أقلام وأراء

مصطفى كركوتي يكتب – في مساعي إلغاء اللاجئين والدرع الأميركي لحماية نتانياهو

مصطفى كركوتي *- 30/9/2018  

منذ بروز قضية فلسطين إثر قيام دولة إسرائيل لم تتوقف محاولات إلغائها بدلاً من السعي إلى إيجاد حلولٍ لها. هذه المحاولات لم تقتصر على إسرائيل (ومعها الحركة الصهيونية العالمية) والولايات المتحدة، بل ساهم بعض سياسيي العرب فيها خلال مراحل مختلفة من سياق الأزمة عن عمد، لأسباب مكشوفة تتمحور في معظمها حول مصير نظمهم السياسي. آخر هذه المحاولات إعلان بنيامين نتانياهو عدم جدوى الأنروا ودعم دونالد ترامب المباشر له بقراره وقف المساهمة المالية لبلاده في ميزانية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين.

إدارة الرئيس ترامب مفتونة بمقولة «البقاء للقوي» تشن هجمة واسعة على منظمات أخرى تابعة للأمم المتحدة وتنسحب من بعضها على أساس الحجة نفسها، ولكن اللافت اعتقاد نتانياهو وحليفه المقرب ترامب حقيقة بإمكانية إلغاء اللاجئين الفلسطينيين من مسار التاريخ، ويكادان يحتفلان بهذا «الإنجاز». قالها نتانياهو أثناء افتتاحه أخيراً لمركز شيمون بيريز للبحوث النووي في النقب حيث تصنع إسرائيل أسلحتها النووية غير المعلنة. وقبل ذلك بيوم واحد قالها ترامب بإعلانه عن وقف دعم بلاده المالي للأنروا التي تعنى بتعليم ورعاية اللاجئين الصحية وإطعام بعضهم منذ عام تشكيلها في 1949. يمكن انتقاد أونروا بشدة لبيروقراطيتها المقيتة وتضخم العمالة فيها من دون مبرر وفساد تراتبية شرائح إدارتها العليا، ولكنها تقوم بعمل أساسي في ظروف قاسية، برعاية نصف لاجئيها في الضفة الغربية المحتلة وغزة المحاصرة ونصفهم الآخر الموزع بين لبنان وسورية والأردن.

تفوق التعليم في مدارس الأونروا ملحوظ بتميزه عن مستوى التعليم في بعض الدول المضيفة، ولكن مع زيادة عدد اللاجئين من 700 ألف عند التقسيم إلى خمسة ملايين تقريباً، تركت أثراً سلبياً على نوعية خدمات الوكالة. ولكن ما هو مطروح الآن ليس إصلاح هذه الخدمات بل إلغاء المزود بها بهدف إزالة بند العودة من أي مفاوضات مقبلة إن حدثت. فإن عاد نحو خمسة ملايين لاجئ فلسطيني، إضافة إلى نحو مليوني فلسطيني في إسرائيل، فهذا يعني التساوي مع عدد يهودها الذي ارتفع من 550 ألفاً في 1949 إلى نحو 6,5 مليون نسمة حالياً. لذلك يُفهم رفض حكومات إسرائيل لفكرة العودة مهما كان عليه موقف القانون الدولي في هذا الشأن.

حكومة إسرائيل تقول إن الفلسطينيين ليسوا لاجئين حقيقيين ما لم يكونوا قد عاشوا فعلاً في فلسطين قبل عام 1948، وبالتالي فإن أولادهم وأحفادهم لا يمكن أن يرثوا حالة اللاجئ وأنهم ليسوا مؤهلين للعودة ولا للتعويض عن حقوقهم المفقودة. هذا هو الموقف الأميركي كما عبر عنه سفير الولايات المتحدة ديفيد فريدمان على هامش نقل سفارة بلاده أخيراً إلى القدس، وهو يعبر عن رأي المستوطنين اليهود الذين كان فريدمان ووالد من قبله من أشرسهم. إذا طبق رأي نتانياهو حول بند العودة فهذا يعني أن اللاجئ الفلسطيني المؤهل للعودة هو من يزيد عمره عن 70 عاماً فقط، وهناك نحو 20 ألفاً من هذه الفئة العمرية التي ستتلاشى ربما قبل عقد أو عقدين من الآن.

