من صندوق التنمية الوطنية الذي يتم فيه توفير الارباح من بيع النفط في محاولة للتغلب على الازمة. يبدو أنه في السنة القادمة لن يكون امام ايران أي مناص من القيام بخطوات تقليص واسعة اخرى.
ورغم الاحتجاج الشديد والانتقاد الموجه جزئيا بصورة محددة ضد الرئيس الايراني حسن روحاني المتماهي مع المعسكر الاكثر اعتدالا في النظام فقد جمعت القيادة في ايران صفوفها بسرعة ازاء الضغط الخارجي. الزعيم الروحي علي خامنئي لم ينتقد بشكل علني روحاني ولم يتهمه بالمسؤولية عن الوضع الذي نشأ، بل اعطى حتى الآن الدعم لخطواته. النظام ايضا لم يخضع للضغوط لوقف رفع اسعار الوقود التي كانت الذريعة للاحتجاج.