أقلام وأراء

د. صبحي عسيلة يكتب – الرأي العام الفلسطيني يُحصّن “عباس” ضد “ترامب”

د. صبحي عسيلة – 14/2/2020

أعادت خطة الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” للسلام في الشرق الأوسط الرئيس الفلسطيني “محمود عباس” إلى مقدمة تفضيلات الرأي العام الفلسطيني كما لم يحدث من قبل تجاه أيٍّ من مواقفه أو سياساته. فنسب التأييد التي حصل على الرئيس الفلسطيني من الرأي العام الفلسطيني بشأن موقفه الرافض للخطة الأمريكية لم يسبق أن حصل عليها الرئيس الفلسطيني في أي مرحلة منذ توليه الرئاسة خلفًا للرئيس الراحل “ياسر عرفات”. ففي مارس 2019، كانت نسبة الرضى عن أداء الرئيس “عباس” 34%، فيما وصلت في سبتمبر من العام نفسه إلى 37%. وفي يونيو 2019، كان أكثر من نصف الفلسطينيين (57%) يطالبون باستقالة الرئيس، وزادت تلك النسبة إلى 61% في سبتمبر من العام نفسه، أما شعبيته فيما لو خاض الانتخابات فكانت مستقرة خلال الفترة من يونيو إلى سبتمبر في حدود 48%.

وعقب طرح الرئيس الأمريكي مشروعه للسلام في المنطقة، أجرى المركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي استطلاعًا للفلسطينيين خلال الفترة من 31 يناير 2019 إلى 6 فبراير 2020، اتضح منه أن 74.3% من الفلسطينيين راضون عن رد الرئيس “محمود عباس” على الخطة. كما عبّر 82% من الفلسطينيين عن اعتقادهم بأن رفض القادة الفلسطينيين للخطة كان قرارًا صائبًا.

أما في استطلاع المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية الذي أُجري في الفترة ما بين 5 – 8 فبراير 2020، فقد عبرت الغالبية العظمى (94%) عن اعتقادهم أن معظم الفلسطينيين يعارضون الخطة، فيما عبر 3% فقط عن اعتقادهم أن الأغلبية تؤيدها. وفيما يتعلق بالرئيس “عباس” وموقفه من الخطة، أيد 65% من الفلسطينيين الموقف الذي اتخذه ضد الخطة.

ومع ذلك فقد بات واضحًا أن تلك الاتجاهات المؤيدة للرئيس “عباس” بشأن الخطة لم تنعكس في تحسن توجهات الرأي العام الفلسطيني تجاه الرئيس. حيث أظهر الاستطلاع الأخير أن نسبة الرضى عن أداء الرئيس “عباس” تبلغ 37%، مقابل 60% عبروا عن عدم رضاهم عن الرئيس، بل ووصلت نسبة المطالبة باستقالته إلى 62%، كما انخفضت نسبة تأييده في حال أُجريت الانتخابات بينه وبين “إسماعيل هنية” لتصل إلى 44%. أي إن نسبة عدم الرضى عن أداء الرئيس “عباس” ما زالت كما هي تقريبًا، بينما ترتفع قليلًا نسبة المطالبة باستقالتة رغم الانحياز الشعبي غير المسبوق له فيما يتعلق بموقفه من مشروع “ترامب”.

الانحياز الشعبي للرئيس “عباس” هو في الحقيقة انعكاس لتوجه الرأي العام الفلسطيني من مشروع “ترامب” أكثر منه انحيازًا لشخص وسياسات الرئيس “عباس”، فالرأي العام الفلسطيني في غالبيته ضد مشروع “ترامب” بشكل قاطع. ففي استطلاع المركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي الأخير، عبّر 89.2% من الفلسطينيين عن معارضتهم لخطة الرئيس الأمريكي، كما عبر 85.2% عن اعتقادهم أن تلك الخطة تجعل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي أكثر تعقيدًا. وعندما سُئل الفلسطينيون عن موقفهم من قول الرئيس الأمريكي إن رؤيته للسلام مختلفة من بقية الرؤى والخطط التي طرحتها الإدارات السابقة، كي نجعل المنطقة أكثر أمنًا بين الإسرائيليين والفلسطينيين؛ أكد 96% منهم أن هذا الكلام غير صحيح. وفي الاستطلاع الأخير للمركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، عبرت الأغلبية (82%) عن أنه في ضوء خطة الإدارة الأمريكية فإن الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي قد عاد ليصبح صراعًا على الوجود. فيما تقول نسبة 7% فقط إن الخطة جعلت السلام ممكنًا أكثر. وعندما سُئل الفلسطينيون عما سيحدث فيما لو قبل الطرف الفلسطيني الخطة الأمريكية، وهل يمكن أن يؤدي هذا القبول لإنهاء الاحتلال وقيام دولة فلسطينية؟ رأى 58% أن فرص حدوث ذلك هي صفر في المائة، ورأى 21% أن فرص حدوث ذلك أقل من 50%، مقابل 7% فقط قالوا إن فرص حدوث ذلك هي أكثر من 50%.

الفلسطينيون وخيارات الرد على الخطة الأمريكية للسلام

أعلن الرئيس “عباس” فور الإعلان عن خطة الرئيس الأمريكي البدء فورًا باتخاذ الإجراءات لتغيير الدور الوظيفي للسلطة الفلسطينية. كما أعلن وزير الشئون المدنية في السلطة الفلسطينية “حسين الشيخ”، أن السلطة أبلغت إسرائيل بأنها لم تعد ملتزمة بالاتفاقيات الثنائية بموجب اتفاقية أوسلو التي تم توقيعها في عام 1993، وذلك بعد إعلان خطة السلام الأمريكية التي يراها البعض أنها إعلان رسمي بوفاة اتفاق أوسلو بصرف النظر عن موقف السلطة نفسها. وهذا الإجراء لا يلقى صدى كبيرًا لدى الرأي العام، إما عدم ترحيب به وتفضيل خيارات أخرى، أو عدم تصديق أن السلطة راغبة في اتخاذ ذلك الإجراء. ففي استطلاع المركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي الأخير وعندما سُئل الفلسطينيون عن خيارات الرد الفلسطيني الأكثر احتمالًا، لم يفضل سوى 12.1% من الفلسطينيين خيار حل السلطة الفلسطينية، ووضع العالم أمام مسئوليات الفراغ القانوني، إضافة إلى 18.9% فضلوا خيار إبقاء وضع السُّلطة الفلسطينية كما هو، مع تطوير استراتيجيات جديدة لإدارة الشأن الفلسطيني. بينما انحاز 23.1% لخيار إدارة المقاومة عبر الفصائل الفلسطينية، وأيد 26.3% خيار تصعيد المقاومة. كما عبر 15.1% عن اعتقادهم ضرورة الإعلان عن دولة فلسطينية من جانب واحد.

موقف الرأي العام الفلسطيني بشأن خيارات الرد يتضح أكثر من استطلاع المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، حيث عرض الاستطلاع على الفلسطينيين عشرة خيارات متاحة للرد على المشروع الأمريكي، وطُلب منهم تحديد موقفهم من تلك الخيارات، فجاء خيار حل السلطة الوطنية الفلسطينية في مؤخرة الخيارات من حيث نسبة التفضيل، حيث حصل على نسبة 52%، مقابل 90% لخيار إنهاء الانقسام وتوحيد الضفة والقطاع، و85% لخيار محاربة إسرائيل دبلوماسيًّا في المنظمات الدولية، و84% لخيار سحب الاعتراف بدولة إسرائيل، و78% لخيار اللجوء لمظاهرات شعبية سلمية.

الأهم من ذلك كله أن الاستطلاع سأل الفلسطينيين عما ستسمح به أو تمنعه قيادة السلطة الفلسطينية من خيارات، فعبرت أغلبية كبيرة (83%) عن اعتقادها أن قيادة السلطة ستمنع اللجوء إلى خيار حل السلطة الوطنية الفلسطينية، وقال 73% إنها ستمنع العمل المسلح، وقال 66% إنها ستمنع وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، وقال 60% إنها ستمنع وقف العمل باتفاق أوسلو، وقال 55% إنها ستمنع سحب الاعتراف الفلسطيني بدولة إسرائيل. في المقابل، يعتقد 67% أن قيادة السلطة ستسمح بمظاهرات شعبية. وهذا الخيار الأخير هو ما رأت النسبة الأكبر (74%) أنه هو ما سيحدث على الأرض فعليًّا، فيما قال 66% إنه ستكون هناك محاربة لإسرائيل دبلوماسيًّا في المنظمات الدولية، وقال 61% إنه سيكون هناك لجوء للعمل المسلح.

وهذه المواقف من الرأي العام الفلسطيني تأتي في الواقع انعكاسًا لحالة الإحباط التي يعاني منها الرأي العام فيما يتعلق بعملية السلام، حيث يعتقد 61% أن حل الدولتين لم يعد عمليًّا بسبب التوسع الاستيطاني، كما أن 76% يعتقدون أن فرص قيام دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل خلال السنوات الخمس القادمة ضئيلة أو ضئيلة جدًّا، وهو الأمر الذي ينعكس في تفضيل الأكثرية (45%) بدء كفاح مسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي للخروج من الأوضاع الراهنة بزيادة قدرها حوالي 15% عما كان عليه الوضع قبل شهرين، أي قبل طرح المشروع الأمريكي، حيث كانت النسبة 39%. أما التوصل إلى اتفاق سلام مع إسرائيل كمخرج من المأزق الراهن فيقول بإمكانية حدوثه 22% من الفلسطينيين، بتراجع قدره 24% عما كان عليه الوضع قبل شهرين، حيث كانت النسبة 29%.

باختصار، إن الرأي العام الفلسطيني بصرف النظر عن التغيرات التي تمر بها توجهاته إزاء عملية السلام والعلاقة مع إسرائيل، وبصرف النظر أيضًا عن موقفه الداخلي من الرئيس “محمود عباس”؛ يقدم شبكة أمان محصِّنًا من خلالها موقف الرئيس “عباس” في مواجهة المشروع الأمريكي للسلام في الشرق الأوسط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى