ترجمات أجنبية

2011 عام المفاجآت في الشرق الأوسط

ترجمة: مركز الناطور للدراسات والأبحاث

 إعداد: تسفي جاباي *

معهد القدس للشؤون العامة والدولة في 26/12/2011

 

 * عمل سفيرا ونائبا لمدير عام وزارة الخارجية ومؤلف كتاب الشعر “الاستعمار الجميل”

 

وزير التاريخ سيصف بكل تأكيد عام 2011 على أنه عام المفاجآت الكبرى في الشرق الأوسط، نحن لا نكتفي بهضم تطور حتى يداهمنا تطور جديد أكثر مفاجأة، التونسيون كانوا الأوائل الذين حملوا راية التمرد ضد الاستبداد، وخلال فترة قصيرة انضم إليهم الليبيون واليمنيون والمصريون والسورين أيضا.

الشعوب العربية كسرت حاجز الخوف وانطلقت إلى ساحات المدن وفاجأت بانتفاضاتها الجماهيرية ضد الزعماء المستبدين العالم.

الانتفاضات أماطت اللثام عن الفوارق العميقة في خصائص الشعوب العربية وطبيعة حكامها وسلوك جيوشها.

في أم الدنيا أي مصر استبشرنا بمجيء الربيع العربي، كثيرون تشجعوا من أن ما تتوق إليه الأمم العربية من إصلاحات راحت تتحقق في نهاية المطاف، كيف حدث أن الشعب المصري الخنوع والمطيع تجرأ على التوجه إلى ميدان التحرير في وسط القاهرة وانتفضت جماهيره، المنتفضون صرخوا الحرية قبل رغيف الخبز، والذي كان هو الآخر ينقصهم، الجيش المصري فاجأ بانضمامه إليهم فبدلا من أن يقمعهم فقد وضع أكاليل الورود على فوهات البنادق وراح ينشد معهم نشيد “أحب حياة الحرية”. وخلال فترة زمنية قصيرة سقطت الأنظمة في تونس وليبيا ومصر وأقصي حسني مبارك وقدم إلى المحاكمة كواحد من أبناء الشعب.

مفاجأة فاجأت كل من يعرف الحاكم المستبد القادر على كل شيء وبشكل عميق.

لكن المنتفضين لم يكتفوا بذلك وانطلقوا مرة أخرى إلى المظاهرات وأرغموا الحكام العسكريين في مصر على إجراء أول انتخابات عامة حرة.

نتائج الانتخابات جاءت وفق رغائب المنتفضين وهي خريف إسلامي 75% من المقترعين صوتوا خلال الجولتين الأول والثانية لصالح الأحزاب الإسلامية الإخوان المسلمين والسلفيين.

أما الكتلة الليبرالية والعلمانية التي قادت الانتفاضة فقد حصلت على بقية الأصوات وفي الحقيقة فهي تشكل أقلية.

انتصار الحركات الإسلامية في الانتخابات في تونس ومصر وسيطرتهم في ليبيا جاءت بفضل نفوذها الذي تزايد وتصاعد تحت حكم الاستبداد.

إن الزيارة لدول عربية تدلل مدى النفوذ الكبير للإسلام على أبناء الشعب ومن المذهل أن نرى أثناء أداء صلاة الجمعة الجماهير وعلى الأخص الشبان يسارعون إلى الصلاة في ساحات المدن.

التأثير الإسلامي اتسع وهذا وفي جزء منه بفضل مشاريع توزيع المواد الغذائية على المحتاجين.

وهكذا نشأ دمج كاسح في الانتخابات بالنسبة للحركات الإسلامية.

ما هو العامل وراء الانتفاضات في الدول العربية؟

المتثقفون العرب هم بلا شك الذين زرعوا على مدى سنين في دولهم وعلى الأخص خارجها إرهاصات الزلزال الحالي، كتاباتهم الانتقادية والتي تجاهل الحكام تأثيراتها هي التي أعدت لتربة الانفجار الجماهيري، الشعراء والأدباء جاءوا ضمن حسابات شعوبهم ووقفوا ضد قمع الحريات والفكر وحرية التعبير. واحتجوا على استغلال فلسطين كذريعة لسلطتهم بدون أية مشاعر نحو شعوبهم، المفكر أدونيس في مقالة في 03/03/2011 دعا المنتفضين إلى المطالبة وبدرجة أولى إلى إلغاء الرقابة على الفكر والحياة، الحرية إذن هي الأساس بالنسبة لبني البشر.

في هذه الأيام عادت النار إلى مصر الشبان الذين تمكنوا من إقصاء مبارك وتطلعوا إلى دمقرطة بقوا محبطين، عملية الانتخابات كشفت عن ضعفهم العددي وهم يشعرون أن فرصهم في تقرير الأجندة في مصر هي ضئيلة، لذلك هناك مجال للافتراض بأنهم سيواصلون التعبير عن استيائهم وعلى الأخص على ضوء المساس والإضرار بالمؤسسات الثقافية للدولة.

الشرق الأوسط إذن لا مكان للحالمين والمتمنين، حتى الآن لم تتبلور شعوب متجانسة في الدول العربية التي أقيمت بشكل استبدادي واصطناعي من قبل الدول الغربية خلال النصف الأول من القرن الماضي، الشعوب ما تزال تصارع على هويتها، ولطالما حكمها مستبدون مطلقون فقد تمت إدارة شؤون الدولة مياه هادئة لكن عندما ارتخى عنان السلطة صعدت الحركات الإسلامية ذات التأثير الكبير واحتلت السلطة في تونس وليبيا ونحن نتوقع مفاجأة مماثلة في اليمن أيضا وفي مصر ويمكن أن نفترض في سوريا أيضا، لذلك علينا أن نفتح عيوننا ونحجم بالتطرق بشكل رسمي إلى الأحداث في الدول العربية، لأن تعاطينا قد يستغل من الجهات المعادية لصرف الاهتمام من المشاكل الداخلية الصعبة باتجاه إسرائيل عدوة الجميع.

وعلينا في المقابل أن نحاول تحديد الحركات المعتدلة من أجل أن نحتفظ بالتعاون معها على الاستقرار الجيوبوليتيكي الإقليمي.

ماذا نتوقع حدوثه في عام 2012؟ الأيام هي التي ستجيب على هذا السؤال.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى