أقلام وأراء

اللواء محمد إبراهيم الدويري يكتب – زيارة الرئيس “السيسي” لفرنسا ..  رؤية أخرى

اللواء محمد إبراهيم الدويري *- 12/12/2020

الحديث حول زيارة السيد الرئيس “عبدالفتاح السيسي” لفرنسا التي تمت خلال الفترة من 6 – 9 ديسمبر الجاري وما حققته من نتائج شديدة الأهمية لا تزال أبعادها وتأثيراتها متواصلة, وفي رأيي أن هذه الزيارة تعتبر من الزيارات التاريخية التي سيتم تسجيلها في تاريخ العلاقات المصرية – الفرنسية، كما أنها تعد أيضًا بمثابة نقلة نوعية ونموذج في تطور العلاقات الثنائية بين الدولتين، وبالتالي يمكن البناء عليها حتى تصل إلى آفاق أكثر تميزًا.

لن أتناول في هذا المقال نتائج زيارة السيد الرئيس لفرنسا وما عكسته من تأكيد لمعنى الشراكة الحقيقية، والاتجاه لمزيد من تطوير العلاقات الثنائية بين الدولتين, فقد سبقني للكتابة في هذا الموضوع الكثير من الزملاء الذين تحدثوا باستفاضة موضوعية وتناولوا الزيارة بقدر كبير من التفصيل المستحق, ولكنني سوف أركز في هذا المقال على زاوية أو رؤية أخرى للزيارة وهي رؤية مرتبطة بطبيعة دور القيادة السياسية، ومدى قدرتها على الوصول بهذه العلاقة الثنائية مع فرنسا إلى هذا المستوى الاستراتيجي المميز.

وقد حاولت أن أستخلص من زيارة الرئيس “السيسي” لفرنسا مجموعة من التساؤلات التي تحمل في طياتها العديد من المعاني الواضحة, وسوف أحاول في النهاية الوصول إلى إجابات محددة عن هذه التساؤلات التي حددتها في ثمانية تساؤلات رئيسية كما يلي:

التساؤل الأول: كيف يمكن أن تساهم شخصية السيد رئيس الجمهورية في بناء علاقة أفضل بين الدولتين وتدفع هذه العلاقات قدمًا إلى الأمام؟.

التساؤل الثاني: كيف يمكن للقيادة السياسية أن تحظى بهذا القدر من الاحترام والتقدير الذي ظهر بوضوح في حفاوة استقبال السيد الرئيس خلال كافة الاجتماعات واللقاءات التي عقدها سيادته في باريس حتي حصول سيادته علي وسام جوقة الشرف وهو أعلى وسام فرنسي؟

التساؤل الثالث: كيف يمكن للقيادة السياسية أن تترجم بوضوح معنى كلمة زيارة عمل، وأن يكون جدول أعمال زيارة السيد الرئيس مليئًا بهذا الكم والكيف من الشخصيات الكبيرة، ابتداء من الرئيس الفرنسي “ماكرون” ومرورًا بالوزراء ورئيس الوزراء ورئيس مجلس الشيوخ، وانتهاء برؤساء أكبر الشركات العالمية؟.

التساؤل الرابع: كيف يمكن أن تبحث القيادة السياسية هذا الكم الكبير من القضايا وتنجح في أن تصل إلى توافق في الرؤى بين الدولتين في كل ما يتعلق بالاهتمامات المشتركة وخاصة في منطقة الشرق الأوسط؟.

التساؤل الخامس: كيف يمكن للقيادة السياسية أن تستطيع إقناع القيادة الفرنسية ليس فقط بسلامة الموقف المصري في معظم القضايا التي تمت مناقشتها، ولكن حتى في القضايا التي تحمل اختلافات طبيعية في وجهات النظر ثم النجاح في ألا يكون لهذه الاختلافات أي تأثير على جوهر العلاقات الاستراتيجية بين الدولتين؟.

التساؤل السادس: كيف يمكن للقيادة المصرية أن تستعرض الموقف المصري بسلاسة ووضوح وإقناع في واحدة من أهم القضايا الشائكة التي تحاول بعض الدول أن تستخدمها أداة للضغط على مصر وهي قضية حقوق الإنسان؟.

التساؤل السابع: كيف يمكن للقيادة المصرية أن تتعرض لبعض الموضوعات ذات الحساسية الخاصة وتنجح بكل ثبات في أن تعرض الموقف المصري على النحو الراقي الذي تم، وخاصة في قضايا حرية الرأي والتعبير والرسوم المسيئة والعلاقة بين القيم الدينية والقيم الإنسانية؟.

التساؤل الثامن: كيف يمكن للقيادة السياسية أن تؤكد على الوضعية المميزة التي تتمتع بها مصر على المستويين الإقليمي والدولي، وأن تجذب دولة بحجم فرنسا لتكون حريصة كل الحرص على تطوير علاقاتها بمصر، بل تبحث عن الدور المصري ليساهم بفاعلية في تسوية وحل أهم المشكلات التي تعاني منها المنطقة؟.

وفي معرض الإجابة عن كافة التساؤلات السابقة، يمكن القول بكل سهولة ويسر وارتباطًا بزيارة السيد الرئيس لفرنسا، إن أهم ما يميز الرئيس “عبدالفتاح السيسي” هو المصداقية والصراحة والشفافية والوضوح والتلقائية المرتبطة بالإيمان والصدق والثقة بالله عز وجل والثقة بالنفس, ولا بد في هذا المجال أن أشيد عن قناعة كاملة بما صرح به الرئيس “السيسي” خلال المؤتمر الصحفي مع الرئيس “ماكرون” وردًّا على سؤال لـ”راديو فرانس” حول قضية حقوق الإنسان، حيث وجّه سيادته كلماته للرئيس الفرنسي مباشرة قائلًا له بكل تلقائية: “ليس لدينا أي شيء نخاف منه أو نُحرج منه”، وهو الأمر الذي يعكس أن السياسة المصرية الداخلية والخارجية هي سياسة تستند على المبادئ السليمة والمعلنة بكل وضوح أمام كل العالم دون أية مزايدة أو مواربة.

وارتباطًا بذلك، من الضروري أن أشير إلى أن القيادة السياسية المصرية هي قيادة وطنية تليق بحجم دولة عظيمة هي الدولة المصرية, وهي قيادة قريبة من مواطنيها، وتشعر بمطالبهم واحتياجاتهم، وقادرة على التعبير عن طموحات الشعب المصري، وحريصة يومًا بعد يوم على أن تنقل المواطن المصري إلى حياة أفضل. كما أن أهم ما يميز هذه القيادة تقديرها الكبير للشعب المصري، وتأكيدها في كل المناسبات على أن هذا الشعب العظيم هو الداعم الأول والأكبر لكل السياسات التي تقوم بها القيادة على كافة المستويات، وأنه السبب الرئيسي في إنجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي شهد العالم بما حققه من نتائج إيجابية.

ولا يمكن أن أُنهي هذا المقال دون أن أقف كثيرًا عند جملة شديدة الأهمية وعظيمة المعنى وواسعة التأثير، وهي الجملة التي صرح بها الرئيس “السيسي” في نهاية المؤتمر الصحفي مع الرئيس “ماكرون” وخلال رد سيادته على أحد الأسئلة قائلًا بارتجال شديد الصدق: “نحن أمة تجاهد من أجل بناء مستقبل لشعبها في ظروف في منتهى القسوة وشديدة الاضطراب”. وفي رأيي أن هذه الكلمات عبرت بشكل غير مسبوق عن مشاعر وأحاسيس ومكنونات ليس فقط السيد الرئيس، ولكنها عبرت عما يدور في عقل وقلب كل فرد من أبناء الشعب المصري العظيم. وأعتقد أن هذه الكلمات قد أكدت على النقاط الأربع التالية:

النقطة الأولى: أن الاهتمام الأول والرئيسي للقيادة السياسية يتمثل في بناء مستقبل أفضل للشعب المصري، وأن كل ما تقوم به القيادة حاليًا من جهود داخلية وخارجية وخطط مستقبلية يصب بشكل رئيسي في هذا الاتجاه، وأن منظومة الدولة كلها تعمل من أجل الوصول إلى هذا الهدف مهما كانت العقبات والصعوبات.

النقطة الثانية: أن مصر دولة مسالمة لا تبادر بالاعتداء على أحد، ولا يهمها سوى أن تعيش في سلام واستقرار وأمن ورخاء مع جميع الدول.

النقطة الثالثة: أن مصر عازمة على مواصلة مسيرتها الإصلاحية وإعادة بناء الدولة في مختلف المجالات، ولن تقف عند أية محاولات يائسة من أي طرف داخلي أو خارجي تهدف إلى تعطيل هذه المسيرة الناجحة.

النقطة الرابعة: أن مصر وهي تتحرك في مسار التنمية لن تقف ساكنة أمام أية محاولات من شأنها أن تهدد الأمن القومي المصري، وستظل قادرة على الرد بقوة وحسم في مواجهة أية تهديدات لأمنها القومي.

 *نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية .

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى