عاموس هرئيل : في الطريق الى صيف صعب
هآرتس – بقلم عاموس هرئيل – 10/6/2018
في عدد من وسائل الاعلام الاسرائيلية سارعوا الى اجمال مظاهرات يوم الجمعة الاخيرة ووصفها كفشل مدوي لحماس. عدد المتظاهرين كان أقل من المتوقع – اكثر من 10 آلاف حسب الجيش الاسرائيلي. والجدار على طول الحدود لم يتم اقتحامه. هناك عدد من التفسيرات المحتملة لقلة المشاركين النسبية، ربما أن الامر مرتبط بالتماهي الواضح للمظاهرات في يوم الجمعة مع ايران، التي تعهدت بتوزيع الاموال على المتظاهرين، وأنه في ذلك اليوم صادف “يوم القدس” الايراني. وربما ايضا أن الناس خافوا من التواجد بسبب القتلى الكثيرين في المظاهرات السابقة وعلى خلفية التهديدات الاسرائيلية الواضحة بالمهاجمة من الجو في القطاع.
ولكن بنظرة اوسع فان قيادة حماس في القطاع توصلت عن طريق التجربة والخطأ الى صيغة ليست بدون فاعلية في صراعها امام اسرائيل. يوجد لدى حماس الآن خلطة جديدة من الوسائل – المظاهرات الجماهيرية التي تنزلق نحو العنف، الطائرات الورقية الحارقة والى جانبها احيانا القذائف – وذلك للحفاظ على نار المقاومة مشتعلة. ايام الهدوء النسبي التي ميزت القطاع على مدى الفترة منذ انتهاء عملية الجرف الصامد في صيف 2014 انتهت فعليا. حماس عادت الى المواجهة العنيفة. هل ستتدهور الامور الى مواجهة عسكرية شاملة؟ هذا اصبح سؤال آخر لا يرتبط فقط بحماس.
في الطرف الاسرائيلي فان التوجيه السياسي الذي يعطيه رئيس الحكومة للجيش واضح. نتنياهو معني بالامتناع عن اندلاع حرب في غزة والجيش يتصرف وفقا لذلك. عندما انتهت الاحداث أول أمس بأربعة قتلى فلسطينيين مقابل 60 قتيل في مظاهرات يوم النكبة في منتصف الشهر الماضي، فهذا ليس فقط بسبب أنه في الجانب الغزي استخدموا عنف أقل. يمكن الافتراض أن المصادقة على اطلاق نار القناصة في الجانب الاسرائيلي اعطيت هذه المرة بصورة مقننة.
في الحلفية يحلق تهديد جديد – الطائرات الورقية والبالونات الحارقة التي تشعل حرائق في اراضي بلدات غلاف غزة واحيانا يتم اطلاقها وهي تحمل عبوات ناسفة صغيرة. الفلسطينيون وجدوا هنا وسيلة بسيطة لكنها ناجعة للتسبب بضرر، لا سيما الضغط النفسي. الضرر الاقتصادي – 5 ملايين شيكل تقريبا حسب التقديرات في الاسبوع الماضي – ليس كبيرا، ومؤكد هامشي، مقارنة مع المبالغ الكبيرة المستثمرة من اجل حماية الحدود. المزارعون ايضا يسارعون الى انهاء حصاد المحصول في الحقول القريبة من منطقة الجدار لتقليص ضرر الحرائق.
لكن منظر الحرائق الذي لا يتوقف والذي يرافق المستوطنات منذ اكثر من شهر، مخيف ومحبط. كما هو متوقع الحكومة تتم مهاجمتها من قبل المعارضة على تأخر ردها على التهديد الجديد. وعدد من الوزراء دعوا الجيش في الاسبوع الماضي الى العمل ضد مطلقي الطائرات الورقية وكأنهم مخربون يطلقون الصواريخ. في الجيش الاسرائيلي الآن ايضا يخشون من ذلك بسبب عدم التوازن بين الوسيلة الفلسطينية والوسيلة المضادة التي سيتم استخدامها. على الاغلب القناصة لن ينفعوا ولهذا من المعقول أنه سيطلب استخدام سلاح الجو. أمس وللمرة الاولى اطلقت نار تحذيرية من الجو باتجاه خلية التي حسب اقوال الجيش الاسرائيلي عملت في تحضير بالونات مفخخة.
أول أمس بدأ “يوم الذكرى” الاخير في التقويم السنوي الفلسطيني للفترة القريبة، لكن هذا لا يعني أن قضية المظاهرات على الجدار انتهت.غزة دخلت الى صيف صعب، حيث وضع البنى التحتية فيها متدهور بشكل خاص. بالنسبة لعباس المظاهرات تمكن من التعبير عن معارضة لاسرائيل وتحرير ضغط داخلي، لذلك، مشكوك فيه اذا كانت قيادة المنظمة ستترك تماما هذه الوسيلة.
في الجانب الفلسطيني يصفون الاشهر الاخيرة بالمعركة المفتوحة غير المقيدة بزمن والتي سيكون فيها المزيد من الارتفاع والهبوط. طالما أن التدخل الدولي يزداد فان اللهب سيرتفع مثلما كان الوضع في يوم القتال الاخير في 29 أيار (الذي اطلق فيه اكثر من 150 صاروخ وقذيفة على مستوطنات غلاف غزة)، يصعب رؤية كيف يتم التوصل الى حل لمدة اطول قليلا.
مقابل هذا، من المفاجيء غياب الرد في الضفة الغربية على ما يجري في القطاع. هذا ليس فقط السلطة الفلسطينية. الآن يبدو أن المواطنين في الضفة ايضا لا يسارعون الى الخروج الى الشوارع للاحتجاج على قتلى غزة. الهدوء من شأنه أن يدل ثانية على درجة التنسيق الامني مع اسرائيل وعلى الاحتمال المرتفع للامتناع عن مواجهة معها ايضا عندما يعتزل الرئيس محمود عباس أخيرا من وظيفته. ايضا في العالم العربي الرد على القتل في غزة ضعيف. في فترات سابقة مثل بداية الانتفاضة الثانية وعملية الرصاص المصبوب خرجت الجماهير الى الشوارع في القاهرة وعمان الى درجة شعور الانظمة بالخطر. هذا ليس ما يحدث في هذه المرة.
يوجد حاليا للملك عبد الله مشكلات اكثر الحاحا. صحيح أن الملك قرر اقالة رئيس الحكومة على خلفية مظاهرات الاحتجاج على رفع غلاء المعيشة، لكن هنا المسألة بعيدة عن أن تنتهي. وبطبيعة الحال هذه الامور تثير قلق شديد في اسرائيل.
بالمقارنة مع موجات المظاهرات السابقة فانه في الاحتجاج الحالي يظهر جانبان. الاول، تشارك فيها طبقات مختلفة من المجتمع منها الطبقة الوسطى والوسطى – العالية، من خلال مشاركة بارزة لاطباء ومحامين ومعلمين في المظاهرات. الثاني، في الشبكات الاجتماعية وفي المظاهرات نفسها تبرز لغة قاسية ونابية تجاه الملك وأبناء عائلته.
في السنوات الاخيرة تعززت جدا العلاقات الامنية والسياسية بين اسرائيل والاردن. الجنرال (احتياط) عاموس جلعاد الذي تولى خلال سنوات مسؤولية العلاقات مع الاردن في وزارة الدفاع، اعتاد على القول إنه من الناحية العسكرية الحدود الاسرائيلية انتقلت شرقا لأن السلوك الاردني يخلق حزام حماية يمنع كل محاولة لتنفيذ عمليات تخريبية ضد اسرائيل، وذلك في الحدود الشرقية للمملكة.
خطر محتمل عتيد على استقرار الملك عبد الله هو كابوس لحكومتين أخريين، اسرائيل والسلطة الفلسطينية. العلاقات الاجتماعية بين الفلسطينيين في الضفتين قوية جدا، وعدم الهدوء المستمر في الاردن يمكن أن يؤثر سلبا ايضا على الوضع في الضفة الغربية.