حجة اليهود بملكية فلسطين تقوم على فكرة أن أسلافهم صاروا لاجئين قبل نحو 2000 عام من قبل الرومان، فهذا ينطبق أيضاً على الجيل الأول من الفلسطينيين على أساس استخدام نفس المعيار. في كل حال، يبدو أن القوة هي التي تحسم مصير الشعوب، وهذه مسألة يؤمن نتانياهو وترامب بها جيداً، وهما يعتقدان أنه بيدهما كل المفاتيح. فترامب اعترف في العام الماضي بالقدس كـ «عاصمة أبدية» لإسرائيل قاطعاً الطريق على الفلسطينيين والعرب، كما أن نتانياهو يؤمن أن القوة هي العنصر الحاسم في صوغ العلاقات الدولية ويعتقد أن بقية دول العالم ستتبع خطى واشنطن في النهاية.

الآن خطة فريدمان وصهر الرئيس ترامب ومستشاره للشرق الأوسط جاريد كوشنار ونتانياهو باتت واضحة تستند في أحد عناصرها على تجويع الفلسطينيين حتى القبول بما هو مطروح على طاولة المفاوضات. في أسبوع إعلان ترامب عن إنهاء مساهمة بلاده في ميزانية الأونروا، أعلن أيضاً عن وقف مساعدات إدارته السنوية البالغة 200 مليون دولار إلى السلطة الفلسطينية. هذا الثلاثي يعتقد أن الفلسطينيين سيقبلون شروط نتانياهو للتسوية عندما يصلون إلى حد عدم القدرة على تحمل الجوع. صحيح أن الاتحاد الأوروبي وبعض دوله الغنية بادروا لسد الفراغ الأميركي ولكن السؤال إلى متى سيستمر ذلك؟ صحيح أن المانحين سارعوا إلى سد النقص الناجم عن سياسة ترامب، ولكن من يدري ماذا سيحدث في الأعوام القليلة المقبلة عندما تبتعد الأنروا عن بقعة الضوء. لم يكتف ترامب بأونروا والسلطة، بل شملت إجراءاته معاقبة مستشفيات خيرية معروفة بصدقية عملها وإداراتها في القدس الشرقية، مثل مستشفى المقاصد التي تقدم خدمات ورعاية صحية ومعالجة العيون غير متوفرة في أي مكان آخر في الأراضي المحتلة.

ترامب كان واضحاً جداً في تفسيره لإجراءاته عندما قال: «أخبرتهم (الفلسطينيين) أننا لن ندفع لهم حتى نوقع على الصفقة، وإذا لم نتمكن من ذلك فإننا لن ندفع». لم يحدث قط أن قامت جهة مانحة في الغرب باتخاذ إجراءات عقابية ضد قطاع يهتم في الشأن الإنساني لإجبار القيادة الفلسطينية ليس للتفاوض، بل للركوع أمام الإدارة الأميركية وحكومة نتانياهو. لقد تجاوزت إدارة ترامب كل المعايير الأخلاقية في التعامل مع فلسطين بتوسيع الإهانة لتشمل الشعب وليس قادته فحسب.

المشكلة الكبرى التي يواجهها الفلسطينيون والعرب عموماً، وكذلك بعض الشعوب الأخرى هي أنه لا بد من أميركا، ولكن سلوك الإدارة الحالية يجعل العديد من حلفائها يفكرون بصوغ سياساتهم من دونها. تصريحات مستشار الأمن القومي جون بولتون في شأن المحكمة الدولية للجرائم رسالة واضحة إلى العالم، بأن إسرائيل لها حرية فعل ما تشاء تجاه الفلسطينيين من توسع استيطاني ومصادرة أراضٍ وترحيل. بات واضحاً أن دور إدارة ترامب في عملية السلام بات ينحصر في تطويق حكومة نتانياهو المتخمة بوزراء المستوطنين بدرع حماية غير مسبوق في تاريخ الإدارات الأميركية المعاصرة.

عن الحياة اللندنية

1

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى